ظهرت تناقضات حادة في مواقف روسياوتركيا حول اتفاقات بشأن وقف إطلاق النار في سوريا، والبحث عن آفاق لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية. ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أنه تم التوصل إلى اتفاقات بهذا الشأن، أكد الناطق الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن موسكووأنقرة على اتصال دائم في إطار التحضير للمفاوضات السورية في أستانا. وامتنع عن التعليق على أنباء حول خطة الهدنة الشاملة في سوريا، واكتفى بالقول بأن «هناك فعلًا اتصالات لا تتوقف مع الشركاء الأتراك؛ لبحث مختلف الخيارات بشأن صيغة الحوار المقرر إجراؤه في أستانا. وتأتي هذه الجهود في سياق البحث عن سبل إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية». على صعيد متصل، ركزت وسائل الإعلام الروسية، الموالية لنظام الأسد، على الترويج لخطة تم تنسيقها بين أنقرةوموسكو «لإحلال هدنة شاملة في كامل أراضي سوريا من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ ليلة الخميس ٢٩ ديسمبر الحالي». وتفيد الخطة وفق وسائل الإعلام هذه بأن وقف إطلاق النار لن يشمل التنظيمات الإرهابية، ومن المفترض أن تنضم إليه قوات الأسد والقوات المتحالفة معه وقوات المعارضة. ونسبت وسائل الإعلام الروسية هذه الخطة بمقترحاتها إلى تركيا. وأنه في حال نجاح وقف إطلاق النار، يبدأ نظام الأسد والمعارضة مفاوضات سياسية في العاصمة الكازاخية أستانا، تحت إشراف تركياوروسيا فقط. وكانت موسكو قد صرحت عقب اللقاء الثلاثي؛ الذي ضم وزراء خارجية روسياوتركياوإيران في العاصمة الروسية، بأن الدول الثلاث تكون ضامنًا لمباحثات أستانا، إلا أن المراقبين لاحظوا أن هناك محاولات لتحييد إيران نسبيًا، تفاديًا لخلافات حادة بشأن دورها في سوريا، وهو الأمر الذي يثير قلق كل من طهرانودمشق. وقد أكد مدير قسم آسيا الثاني في الخارجية الروسية، زامير كابلوف، أن الجانب الروسي يبلغ طهران بسير المحادثات مع أنقرة حول صياغة اتفاقيات الهدنة في سوريا. على صعيد آخر، رحّب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات (المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية)، رياض حجاب، بالدعوة للتفاوض من أجل إيجاد تسوية للأزمة في سوريا. وقال «حجاب» «نرحب بالتحول في مواقف بعض القوى العالمية والجهود الإيجابية الصادقة التي قد تكون نقطة انطلاق لتحقيق تطلعات الشعب السوري عن طريق التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يحقق الأمن والاستقرار»، مشيرًا إلى أن الهيئة العليا للمفاوضات ترغب في تحقيق وقف لإطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية، وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي. غير أنه شدد على أن الهيئة لم تتلق بعد أي معلومات رسمية بشأن تنظيم عملية التفاوض في أستانا. كما شدد أيضًا على أن «أي مفاوضات يجب أن تركز على خطوات لبناء الثقة من أجل خلق أجواء مناسبة لمناقشة الانتقال السياسي، والمفاوضات يجب أن تجري في جنيف تحت مظلة الأممالمتحدة». وأثارت تصريحات «حجاب» الكثير من التساؤلات حول مدى شرعية وجدية مباحثات أستانا المرتقبة، ومدى نجاحها في طرح نقاط تماس بين النظام والمعارضة، خاصة وأن الطرف التركي يصر على عدم إمكانية إيجاد أي حل سياسي في وجود الأسد، وأن الهيئة العليا للمفاوضات ترى ضرورة أن جري أي مفاوضات تحت مظلة الأممالمتحدة. إضافة إلى الخلافات الحادة على التنظيمات التي يجب أن لا يشملها أي وقف لإطلاق النار، وبالذات في ما يتعلق بوضع تنظيم «حزب الله» في سوريا، ودور إيران أيضًا. وفي الوقت الذي لا يستبعد فيه مراقبون إمكانية تحقيق وقف لإطلاق النار في منتصف ليلة الخميس ٢٩ ديسمبر الحالي، إلا أنهم أعربوا عن مخاوفهم بأنه سيكون هشًا للغاية، ولا توجد أي ضمانات لعدم خرقه. وفي أحسن الأحوال سوف يستمر لعدة ساعات أو على الأكثر يومين أو ثلاثة إلى حين الانتهاء من احتفالات رأس السنة. ولكنهم من جهة أخرى شككوا في إمكانية إقامة نظام شمامل لوقف إطلاق النار في ظل الخلافات ليس فقط بين نظام دمشق والمعارضة، بل وأيضًا بين فهم دول مثلث موسكو (روسياوتركياوإيران) للعديد من الصيغ والمقترحات وتأويلها بأشكال متناقضة ومتعارضة تمامًا.