«مبارك أسطورة لن تتكرر فعلاً» هذا ماقاله السيد صفوت الشريف. أما السيد كمال الشاذلي فكاد أن يقول في حواره مع «المصور» بعد غياب «مبارك ظهر لي في الحلم». كاد، لأنه كان في الحوار يسترجع ذكرياته مع الرئيس، ويؤكد بمعني ما أنه هدية الله لمصر، غزل واضح في مبارك، رغم أنه مريض إلي درجة رفض فيها التصوير حتي لا يصدم جمهوره. هو «أبو كمال» كما كان حمدي رزق يناديه في الحوار، أو «الواد كمال» كما كان السادات يناديه في استشارات من نوع «..إيه رأيك إن أنا أسيب الرئاسة لحسني مبارك؟..» كمال الشاذلي من نوع من السياسيين في مصر يوشك علي الانقراض، وذاكرته اليوم انتقائية، لم يتذكر من تاريخ مصر إلا اللحظات التي أنقذ فيها مبارك البلد، ومن هذه اللحظات كشف الشاذلي أن الجيش تحرك في 18 و19 يناير باقتراح وأمر من مبارك. لماذا يقول كمال الشاذلي هذا الكلام الآن؟ ولماذا ظهر في تلك اللحظات ليعيد غناء مدائحه الشهيرة.. هل ليقول إنه موجود؟ أم لأنه يستشعر الخطر.. وأراد أن يتقيه؟ كمال الشاذلي كما قلت مرة «عابر للعصور». هو في خدمة السلطة مادامت سلطة. ولاء علي الطريقة الريفية. تابع وليس سياسيًا. بارع في تكوين جيوش الموالين والمرتزقة وفق عقيدة الإيمان براس النظام وحكمته.. وأنه القادر علي تحقيق المصلحة. قال عندما أُبعد عن الوزارة، إن الرئيس رأي أنه يحتاجه في المجالس القومية المتخصصة، وهذا يعني أنه يريد أن يحدث بها تطويرا. «أنا تحت أمر الرئيس» هكذا قال الشاذلي ليبرهن علي أنه المنتمي بإخلاص لنظام يعتمد علي ثقافة التبعية الريفية. كمال الشاذلي هو رمز يمكن تحليله لمعرفة مسيرة نظام «العسكرتاريا» من عبدالناصر إلي مبارك. كتب كمال الشاذلي عن نفسه يوم 6 مارس 1964. كان وقتها في أول أيامه بمجلس الأمة (الاسم القديم لمجلس الشعب). وفي استمارة تعريف تضعها صحيفة «الأهرام» في صدر ملف يضم الأرشيف الصحفي الخاص بها (وهو تقليد يبدو أن المؤسسة العريقة لم تعد مهتمة به).. كتب كمال الشاذلي أنه مولود في 16 فبراير 1934 (هو إذن أصغر ديناصورات الحزب الحاكم: عمره فقط 72 سنة). محل الميلاد: الباجور (المدينة التي أصبحت شهيرة به في المنوفية الموطن الأصلي للرئيسين السادات ومبارك، وهو موضع سخرية الشعب المصري الذي يتندر علي فكرة أن مصر تحت حكم المنايفة منذ 34 عامًا). رقم تليفونه وقتها كان يحمل رقم 65. ورغم أنه متخرج فقط منذ 7 سنوات في كلية حقوق القاهرة فإنه شغل وقتها منصب مدير مكتب القوي العاملة في منوف، وقبلها كان مفتش أول عمل بمنوف.. بل إنه كان أيضًا رئيس المكتب التنفيذي لنادي الباجور الرياضي (والباجور الآن مدينة بها حمام سباحة علي مساحة كبيرة وتتميز بموقع خاص لقصر كمال الشاذلي الذي يستمتع بصوره بأحجام كبيرة.. ولافتات تأييد له من جاليات الباجور في باريس وقطر والسعودية). النكتة طبعا أنه كان يهوي الكرة الطائرة. لكن اللافت هو إجابة كمال الشاذلي عن سؤال: ما أهم المشروعات والقوانين التي تري ضرورة المطالبة بها في مجلس الأمة؟! قال: «..الارتقاء بالقرية إلي المستوي الحضري من الناحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية..»، و«..تصنيع الريف لتشغيل الأيدي الزائدة عن حاجة الزراعة..» و«الحفاظ علي مكاسبنا الثورية..».. والأهم «..تطبيق مباديء الميثاق الوطني الذي هو دستور العمل الثوري لنحقق أهداف الشعب في الاشتراكية والحرية والوحدة..». بالطبع يتحدث كمال الشاذلي بنفس الحماس الآن. وفي العصر الأمريكي. ومكاسب السوق. بل إنه غيّر بدلة السفاري الشهيرة في أوساط أعضاء الاتحاد الاشتراكي... وأصبح يرتدي في صوره الأخيرة (وقبل المرض) بدلته الجديدة وأصبح أقرب إلي أغنياء الانفتاح بالكروش المنفوخة وملامح الثروات المفاجئة. كمال الشاذلي باختصار: منتم يبدو أنه يخاف من الانتقام. يخاف من شيء ما. والمديح لمبارك، يبدو أنه تميمة سياسية يريد بها أن يبعد عنه الشر.