على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، أصبحت الحدود البحرية بين بورما وبنجلاديش مسرحًا لأزمة غامضة، حيث فر نحو 300 ألف من الروهينجا للانتقال إلى المعسكرات الموجودة في بنجلاديش. وذلك هربًا من الحملة التي يشنها الجيش البورمي ضد الأقلية المسلمة، والتي شهدت القتل العشوائي، والاغتصاب الممنهج، وحرق قرى بأكملها في ولاية راخين التي تعيش بها أقلية الروهينجا. وعلى الرغم من الأدلة التي دفعت المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين إلى وصف تلك الأعمال الوحشية ب"نموذج للتطهير العرقي"، إلا أن الجيش والحكومة البورمية نفت استهداف المدنيين. مؤكدة أنها تستهدف جماعة مسلحة تزعم حماية الروهينجا، إلا أنها -على حد وصف الحكومة البورمية- ميليشيا مسلحة تسعى لإقامة دولة إسلامية في ولاية "راخين" جنوب غرب البلاد. وأشارت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى أن هذا الموقف يستدعي مقولة "المدافع عن الحق في نظرك، إرهابي في نظر غيرك". مضيفة أن الروهينجيا بلا شك في حاجة للحماية، حيث تعرضت للقمع على مدار عقود، كما حرموا من الاعتراف بهم كمواطنين في بورما ذات الأغلبية البوذية. ومع الإصلاحات السياسية التي حدثت ببورما في 2011، والتي أنهت عقودًا من الحكم العسكري بالبلاد، آمل المجتمع الدولي أن توفر الحكومة البورمية الحماية للروهينجا، وخاصة مع تولي أونج سان سوتشي الحائزة على نوبل للسلام مقاليد الحكم بالبلاد. إلا أن الدستور في بورما يمنع سوتشي من التحكم في أمور الجيش، بالإضافة إلى اعتقادها في الفكرة المنتشرة في بورما أن الروهينجا هم عبارة عن مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش. وعلي الرغم من الأدلة التي تشير إلى وجودهم في المنطقة منذ عدة أجيال، إلا أن الحكومة البورمية تشير إلى الروهينجا على أنهم مجموعة من "البنغال". ووفقًا لتقرير نشرته مجموعة الأزمات الدولية في ديسمبر الماضي، أشار إلى قيام كل من السعودية وباكستان بتمويل المتمردين الروهينجا، والتي عرفت باسم "حركة اليقين"، لتغير اسمها بعد ذلك باسم "جيش تحرير روهنجيا أراكان". وأضاف التقرير أنه تم نقل السلاح والأموال عبر عدد من المغتربين الروهينجا في الخليج العربي وبنجلاديش، ليصل في النهاية إلى بورما حيث يتلقى المقاتلون المحليون تدريباتهم. وأضاف التقرير أن جيش تحرير روهنجيا أراكان حصل على دعم العديد من المواطنين الروهينجا، ومع الحملة الأخيرة للجيش البورمي التي بدأت بعد هجوم متزامن للمتمردين الروهينجيا على عدد من النقاط الحدودية التابعة للشرطة وأسفرت عن مقتل 12 ضابطًا بورمي، من الممكن أن تدفع المزيد من الروهينجيا للمتمردين. وعلى الرغم من عدم التكافؤ في القوى بين الجيش البورمي وجيش تحرير أراكان، والذي يضم مئات المقاتلين فقط، هناك أدلة ضعيفة على انضمام عدد من المقاتلين الأجانب للمتمردين. وكان جيش تحرير أراكان قد أعلن عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، على أمل التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية، إلا أن الحكومة البورمية رفضت الدخول في محادثات معهم. وأكدت "واشنطن بوست" أنه على الرغم من عدم أهمية مشكلة الروهينجا للعامة في بورما، فإن هجمات جيش تحرير أراكان الأخيرة وإن كانت لا تذكر أمام انتقام الجيش البورمي، ساهمت في تدعيم وجه نظر الحكومة.