محافظ أسوان يكرم الحاصلين على المراكز الأولى بالدورات والبرامج التدريبية بسقارة    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    تراجع طفيف في أسعار الذهب مع تقلص التوقعات بخفض الفائدة في 2024    بايدن يلزم الصمت في مواجهة الحراك الطلابي الرافض للحرب على غزة    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    إعلان عقوبات مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    الغربية تواصل حملاتها التفتيشية المفاجئة على الأسواق والمخابز والمطاعم    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    "الفنون التشكيلية" يفتتح معرض "بنت مصرية" ل نادية قنديل بمتحف أحمد شوقى.. صور    كيف نحتفل بشم النسيم 2024؟    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الفساد الجميل وائل عبد الفتاح
نشر في التحرير يوم 02 - 03 - 2014


لو كان موجودًا.. لما قامت الثورة
كان السياسى المخضرم يجزم فى جلسة أمام شباب يهزّون رؤوسهم، هم أبناء طبقات كانت مستعدة للقفز إلى وراثة الأدوار فى السلطة واحتكار الثروات، وقبل أن تمد سيقانهم فى جسد الدولة. حدث الزلزال وتفكك الجسد العجوز/ الهزيل.. وبدت سيقانهم مرفوعة فى الهواء يبحثون عن عكازات يستعيدون بها التوازن.
العجوز الذى لا تنقصه فتنة الحكى، وما زالت تجذبه شهوة المتع التى حصل عليها بالقرب من السلطة، ولهذا قاد الشباب المفتون بماضى الدولة، إلى نجمها فى لحظة الفتنة.
نعم إنهم شباب، لكنهم فى الجانب الآخر يحبون تراثها الثقيل المرهون بجدها البيروقراطى، هم الذين غادروها فى لحظة مع أحمد عز ببريق الملياردير الذى معه كتالوج التحديث، وكان يحمل معه أوعية الطلاء، لكنه الآن فى سجنه. النادم الأكبر على مغادرته مواقع صنع الثروة، وها هم شباب أثرياء الدولة يشعرون بالحنين إلى كمال الشاذلى، الباشا الصاعد بقوة وظيفته البيروقراطية، والإقطاعى من دون أصول إقطاعية، والوزير الدائم والزعيم الأبدى.. إنه شخصية فوق تاريخية فى مدينته.
خبرة «نادرة» كان من الصعب تجهيز بديلها بين يوم وليلة.
والتصميم الأساسى للنظام السياسى يعتمد على الشاذلى بدرجة لا يمكن تخيلها. يحمى نفسه بملفات جاهزة للجميع. ويدير النواب بمنطق القطيع يشد ويرخى. عارف بخبايا ودهاليز كل موقع فى مصر. لديه خريطة الأنصار ومناطق الضعف. ورغم أنها قديمة، فإنها الوحيدة على العموم.
كمال الشاذلى علامة من علامات عصر مبارك. كان رمزًا لقوة النظام وهو فى كامل صحته، وجبروته، مصارعًا مرعبًا فى حلبة البرلمان، ويوقف المعارضين عند حدودهم فى استعراضات مذاعة على الهواء، وعندما ظهرت صورته بعد العودة من رحلة علاج، وإعلان عن الترشح فى الانتخابات المقبلة، ليكسر الرقم القياسى الذى أدخله موسوعة جينيس، أقام تحت قبة البرلمان 46 عامًا، ورغم غيابه وانصهار جسده تحت ضربات السرطان، فإنه قبل موته بأسابيع عاد والتقط صورًا استدعت التعاطف (فَقد أكثر من نصف وزنه ولم يعد هو ذاته الديك المنفوخ الخارج من حظيرة بيت فلاحى). بدأ حتى اللحظة الأخيرة متمسكًا بمقعده رغم أن جسده راح منه، وبقيت منه إشارة أو ظل، أو شبح يشير إلى قوة غابرة.
صورة الشاذلى الأخيرة كانت هى صورة النظام فى لحظاته الأخيرة. هزال، وعدم قدرة على إدراك ما تعنيه الشيخوخة، وما يستوجبه تجديد شباب الدولة.
كمال الشاذلى الآخر استقبله أهل الدائرة بعد المرض، باحتفال ومهرجان حقيقى، وغنوا له: «فى كل شارع فى كل حى.. أنوار بتضوى فى ليلنا ضى.. سألت أهلى وحبايبى.. قالوا النهارده وزيرنا جاى».
ال«نا» الجماعية خافت من مصيرها بعد غياب ال«أنا» العليا المقيمة فى منطقة بين يد الواقع والأسطورة.
هو عابر للعصور. فى خدمة السلطة ما دامت سلطة. ولاء على الطريقة الريفية. تابع وليس سياسيًّا. بارع فى تكوين جيوش الموالين والمرتزقة وفق عقيدة الإيمان برأس النظام وحكمته.. وأنه القادر على تحقيق المصلحة.
كان يعرف خريطة السيطرة على الأرض.. عندما كان مسؤول التنظيم فى الحزب الحاكم، يعرف تفاصيل «قيادات الشارع»، ومفاتيح الوصول إلى المقاعد البرلمانية. خريطة سرية، جعلته كاهن البرلمان وحامل أختام الوصول إليه. لم يصل أحد البرلمان، طوال سيطرته على موقعه، إلا ومرّ من بوابته، عبر صفقة أو اتفاق شفهى، أو ملف مستمسكات يخرج فى الوقت اللازم. قيل إنه أوحى لعلاء الأسوانى فى «عمارة يعقوبيان»، بشخصية «الفولى» (فى الفيلم لعب الدور خالد صالح) وسيط وسمسار السلطة، وجامع ثرواتها من الشوارع، والعارف بالأسرار، والمسيطر على الشبكات المعقدة، بخلطة تعلّمها من كهنة العصور المتعاقبة، الذين التقطوه كموديل ما بعد الملكية، حيث كانت الثورة تحتاج إلى كوادر من نوع مختلف عن سياسيى ما قبل الثورة «الباشوات والأفندية وملّاك الأراضى وغيرهم من موديلات السياسة فى العصر الملكى».
قال الشاذلى عندما أُبعد من الوزارة إن الرئيس رأى أنه يحتاجه فى المجالس القومية المتخصصة، وهذا يعنى أنه يريد أن يحدث بها تطوير «وهو كلام قاله من قبل صفوت الشريف عندما أُبعد عن وزارة الإعلام التى ظل على رأسها 22 عامًا».
«أنا تحت أمر الرئيس»، هكذا قال الشاذلى ليبرهن على أنه المنتمى بإخلاص لنظام يعتمد على ثقافة التبعية الريفية.
كمال الشاذلى هو رمز يمكن تحليله لمعرفة مسيرة نظام العسكرتاريا من عبد الناصر إلى مبارك.
كتب كمال الشاذلى عن نفسه يوم 6 مارس عام 1964.
كان وقتها فى أول أيامه فى مجلس الأمة «الاسم القديم لمجلس الشعب». وفى استمارة تعريف تضعها صحيفة «الأهرام» فى صدر ملف يضم الأرشيف الصحفى الخاص بها، كتب كمال الشاذلى أنه مولود فى 16 فبراير العام 1934 «هو إذن كان أصغر ديناصورات الحزب الحاكم». محل الميلاد: الباجور «المدينة التى أصبحت شهيرة به فى المنوفية الموطن الأصلى للرئيسين السادات ومبارك، وهو موضع سخرية الشعب المصرى الذى يتندر على فكرة أن مصر تحت حكم المنايفة منذ 34 عامًا».
رقم هاتفه وقتها كان يحمل رقم 65.
ورغم أنه متخرج فقط منذ سبع سنوات فى كلية حقوق القاهرة، فإنه يشغل منصب مدير مكتب القوى العاملة فى منوف وقبلها كان مفتش أول عمل فى منوف، بل إنه كان أيضًا رئيس المكتب التنفيذى لنادى الباجور الرياضى «والباجور الآن مدينة فيها حمام سباحة على مساحة كبيرة وتتميز بموقع خاص لقصر كمال الشاذلى الذى يستمتع بصوره بأحجام كبيرة ولافتات تأييد له من جاليات الباجور فى باريس وقطر والسعودية».
النكتة طبعًا أنه كان يهوى الكرة الطائرة.
لكن اللافت للنظر كانت إجابة كمال الشاذلى على سؤال: ما أهم المشروعات والقوانين التى ترى ضرورة المطالبة بها فى مجلس الأمة؟!
قال: «الارتقاء بالقرية إلى المستوى الحضرى من الناحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية»، و«تصنيع الريف لتشغيل الأيدى الزائدة على حاجة الزراعة»، و«الحفاظ على مكاسبنا الثورية»، والأهم «تطبيق مبادئ الميثاق الوطنى الذى هو دستور العمل الثورى لنحقق أهداف الشعب فى الاشتراكية والحرية والوحدة». بالطبع تحدث كمال الشاذلى بنفس الحماسة عن فكرة السوق الحرة، بل إنه غيّر بدلة السفارى الشهيرة فى أوساط أعضاء الاتحاد الاشتراكى، وأصبحت صوره الشهيرة أقرب إلى أغنياء الانفتاح بالكروش المنفوخة وملامح الثروات المفاجئة.
كمال الشاذلى باختصار «مثقف عضوى» لكن بكتالوج لم يعرفه جرامشى. وليس أكثر دلالة على ركاكة الطبقة التى تسعى إلى استرداد جد الدولة.. من حنينها للساطع فى سموات «الدولتيين» كمال الشاذلى.
«من حكايات القاهرة»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.