فن خيال الظل فن متكامل، بمعنى أن له تقنياته الفنية والآلية مثله مثل فن المسرح والسينما والتليفزيون والإذاعة، إنه يقوم على نص درامى يكتب خصيصا له كالمسرح تماما، ومما يشير إلى أنه فن قديم جدا فى مصر أن النصوص التى بقيت لنا عبر العصور الحديثة، تثبت أنها وليدة تراث عريق فى هذا الفن، بمعنى أنها نصوص تطورت من التسلية الترفيهية المحضة إلى ما يمكن اعتباره أدبا رفيع المستوى يتجادل مع المجتمع المصرى ويأخذ منه موقفا انتقاديا صارما، كما يسهم فى عملية التنوير الثقافى والاجتماعى التى كانت نشطة فى ذلك الحين. وقد تعددت وتنوعت مناسبات عروض خيال الظل فى بلداننا العربية فمنها ما كان موسميا مؤقتا يعرض كل سنة لمدة محددة كالعروض التى تقدم باستمرار كل ليلة طوال شهر رمضان أو فى ليالى الاحتفال بذكرى المولد النبوى وموالد الأولياء، ومن العروض ما كان فى مناسبات طارئة منها مناسبات فردية كالعروض الظلية التى كانت تقدم فى الأعراس وحفلات الختان أو على سبيل التوضيح لأمر أو الدعوة إليه، ومن هذه المناسبات ما كانت مناسبات عامة كالاحتفالات بالانتصارات العسكرية أو السياسية التى تقدم فيها العروض الظلية بمبادرة من المخايلين أو بالطلب منهم. ويبدو أن البلدان العربية قد عرفت العروض الظلية الدائمة واليومية منذ القرن الرابع الهجرى ذلك إن أقدم إشارة يستنتج منها وجود عرض ظلى يومى، هى كلمة (بابة) التى وردت التى وردت للمرة الأولى -على ما وصلنا- فى بيتَى شعر لابن الحجاج (ت391ه / 1000م) والبابة شكل فنى كامل من أشكال الظليات العربية يستدعى موضوعه وعدته ومدة عرضه استقرارا فى مكان العرض وتركيزا ومتابعة من المشاهدين، وهو ما كان له حضوره القوى فى سهرات ليالى رمضان واحتفالات عيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوى وموالد الأولياء. ومكانة شهر رمضان معروفة عند المسلمين ولا محل هنا للاستطراد بذكر ما وصفته كتب التراث والرحالة والعرب والأوروبيين الذين زاروا البلاد العربية عن كيفية إحياء الأهالى ليالى شهر رمضان بإضاءة الفوانيس والمشاعل فى الطرقات والبيوت والحوانيت والسهر حتى السحور وصلاة الفجر. ورغم ما يقرره الفنان فاروق سعد فى كتابه خيال الظل من أنه لم يجد إشارات فى التراث العربى إلى عروض ظلية قدمت فى سهرات ليالى رمضان إلا أن كتابات المستشرقين والرحالة والتقارير الصحفية تساعدنا فى الجزم بأن شهر رمضان كان مناسبة سنوية لتقديم عروض ظلية، ولعل ما كتبه ب. جاكينوم دوازى فى مقاله Autour du Ramadan Tunisisen حول رمضان فى تونس هو أقدم نص وصلَنا عن تقديم عروض ظلية فى شهر رمضان إذ يعود إلى سنة 1887م، ولكن لا ريب أن تقديم هذه العروض خلال شهر رمضان فى البلاد العربية يعود إلى أبعد من ذلك، وإن كانت النصوص التى تناولت بالوصف الاحتفالات به وسهر لياليه لم تشر إلى خيال الظل بل اهتمت بوصف حلقات سماع المقرئين والمكبرين والمسحرين، أو الفرجة على مجالس الذكر ورقص المتصوفين. وبما أنه ثابت من النصوص التى سبق أن عرضتها فى باب خيال الظل فى التراث العربى أن خيال الظل كان يقدم فى احتفالات المولد النبوى وهو مناسبة ذات طابع دينى لا سيما أن خيال الظل لم يكن مكروها فى رأى أهل الفقه والمتصوفين ولا محظورا بقرار أهل الحكم (إلا لفترات قصيرة) بل إن منهم من لم يستنكف مشاهدة خيال الظل وإبداء ما فيه عظة وعبرة. ولاحظ «Kern» أن العرض الظلى يبدأ عادة بين الساعة الثامنة والساعة التاسعة مساء أما فى شهر رمضان فإنه فى المسرح الذى شاهده سنة 1903 فى القاهرة تُقدم العروض الظلية فى وقت أبكر. ومن المخايلين الذين اشتهروا بتقديم العروض الظلية فى شهر رمضان كان المخايل المصرى (جاد الحق) الذى أتى بروفر prufer على ذكره فى كتابه «Ein agyptische Schattenspiel» ومن التقرير الصحفى الذى نشره «Mess» فى مجلة «Illustration» سنة 1902م يتجلى لنا أن خيال الظل كان يمثل جانبا رحبا من الاحتفالات فى ليالى شهر رمضان فى تونس. وقد استمر تقديم العروض الظلية فى البلاد العربية فى شهر رمضان حتى القرن العشرين، ولنا فى المقال المنشور سنة 1937م فى مجلة (ليبيا المصورة) عن شهر رمضان فى ليبيا، وفى تقريرين صحفيين فى عددين من جريدة «Palestine post» الأول سنة 1943م (رمضان سنة 1362ه) والثانى سنة 1944م (رمضان سنة 1363ه) البينة على استمرار تقديم العروض الظلية فى كل من ليبيا وفلسطين حتى سنة 1944م على الأقل. كما كانت الاحتفالات السنوية فى مصر بعيد المولد النبوى مناسبة لتقديم عروض ظلية منها تلك التى أشار إليها ابن إياس فى «بدائه الزهور فى وقائع الدهور» عندما ذكر أن المخايل قدم فى القناطر عروضا ظلية للسلطان أبى السعادات الناصر محمد بن الشرف قايتباى فى سنة 904 ه / 1508م. وفى القرن الماضى كانت تقدم فى حديقة الأزبكية فى القاهرة فى مناسبة المولد النبوى ورمضان العروض الظلية التى شاهد بعضها «prufer» وكتب عنها كما كتب عن عروض ظلية فى الموالد فى أسوان وطنطا وأحدها كان بمناسبة مولد السيد أحمد البدوى. وربما كان حى الأزبكية الذى أطلق عليه المؤرخون المصريون المحدثون هوليود الشرق سببا مباشرا فى تقدم الكثير من الفنون العربية، وعلى رأسها فن خيال الظل الذى تطور عنه فن الأراجوز، ولهذا يمكن القول دون حذر شديد إن الإرهاصة الحقيقية فى السينما كانت موجودة عندنا قبل ظهور فن التصوير أصلا ناهيك بالتصوير المتحرك بالصوت والصورة.