هذه الدراسة التي بين أيدينا, بمثابة تجربة حية عاشها صاحبها نبيل بهجت عبر سنوات طويلة من عمره... لم تكن تجربته مع الاراجوز, وخيال الظل مجرد دراسة يتقدم بها لنيل درجة علمية أو لتقديمها للقاريء علي حد كلماته, بل كان يهدف منها في الحقيقة محاولة إعادة هذه الفنون إلي الحياة مرة أخري لايمانه بأن التراث الشعبي هو أحد مصادر تشكيل الوعي, وكذلك التاريخ للذاكرة المصرية. منذ طفولته.. كان يجلس إلي جوار جده يستمع إلي حكاياته وأمثلته التي يرددها له دائما, وحينما كبر وزاد وعيه أدرك أنها تحمل إشارات لوقائع وأحداث تاريخية عاشتها مصر.. ومعها أدرك أن هذه الأمثال والحكايات الشعبية مصدر مهم وحيوي لتاريخ التراث الشعبي.. وكانت بداية الرحلة.. طاف شوارع مصر.. جاب حواريها وأزقاتها.. حضر الموالد المختلفة بحثا عن الاراجوز. كان هاجسه الأول والأخير أن ينشيء فرقة للأراجوز, وخيال الظل تحفظ هذا التراث الثقافي المصري قبل أن يندثر ويضيع وتطيح به عجلة الزمان.. تذكر وجوها قديمة من بلدته ظلت ذاكرته تحتفظ بها.. كانوا يحركون عرائس الاراجوز, وينشرون البسمة في بلدته الصغيرة.. لكنه فشل في العثور علي أحدهم.. تتبع خطي هؤلاء اللاعبين الذين يطوفون شوارع المحروسة, حاملين فوق أكتافهم هذا المسرح الصغير المتنقل المتواضع الذي يقدم معه فرجة شعبية و نمرا للأراجوز تثير الضحكات والقفشات.. وبعد طول بحث وعناء, التقي بشارع محمد علي بشيخ لاعبي الأراجوز صابر المصري كما التقي صابر شيكو بمقهي نجيب السواح بنفس الشارع, و صلاح المصري بمولد فاطمة النبوية و سمير عبد العظيم وحسين سلطان بمولد السيدة زينب, وسيد الأسمر بمولد النبي باحدي مناطق الهرم. وولدت فرقة ومضة.. هذا الحلم العزيز الذي ظل يداعب جفون نبيل بهجت طويلا.. كانت تقدم عروضها في الأماكن المفتوحة والساحات الشعبية والحدائق... ما أن يتم الإعلان عن العرض حتي تتجمع الجماهير بشكل تلقائي.. وسرعان ما تنبعث الضحكات واللمزات والغمزات والقفشات, ويدوي الصفيق, بل ويشارك الحضور في العرض نفسه.. أي فرجة شعبية بديعة تلك! وسافرت الفرقة إلي الدول العربية المختلفة, وشاركت بعروض عديدة في بلدان أوروبية, ودائما كانت تحمل معها هذه الإبداعات التراثية, وتلك اللوحات الفنية التي تؤصل تاريخا حافلا من الحكايات و النمر وتقنيات المسرح الشعبي المختلفة. والدراسة التي أعدها نبيل بهجت تشمل ثلاثة فصول يعرض فيها لنشأة دمي الأراجوز, وأثر بعض الفنون الشعبية علي الأراجوز, كما يعرض للغة الحوار والأغاني, وأخيرا يقدم نمر الأراجوز المختلفة, والتي جمعها ووثقها في دراسته هذه. محاولات نبيل بهجت لتوثيق وإحياء فن خيال الظل والأراجوز سبقتها دراسات جادة في هذا المجال, وكتب بحثية وترجمات لرعيل قديم من الخبراء والمتخصصين في حقل الفن والمسرح والنقد.نذكر منهم: د. عبد الحميد يونس, د. علي الراعي, د.شوقي ضيف وفاروق خورشيد, ويوسف إدريس وعثمان محمد عزمي ود. علي إبراهيم أبو زيد, وغيرهم وغيرهم ممن فطنوا إلي أهمية دراسة تراثنا الثقافي الشعبي ودوره في تأصيل هويتنا عبر ألوان الفنون الشعبية المختلفة, حيث تأتي دمي الأراجوز المصري كأحد مفرداتها الحية التي مازالت إلي يومنا هذا تبعث البهجة في قلوب الصغار, وتثير الضحكات والبسمات.. الدراسة من تقديم أحمد مرسي- صادرة عن المجلس الأعلي للثقافة.