يبدو للمراقبين المتتبعين عن كثب تطورات ما يسمى بثورات الربيع العربى، أن هناك دورا فاعلا ومتزايدا يلعبه الرأى العام المصرى فى تحديد ملامح المشهد السياسى السريعة المتغير على أرض الوطن منذ 25 يناير 2011 وحتى اليوم، ولكن يبقى السؤال المحورى هنا هو من الذى يصنع الرأى العام المصرى ويؤثر على توجهاته فى نهاية الأمر؟ هل هى الأحداث على أرض الشارع المصرى؟ هل هى الأحزاب السياسية جديدها وقديمها بمواقفها وبياناتها؟ هل هم الثوار والنشطاء بمظاهراتهم ومؤتمراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية؟ هل هم رجال وسيدات مجتمع الأعمال بأموالهم السخيّة وأجنداتهم الاستثمارية؟ هل هم نجوم الفضائيات الجدد من الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين والأمنيين؟ ناهيك بقارئى الطالع والأبراج والكواكب السيّارة. هل هم المؤسسات السياسية أو بالأحرى السيادية بقراراتها وسياساتها، أم هم فى واقع الأمر كبار النجوم من مقدمى البرامج الحوارية المتصلين بكل الفاعلين السابق ذكرهم، وبالتالى يصبحون هم وقنواتهم المتحكمين الحقيقيين فى المنتج النهائى، الذى يقدم للمشاهد المتسّمر ليل نهار فى إدمان لا علاج له أمام شاشة التليفزيون السحرية، التى تقوم أولا بتغذيته بالأخبار ثم تحللها له على طبق من ذهب، لتوحى له بعد ذلك بالآثار المتوقعة لها، وبالتالى تساعده على اتخاذ الموقف المطلوب الذى تروج له الماكينة الإعلامية الجبارة بحرفيّة واقتدار، لينهى مواطننا المستسلم ليلته الفضائية الطويلة ويبدأ نهاره فى اليوم التالى، معتقدا عن اقتناع أنه قد أعمل الفكر بنفسه واتخذ قراره بحرية واستقلالية. وسؤالى الآن موجه لكم جميعا هل تعتقدون حضراتكم أن هذا صحيح أم أنه غير ذلك؟ وبالتالى أصبح أنا شخصيا وفقا لما عرضته من تحليل للقضية إحدى ضحايا نظرية المؤامرة التى ترفض أخذ الأمور بظاهرها، ويعتقد ضحاياها دائما أن وراء الأكمة ما وراءها. وبطبيعة الحال فإن ظاهر الأمور يقول إن المواطن المصرى يأخذ مواقفه مستقلا عن جميع التأثيرات أو كما تقول الأمثال الشعبية «رأيه من دماغه»، وهذا تفسير ولا شك يسعدنى تبنّيه كمواطنة مصرية تتصف بجميع الصفات المطلوبة لاتخاذ المواقف الوطنية المثالية، فأنا راشدة، مستقلة، ثورية، إصلاحية، وسطية، مصرية، عربية، إسلامية، قبطية، فرعونية، وأكيد أيضا ذكية مثل حضراتكم جميعا، وبالتالى من المفترض أن لا يقودنى أحد بل الأحرى أن أتبع مقولة «الجاحظ» بأن عقلى هو وكيل الله عندى، وكنتيجة لذلك فإنه من المتوقع أن أقدح زناد فكرى وأفكر بعمق قبل اتخاذ مواقفى وتنفيذ قراراتى مثل أى مواطن «صالح»، لكن المهم فى هذه النقطة هو هل تسمح لى الأجواء المحيطة السائدة محليا وإقليميا ودوليا وفى المجرات والكواكب السيّارة والفضائيات الثابتة بأن أحظى بروقان البال لإعمال الفكر واتخاذ القرار الصحيح، أم أننى غارقة فى فيضان مستمر من الرسائل الإعلامية اللحوحة 24 ساعة فى اليوم، تدفعنى دفعا فى الاتجاه المطلوب بصفتى تحت سن الرشد ومحتاجة إلى من يوضح لى مصلحتى فين؟ وفى ضوء ما سبق فإن السؤال المطروح ما زال قائما حول من يقود من فى مصرنا العزيزة؟ وبطبيعة الحال أنا لست لدىّ أى مانع من أن نقود جميعا بعضنا البعض على قدم المساواة، علشان العدالة الاجتماعية وكل الحاجات الكويسة دى، لكن المهم برضه أن نفهم خلفيات وآليات وأجندات هذه القيادة، من أين تأتى وإلى ماذا تهدف ومن تخدم فى حقيقة الأمر. وعندما يصارح بعضنا بعضًا بكل شفافية بأهدافنا وأغراضنا والأهم من ذلك أن نفصح عن مصالحنا الشخصية والمعسكر الذى ننتمى إليه، بناء على تلك المصالح حتبقى كل حاجة، وفقا للموروث الشعبى، «على ميّه بيضا». وتبقى تفاصيل عملية القيادة «على عينك يا تاجر»، وبالتالى تجرى عملية تصفية الحسابات وتقطيع الهدوم بين الأطراف المتصارعة وفقا لذلك، على أساس المبدأ التشريعى الشهير «اللى ما يشترى يتفرّج»، وبذلك تتضح نهاية القصة ويعرف القاصى والدانى من الذى يجلس فى مقعد القيادة ويؤثر فى الرأى العام ويسوق أوتوبيس الوطن نحو غايته، متحملا مسؤولية 90 مليون راكب مصرى طيب وغلبان كل ما يتمناه هو الصحة والستر ورضى رب العالمين!