كان يتحرك بريبة وعشوائية، وهو يحمل طفلة رضيعة عمرها أشهر تتجاوز بالكاد أصابع اليد الواحدة، وبالرغم من استغراق الطفلة فى بكاء ونحيب هستيري، بدا غافلًا عن ذلك رغم احتضانه الشديد لها ومحاولته هدهدتها، فكأن كيانه مع المولودة بينما عقله فى مكان آخر، غير منتبه لما يثيره من ريبة وقلق مرتسمان على ملامح وجهه، جعلا الأهالى بمنطقة الحسين تدرك أن ورائه مصيبة ما، وربما الرضيعة التى بين يديه تصرخ حضن أمها بعد اختطافها منه، فألقوا القبض عليه ليؤكد لهم أنه والد الطفلة، بينما بدت إجاباته غير مقنعة تمامًا عن مكان الأم، ولماذا لا ترافق رضيعتها الصغيرة وتنقذها من الاختناق بكاءً، لتضح هنا معالم جريمة. لم يكن هناك شك لدى رجال مباحث قسم شرطة الجمالية، الذين استوقفوا "عبد العزيز.أ.ع" 30 سنة ويعمل نقاش، أنه والد الطفلة لأنه كان خائفًا عليها رغم جهله عن العناية بها ومعرفة ما تحتاجه، لأنه أب، ومن هنا تركزت الأسئلة عن "مربط الفرس" فى القصة، ألا وهى الأم، أين هى؟، ولماذا لا تتواجد مع طفلتها؟، هل من المعقول أن يأتى رجل من محافظة الدقهلية حسب بطاقة إثبات هويته التى اطلعت الشرطة عليها، ليجوب المنطقة الروحية والثرية بالحسين، وهو يحمل مولودته ذات السبعة أشهر دون أم أو أخت أو أدوات رعاية للرضيعة؟، لتفتح الردود المتأخرة والغير مبررة باب الشك من أوسع أبوابه مؤكدة الريبة الأولى فى المشهد بوجود جريمة ما. وأمام الصمت عن ردود مقنعة، لجأ رجال المباحث فى ساحة منطقة الحسين إلى البحث عن مجيب لأسئلتهم، ولم تكن الإجابة بالطبع بين الأغراب المتواجدين إما للتنزه أو الصلاة بالمسجد، ولكنها جاءت من الهاتف المحمول الخاص بالأب، إذ تبين تسجيل رقم هاتف زوجة "عبد العزيز" فتم الاتصال به بعد التحفظ على المشتبه به ورضيعته، ليكشف جدها عن وجود خلافات بين ابنته وزوجها والد الطفلة، وأنه دائم التعدى على ابنته، ولما أبلغوه بالقبض على نسيبه رفقته حفيدته الوليدة، هرول الجد إلى مسكن ابنته ليطمئن عليها، وهنا اكتشف الكارثة بمقتل ابنته. وهنا تفاقمت مأساة بكاء الرضيعة والريبة فى والدها إلى كارثة جريمة يغب عليها مذاق الموت والحرمان الأبدى، أذ أكد اتهم الأب فى اتصاله برجال الشرطة بالجمالية أن زوج ابنته قتلها، وهو ما أكده مركز شرطة نبروه بمحافظة الدقهلية، بوقوع جريمة القتل فعليًا وصحة أقوال الجد الذى اكتشف جريمة مقتل نجلته، عقب اتصال رجال المباحث به من هاتف زوجها. وبعدما انكشفت الحقيقة التى بدء البحث عنها بالصراخ والبكاء الهستيري للرضيعة، حان وقت مواجهة الأب، الذى اعترف اعترافات صادمة، مفادها أنه معتاد لديه الخلاف مع زوجته، وتوثيقها والتعدى عليها بالضرب، ومؤخرًا نشبت مشادة بينها أخذت طريقها المعتاد إلى توثيق المسكينة زوجته للإمعان فى ضربها دون حول لها ولا قوة، لكنها هذا المرة شاءت المقاومة، واستماتت فيها، فما كان منه إلا أن خنقها بإيشارب، وذلك لشل حركتها، لكنه شل أنفاسها إلى الأبد، إذ تجاوز الاستقواء على الزوجة إلى حد القتل. وانتبه قاتل زوجته أخيرًا أن لديه طفلة رضيعة بحاجة إلى أمها التى حرمها منها للتو، فلم يترك الطفلة بجوار الجثة وحيدة فى مسكن الزوجية، وإنما هداه تفكيره لاحتضانها والهرب بها قادمًا إلى القاهرة للاختباء، متلمسًا السكينة بمنطقة مسجد الحسين، لكنه تاه فى دوامة جريمته بما لم يمكنه من تقدير حجم المأساة وما يُضاف عليها بالسفر والذهاب والإياب فى الشوارع بطفلة عمرها 7 أشهر، حرمت من أمها بيد أبيها القاتل الغارق فى مشاهد جريمته، وعلى الفور تم تقديم الرعاية اللازمة للطفلة، وترحيل والدها المتهم إلى النيابة المختصة بمركز نبروه لبدء التحقيق الجنائى معه.