في مسلسله الأخير "الجماعة 2" الوفد غاضبون، وقالوا إنه أهان النحاس باشا، وإن النحاس ما كان ليقَبل يد الملك، الناصريون في قمة الغضب وهم الأكثر غضبًا على الإطلاق، ولولا مكانة وحيد حامد وحروبه المستمرة ضد الإرهاب، وكراهيته للإخوان المسلمين كراهية التحريم، لاتهموه بأنه خلية نائمة، ولكنهم لم يصمتوا، فانهال عليه النقد اللاذع، حتى عبد الله السناوي انتقد المسلسل. بالطبع الإخوان غاضبون لأنه أظهر علاقتهم الخفية بالأجانب سواء الأمريكان أو الإنجليز، وأنهم يلعبون على كل الحبال، وبالطبع أثبت تورطهم في محاولة اغتيال ناصر في 54، التي يدَّعون على الدوام أنها تمثيلية. حتى كارهي الإخوان، اعتبروها تجمل وجه الإخوان، وتطرق على المظلومية التي يعملون عليها دائما، وأظهر التعامل الخشن من قبل الثورة تجاه الإخوان في السجون. سامي شرف وكل رجال ناصر القدامى، نفوا بشدة عضويته في جماعة الإخوان المسلمين، ونفوا بشدة فكرة سيطرة سيد قطب على مجلس قيادة الثورة، الذي ظهر في الحلقات الأولى، قبل أن يدب الشقاق بين قطب ورجال الثورة لاحقًا. واعتمدوا على السير الذاتية لرجال الثورة، وعلى رواية ناصر نفسه لإحدى الجرائد عن علاقاته قبل الثورة سواء بالوفد أو مصر الفتاة أو الإخوان المسلمين، وأنها كانت علاقة معرفة لا علاقة عضوية وبيعة. وهذا يعيدنا إلي فكرة كتابة التاريخ، فالتاريخ ليس دائمًا منصفًا، والسير الذاتية ليست موضوعية بكل تأكيد، ربما جلال أمين كان أكثر صدقًا في روايته لتاريخه عندما تحدث عن مثالب وإخفاقات، المسيري كان أكثر صدقا عندما عنون كتابه، "سيرة غير ذاتية وغير موضوعية"، واعتبر التحيز صفة إنسانية جيدة، ولا يجب التبرؤ منها. ما يلفت الانتباه هو حالة الرفض التام، من كل طرف لتفسير الطرف الآخر، رغم أنها ليست وجهات نظر، ولكنها روايات تاريخية، بالتأكيد مختلفة ومتضاربة أحيانا، وكان لوحيد حامد اختياراته الخاصة وترجيحاته، وهو عمله الإبداعي وهو يخصه، ولا يجب أن نتعامل مع الموضوع بكل هذه الحساسية. نفس هذا الأمر يحدث مع بقية الدراما، فالقضايا ترفع كل يوم ضد هذا المسلسل وهذا المسلسل، على أساس أن هذا يوجه إهانة للفئة الفلانية أو غيرها من وجهات نظر، الناس تريد دراما تفصيل، لا مشكلة لدي من انتقاد أحدهم لهذا المسلسل أو ذاك، ولكن فكرة القضايا لإغلاق هذا العمل أو ذاك فهذا أمر غريب ومثير للدهشة، كأن المسلسلات لها هذا التأثير الكبير على الوعي، مع العلم، أنه مع كثرة المسلسلات وتنوعها، فنسب المشاهدة ليست بالكثافة المطلوبة، وموزعة بشكل كبير على هذا العدد الضخم من الأعمال الدرامية، ولم يصبح لها هذا التأثير الجمعي الكبير، ويجب أن توضع في إطارها أنها دراما، وأنها عمل فني يخص أصحابه. ولو شاهدنا الأفلام الأمريكية التي تتحدث سواء عن الأحداث التاريخية، أو حتى الخيال الذي يطال المؤسسات الرسمية، فكثيرا ما أساءت بكل أريحية للإف بي آي أو السي آي إيه، أو عن مجموعات داخل هذه الأجهزة، تتآمر وتعمل ضد أمريكا، ولم يفكر أحد في مقاضاة فيلم بأنه يهين الإف بي آي أو السي آي إيه، رغم أنها أعمال سينمائية لكبار الممثلين وتحقق إيرادات كبيرة وتعرض في العالم كله، بمعنى مشاهدات لها طابع عالمي وليس شديد المحلية كما في المسلسلات العربية. وهذا يعيدنا إلى فكرة التاريخ، فإذا كنا غير حاسمين لتاريخ ما زال بعض شخوصه يعيشون بيننا كسامي شرف، فما بالنا بتاريخ مر عليه 14 قرنا أو أقل سواء تحدثنا عن سيرة الخلفاء، أو عن الناصر صلاح الدين الذي أثار جدلاً في الفترة الماضية وما زال يوسف زيدان يفرد أوراقه ويتحدث. التاريخ كقطع البازل، لا بد للقارئ بعد أن يقرأ أن يحلل ما بين السطور، وأن يرجح أحداثا ويشكك في أخرى، وأن يركب صورته الخاصة للتاريخ، سواء احتفظ بها لنفسه كقارئ واع للتاريخ، أو فرغها في عمل إبداعي سواء كان روائيا أو حتى سردا تحليليا، أو عملا فنيا مصورا كالذي نشاهده، وقد كان هناك رواد لتلك الكتابة منهم جورجي زيدان، وكذلك العقاد والكثير من الكتاب الذين فرغوا التاريخ في أعمال روائية، وهي في النهاية عمل روائي، يتقاطع مع التاريخ ولا يتطابق معه، خاصة أن فكرة التطابق هي فكرة مستحيلة، لأن المدوَّن ليس بالضرورة هو الحقيقة الكاملة، إن لم يكن الكذب المطلق. وبشكل عام تحية لوحيد حامد كمبدع كبير قدم الكثير من الأعمال الإبداعية لهذا الوطن، وربما يكون هذا العمل محفزا لأطراف أخرى أن تقرأ التاريخ بطريقة أخرى، ويكون الحكم في النهاية للمشاهد، لأن هذه الحقبة مليئة بالأحداث ومليئة بالدراما الحقيقية، وزوايا الرؤية مختلفة، والأفلام القديمة مثل "في بيتنا رجل" وغيره من أفلام الثورة، هي أشبه بأفلام الشؤون المعنوية، حتى أفلام الحقبة الساداتية، "الكرنك" وخلافه كانت موجهة سياسيا، وفي صالح السلطات القائمة، ولا حاجة الآن في هذا العصر المفتوح لهذه الأفلام الدعائية، إلا إذا كانت أفلاما تسجيلية، وهي واضحة أنها دعائية، فهذا مقبول في إطاره الدعائي المعلن، أما غير ذلك، فهو يتراجع بالإبداع، ويتسرب المشاهدين من بين أيدينا، لدراما أخرى، ولسينما مختلفة، فلا تخسروا المشاهدين، فنحن في حاجة إليهم. هل سيسعف الوقت وحيد حامد لتقديم "الجماعة 3" التي تأتي بنا من السادات وحتي يومنا هذا، ويتحدث عن أحداث أكثر معاصرة، أم أن الهجوم سيكون عائقا ومعاديا لأي روايات مختلفة.