كل عام وأنت بخير، ومصر «المحروسة» فى تقدّم، يرعاها الله ويحميها شعبها، لا تجعل أحدًا يسرق منك الفرصة بهذا العيد الذى يأتى بعد أن أنعم الله على مصر بهذا النصر العزيز، وبعد أن أسقطت حكم «الإخوان» الفاشى، وأنقذت الوطن من مصير مظلم على يد جماعة كان هدفها أن تحبس مصر كلها فى كهوف القرون الوسطى، وكان أغلى أمانيها أن تتحول مصر إلى صومال أخرى أو أفغانستان جديدة!! لا تجعل أحدًا يسرق فرصتك.. ما فعلته فى 30 يونيو كان حدثًا عظيمًا لم يغيّر التاريخ فى مصر فقط، بل فتح أبواب التغيير فى المنطقة كلها، وفى العالم بعد ذلك، ولهذا تتجمع القوى المهزومة فى الداخل مع مَن دعّموها وراهنوا عليها من القوى الإقليمية والدولية، يحاولون تعطيل مسيرة مصر بعد 30 يونيو، ويتآمرون على إرادة الشعب، ولكنهم حتمًا سينهزمون. لا تنزعج بما يحدث فى «رابعة» و«النهضة».. أنت تعرف أنها «حلاوة الروح»، وأن فض هذه الاعتصامات المسلحة ليس مشكلة، وإنما المشكلة أننا نحاول -حتى آخر لحظة- أن لا تُراق نقطة دم واحدة، بينما قيادات الإخوان تسعى بكل جهدها للمزيد من الدماء، لعله يكون طريقها للفرار بعارها وجرائمها ولو على حساب الضحايا الأبرياء. ولا تجعل مهرجان الزيارات الأجنبية يفتح أى أبواب للشك فى قدرتك على حسم الأمر وإعمال إرادة الشعب.. صحيح أن الحكم أخطأ كثيرًا بفتح أبواب التدخل الأجنبى، ولكن الوقت لم يفت لتصحيح الخطأ، والشعب لن يسمح مطلقًا بالمساس بالمكسب الأساسى بعد 30 يونيو وهو أننا لم نستعد الثورة المخطوفة فقط.. بل استعدنا أيضًا قرارنا المستقل ولن نفرط فيه مطلقًا. باستثناء دولة الإمارات العربية الشقيقة، كان مهرجان الزيارات الأجنبية قاصرًا على الرعاة الرسميين لجماعة الإخوان بزعامة أمريكا، كنا نفهم صدمة الأمريكان بخسارة رهانهم على حكم الإخوان، وبسقوط مخططاتهم للمنطقة كلها.. لكن هذا لا يعنى الصدام مع شعب مصر ومحاولة الوقوف أمام إرادته. تصورنا أن المصالح الأمريكية العليا سوف تحكم الأمر فى النهاية، وأن تصريح وزير الخارجية الأمريكى كيرى، الذى أكد أن جيش مصر قد استعاد الديمقراطية فى 30 يونيو سوف يحسم موقف واشنطن، لكن يبدو أننا أمام تأكيد جديد على صحة المثل الشعبى القديم «ديل الكلب ما يتعدل، ولو علّقوا فيه قالب».. وقد علقنا كل القوالب، وأظهرنا كل النيّات الحسنة، وحذّر الفريق السيسى فى حديثه المهم إلى «واشنطن بوست» من أن شعب مصر لن ينسى موقف أمريكا ورئىسها من ثورته، ومع ذلك يأتى السناتور ماكين والسناتور جراهام فى ظل تمثيلية رديئة مع البيت الأبيض، لنسمع منهما هذا الحديث المستفز المرفوض جملة وتفصيلًا. بدا الأمر وكأن عضوى الكونجرس قد جاءا أساسًا لمنع انهيار فلول «الإخوان»، ولمحاولة تشجيعهم على الصمود لفترة أخرى، لتوفير أساس للضغوط الأمريكية.. لكن الأخطر أن المشهد كان محاولة لإظهار أمريكا بدور القوة المسيطرة وصاحبة القرار (!!).. إملاءات وشروط تجمع بين الجهل بما يحدث فى مصر، والتلويح بتصعيد الموقف.. لم يكتفِ عضوا الكونجرس بالحديث عن المعونة ووقف تسليم الطائرات العسكرية، بل سمعنا لأول مرة تهديدًا بالضغط الاقتصادى عن طريق السياحة والاستثمار!! تجهل أمريكا «وللأسف يجهل أيضًا بعض أطراف الحكم عندنا» أن شعب مصر لم يسقط فى 30 يونيو حكم الإخوان الفاشى فقط، بل صحّح الخطأ الذى وقعنا فيه بعد ثورة يناير، وأدرك أنه لا معنى للثورة دون استكمال السيادة الوطنية وإنهاء التبعية تمامًا.. لهذا كان الخطأ من جانبنا بالسماح بمهرجان الزيارات، وكانت الخطيئة من جانب الآخرين.. سواء من استدعوا التدخل الأجنبى لإنقاذهم، أو مَن توهّموا أن عهد المندوب السامى الأمريكى يمكن أن يستمر!! الموقف أصبح واضحًا.. إرهاب وعنف من فصيل عميل للاستراتيجية الأمريكية، ثم تصميم أمريكى على الوقوف فى وجه إرادة شعب مصر، ومحاولة إبقائها فى دائرة التبعية أو جرها إلى الفتنة الداخلية. حسم الأمر أصبح ضروريًّا.. لا ينبغى أن يكون هناك مكان لجيب داخلى عميل يستدعى التدخل الأجنبى بشتى السبل.. أمريكا يجب أن تفهم أن مصر بعد 30 يونيو لن يكون فيها قرار إلا للمصريين.. لا نريد الصدام، ولكن علينا أن نعلن فى أقرب وقت الاستغناء عن المعونة الأمريكية مع تأكيد الرغبة فى علاقات متكافئة، أمريكا هى المستفيد الأكبر من هذه المعونة، تعرف أن فى يدها أوراق ضغط كثيرة، لكن فى يدنا أيضًا أوراق ضغط أخطر بكثير.. جربت أمريكا يومًا أن تخسر مصر وعرفت العواقب، وأظنّها لا تريد تكرار التجربة.