الأراجوز هو فن شعبي يعتمد علي تقديم اسكتشات فنية أو ما يطلق عليه أهل المهنة 'نمرة' , يقدم في اطار كوميدي بسيط ويخاطب الجمهور بلغته في موضوعات مرتبطة بحياتهم يتحدث فيها بلسانه الفصيح .. وأحيانا السليط , لكن بعد تطور التكنولوجيا وسطوة أفلام الرسوم المتحركة اختفي الأراجوز من حياتنا مع العديد من الفنون الشعبية التي تميزنا بها.. وخلال السنوات العشر الاخيرة هناك بعض المحاولات لاستعادة مكانته مرة اخري من خلال فرقة' ومضة ' لخيال الظل والاراجوز التي أسسها الدكتور نبيل بهجت أستاذ المسرح بجامعة حلوان واستعان فيها بأقدم أراجوز مصري.. واقدم لاعب أراجوز في مصر هو مصطفي عثمان المعروف باسم صابر المصري أو ' شيخ الأراجوزات ' وهو اسم الشهرة الذي عرف به طوال عمره 50 عاما قضاها عم صابر المصري خلف برافانه الخشبي يحكي ويناقش هموم الشعب المصري من خلال الاراجوز , وقد اطلق عليه اسم ' صابر ' بعد ان فقد عينه اليسري نتيجة اصابته بحمي التيفود في صغره فاطلقت أمه عليه اسم ' صابر ' لصبره علي قضاء الله , اما لقب ' المصري ' فقد اكتسبه من عمله مع الساحر فؤاد المصري في السيرك القومي في الستينيات من القرن الماضي .. صابر .. يا مصري ! يقول عم صابر : أنا من مواليد عام 1939 , تعرفت علي فن الأراجوز عندما كنت صبيا وتسلقت إحدي الاشجار لاشاهد عرض الاراجوز الذي كان يقدمه الفنان محمود شكوكو في ملهي الكيت كات فأنا ولدت في إمبابة وانبهرت بهذا الفن معتقدا أن الأراجوز هو طفل يمثل ويغني , وبعد متابعتي للأراجوز تاكدت أنه عروسة خشبية وهو ما زاد شغفي بهذا الفن فقررت تعلمه , وبالفعل غادرت المنزل وتنقلت بين الموالد في كل أرجاء مصر لأتعلم المهنة علي يد كبار لاعبي الاراجوز , وقد بدأت من الصفر وقمت بتنظيف الارض وخدمة الفنانين وحياكة ملابس الاراجوز وتعلمت الغناء والتمثيل وحفظت 24 بابة ' وهي النص المسرحي الذي يقوله الاراجوز ' , وسنحت لي الفرصة عندما اختلف أحد لاعبي الأراجوز مع مدير المسرح وترك له العمل فطلب مني المدير تقديم نمرة الاراجوز , ومن وقتها وانا امارس المهنة .. وبعد فترة التدريب والتي استمرت 10 سنوات بدأت الاحتراف في شارع محمد علي وشارع عماد الدين حيث اصبحت ضمن اشهر لاعبي الاراجوز في مصر وقتها من امثال أحمد زوربة ونعمة الله العجمي ومصطفي الاسمر وغيرهم ممن ساعدوني علي العمل في هذه المهنة من خلال تقديمي في الحفلات المدرسية واعياد الميلاد وحفلات الاسر الميسورة , الأراجوزات هي اولادي , فأنا اهتم بهم واعيد اصلاح ما يتلف منهم وكنت استأجر دولابا في احد مقاهي شارع ' محمد علي ' لأضع فيه عرائسي , اما الان فهي لدي الفرقة . حكايات الاراجوز ! الحكايات اختلفت وتطورت مع الزمن , فالحكايات في الموالد كانت اغلبها ارتجالية تعتمد علي التواصل مع الجمهور المتفرج سواء من خلال الاغاني أوالحكايات الشعبية التي يحفظها الكثيرون عن ظهر قلب , اما الان فحكايات الاراجوز رسائل غير مباشرة موجهة للجمهور خاصة الاطفال تغرس فيهم القيم والاخلاق الحميدة , يقول عم صابر : في كل الظروف حكايات الاراجوز تعتمد علي الذكاء الفطري في التعامل , فلا يقول الاراجوز لفظا غير مناسب أو يروي حكايات مملة او يكرر نفسه حتي لا ينصرف الجمهور عنه , وبعد سنوات طويلة من العمل بمفردي انضممت لفريق ' ومضة ' لفنون الاراجوز وخيال الظل منذ 7 سنوات وهي التي قدمتني الي جمهور اوسع في الوطن العربي , فشاركت في مهرجان ' مسرح ابن عروس المتوسطي ' في تونس وهناك حصلت علي احسن ممثل في المهرجان .. وتهدف الفرقة الي الحفاظ علي التراث واستمراره , ولذلك يحرص دكتور نبيل بهجت مدير الفرقة علي تقديم التراث كما هو ولا يغير منه او يضيف إليه , كما يفضل عرض حكايات الاراجوز كما كانت تقدم منذ عشرات السنين . ومضة ! يقول الدكتور نبيل بهجت استاذ المسرح بجامعة حلوان ومؤسس فرقة ' ومضة ' لخيال الظل والاراجوز : بدات عام 2000 في التعرف علي لاعبي الاراجوز والدخول في مجتمعاتهم وكنت اتعرض لمشاكل , ولكني اصررت علي استكمال العمل , فكنت اصور عروضا حية يؤديها الاراجوز في الموالد , والبعض كان يطلب مقابلا ماديا للتصوير والبعض لا يطلب .. ثم حاولت العثور علي احد اللاعبين الذين شاهدتهم منذ الطفولة إلا أنني فشلت مما زاد عزمي فطفت شوارع القاهرة وموالد مصر حتي عثرت علي عدد من اللاعبين منهم شيخ لاعبي الاراجوزعم صابر المصري و ' شيكو ' و ' صلاح المصري ' و ' سمير عبد العظيم ' و ' حسن سلطان ' و ' سيد الاسمر '.. أما بالنسبة لخيال الظل فلم اعثر الا علي لاعب واحد وهو الراحل ' حسن خنوفة ' الذي التقيت به قبل وفاته ب 3 شهور وقدر لي الله ان أسجل جميع تراثه , وفرقة ' ومضة ' ساهمت في احياء فن الاراجوز وخيال الظل , بمعني انها بريق في الظلام لتلفت الانظار الي الامكانيات الثقافية والشعبية التي يمتلكها مجتمعنا للنهوض بالفنون المختلفة مرة اخري .