كانت غزوة بدر، ووفاة السيدة رقية ابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، هي أبرز ما حدث في مثل هذا اليوم 17 رمضان لسنة 2 هجرية، والموافق 13 مارس للسنة الميلادية 623. تُعد هذه الغزوةُ أولَ معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، وسُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. وبدأت المعركة بمحاولة اعتراض قافلة تجارية كبيرة بها ألف بعير وثروة تقدر ب 50 ألف دينار ذهبي، بقيادة «أبي سفيان بن حرب»، لتعويض بعض ما أخذه المشركون منهم في مكة، إلا أن أبا سفيان علم بما يدبره المسلمون فغير من طريقه وأرسل في طلب نجدة قريش. وما أن علمت قريش بالأمر حتى خرجت للقتال في جيش قوامه 1300 مقاتل ومعهم 600 درع و100 فرس، وأعداد ضخمة من الإبل، أما عدد المسلمين فكان حوالي 314 مقاتلًا، منهم 83 من المهاجرين. استشار النبي صلى الله عليه أصحابه لمعرفة موقف الأنصار من القتال، فأدرك سعد بن معاذ مقصد الرسول وقال امض يا رسول الله لما أردت؛ فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبرٌ في الحرب، صدقٌ في اللقاء. مضى النبي (صلى الله عليه وسلم) يعبئ الجيش للقتال، ويشحذ معنوياته، ووقف (صلى الله عليه وسلم) يناجي ربه أن ينزل النصر على المسلمين، وأخذ يهتف بربه قائلا: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» حتى سقط الرداء عن كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو مادٌّ يديه إلى السماء، فأشفق عليه أبو بكر الصديق، وأعاد الرداء إلى كتفيه والتزمه (احتضنه) وهو يقول: «يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك» فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر». وسار النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أرض المعركة لصالحه وسبق المشركين إلى الميدان، فجعل الشمس في ظهره، أما قريش فكانت الشمس في أعينها، وحفز النبي أصحابه على القتال بعبارة قوية لا تحمل أي تردد أو خوف: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض». وبدأ القتال بمبارزة كان النصر فيها حليف المسلمين، وقتل 70 من المشركين، وأسر مثلهم، وكان من بين القتلى أئمة الكفر: (أبو جهل وعتبة وشيبة أبناء ربيعة وأمية بن خلف، والعاص بن هشام بن المغيرة)، أما المسلمون فاستشهد منهم 14 رجًلا، 6 من المهاجرين، و8 من الأنصار. وفاة السيدة رقية وفي السابع عشر من رمضان العام الثاني للهجرة، وفي نفس يوم غزوة بدر، توفيت السيدة رقية بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان عمرها آنذاك 22 عامًا. رقية هي ثانية بنات رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأمها خديجة بنت خويلد؛ أسلمت وهي ابنة 7 سنوات، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء، وكانت تكنّى ب"أم عبد الله"، وتكنى كذلك ب«ذات الهجرتين» أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة. ولما بلغت رقية رضي الله عنها وأختها أم كلثوم عليهما السلام مبلغ الزواج، خطبهما أبو طالب (عم النبي) لابني أخيه عبد العزي أبي لهب عتبة وعتيبة، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لأبي طالب من مكانة عنده صلى الله عليه و سلم ولأن الخاطبين ابنا عمه، فلما نزلت سورة المسد «تبت يدا أبي لهب وتبّ» قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب: «فارِقا ابنتي محمد». ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما كرامة من الله تعالى، وهوانا لابني أبي لهب. تحملت السيدة رقية في صبر ويقين في الله الطلاق الظالم من زوجها، ومكثت في بيت أبيها تشاركه هموم الدعوة وما يلاقيه في سبيل الله تعالى، فعوّضها الله بعد صبرها وتزوجت عثمان بن عفان أحد العشرة المبشرين بالجنة، وصاحب النسب العريق والمال الموفور والخلق الكريم. وما كان الرسول الكريم ليبخل على صحابي مثل عثمان بمصاهرته، وسرعان ما استشار ابنته؛ ففهم منها الموافقة عن حب وكرامة، وتم لعثمان نقل عروسه إلى بيته، وهو يعلم أن قريشا لن تشاركه فرحته، وسوف تغضب عليه أشد الغضب، ولكن الإيمان يفديه عثمان بالقلب، ويسأل ربه القبول، ودخلت رقية بيت الزوج العزيز، وهي تدرك أنها ستشاركه دعوته وصبره، وأنها ستسلك سبلا صعبة دون شك إلى أن يتم النصر لأبيها وأتباعه، وسعدت رقية رضي الله عنها بهذا الزواج. هاجرت رقية مع عثمان رضي الله عنه الهجرة الأولى إلى الحبشة، وكان السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه لما رأى المشركين ولا يستطيع أحد أن يكفهم عنه: «إن بالحبشة ملكا لا يُظلم عنده أحد، فو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجا»، فكان أول من خرج منهم عثمان بن عفان ومعه رقية. ولما تأخرت أخبارهما على النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، فقال: «ائتيني بخبرهما»، فرجعت أسماء إلى النبي وعنده أبو بكر، فقالت: «يا رسول الله؛ أخرج حمارا موكفا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر». فقال النبي: «يا أبا بكر؛ إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام». وبعد رجوعهما من الحبشة هاجر عثمان إلى المدينة ومعه رقية؛ لذلك أُطلق عليها «ذات الهجرتين» أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة. وفي السنة الثانية من الهجرة مرضت رقية عليها السلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد وقتها للخروج إلى بدر، فأمر عثمان وأسامة بن زيد بالبقاء لرعايتها في مرضها، فماتت حين وصل زيد بن حارثة ببشارة نصر المسلمين في غزوة بدر، وتوفيت ولها من العمر 22 سنة، ودفنت في البقيع بالمدينة.