منذ الأيام الأولى لثورة يناير، نبهنا إلى نقطة مهمة وهى أن أهداف الثورة فى العدل الاجتماعى والحرية والكرامة الإنسانية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تحقق أمر جوهرى، وهو إنهاء التبعية وتأكيد الاستقلال الوطنى. ولأن الأمور سارت فى الطريق الخطأ، وانتهت إلى استيلاء «الإخوان» على الحكم، فقد كانت النتائج كارثية.. ففى ظل جماعة لا تعرف من الأساس معنى «الوطن» كان طبيعيا أن يصبح الحديث عن استقلال القرار الوطنى أمرا لا وجود له!! وفى ظل الهوس ب«التمكين» من الدولة كانت الجماعة مستعدة لتقديم كل ما يطلب منها من تنازلات عن حقوق الوطن ووحدة أراضيه واستقلال إرادته!! هكذا رأينا الرئيس المعزول مرسى لا يرأى بأسا فى التنازل عن حلايب وشلاتين (!!) ويدخل طرفا فى مؤامرة انتزاع جزء من سيناء وفق المخطط الأمريكى لتصفية القضية الفلسطينية (!!) ويبدأ فى انتزاع قناة السويس من أحضان الوطن لتعود تحت السيطرة الأجنبية (!!) ويضع قرار مصر فى يد الراعى الأمريكى الذى أوصله إلى الحكم، لتتحول مصر إلى مجرد أداة لتنفيذ المخططات الأمريكية للمنطقة!! مع ثورة الشعب فى 30 يونيو وإسقاط الحكم الإخوانى الفاشى تغير المشهد تغيرا كاملا.. عادت الثورة لأصحابها وعاد القرار للشعب، وأدركت أمريكا وحلفاؤها فى المنطق وخارجها أن رهانهم على «الإخوان» قد خاب، وأن العاصفة التى بدأت فى مصر سوف تجتاح المنطقة، وأن ثورة شعب مصر العظيم قد أسقطت مخطط أمريكا لتقسيم المنطقة، وأن سقوط الحكم الإخوانى الفاشى فى مصر سوف يتبعه سقوطه النهائى فى كل أنحاء العالم العربى. من هنا كان طبيعيا أن تستميت الإدارة الأمريكية فى الدفاع عن «استثمارها» فى الإخوان، وأن تتحرك مع الحلفاء والأتباع للوقوف فى وجه إرادة شعب مصر.. لكن غير الطبيعى أن يخضع الحكم فى مصر بعد 30 يونيو لأى ضغوط أجنبية، وأن لا تكون قضية استقلال القرار المصرى هى القضية الحاكمة للموقف كله!! لا نتوقف كثيرا عند صغائر الصغار.. من قطر إلى تركيا. هذه مجرد أدوات فى يد اللاعب الكبير «واشنطن» وحليفه الأساسى فى أوروبا.. ما حدث من تجاوزات فى زيارة «الست آشتون» أمر غير مقبول.. على أوروبا أن تدرك أن اللعبة مكشوفة، وأن الصفقة التى عقدتها والتى تحاول بمقتضاها ترك العالم العربى فى قبضة الإرهابيين مقابل أن يبتعدوا عن أوروبا، كانت من البداية محكومة بالفشل.. فلا الإرهاب سيبتعد عنهم إذا استوطن بجانبهم، ولا نحن سنسمح للإرهاب بأن يحكمنا!! أما الولاياتالمتحدة فنحن نعرف مصابها الأليم بسقوط حكم الإخوان، ولكننا كنا نتوقع بدلا من ممارسة الضغوط علينا، أن تقوم الإدارة الأمريكية بالاعتذار لنا «وللشعب الأمريكى أيضا» عن خطأ دعم حكم الإرهابيين لمصر وباقى الأقطار العربية حولنا، وأن تعيد النظر فى استراتيجيتها الفاشلة فى المنطقة.. ولكنها -بدلا من ذلك- تمارس الضغوط وتحاول وضع العراقيل أمام مصر حتى تعطل الفترة الانتقالية. فلتكن رسالتنا واضحة للإدارة الأمريكية.. الضغوط مرفوضة، ومحاولة العودة للماضى لا مكان لها، والرهان الخائب على «الإخوان» أنتم المسؤولون عنه، والمعونة العسكرية والاقتصادية أنتم أكبر المستفيدين منها، وقرار الاستغناء عنها من جانبنا جاهز وأنتم تعرفون معنى ذلك. بعد 30 يونيو لم يعد هناك مكان للتدخل الأجنبى، القرار فى مصر هو لشعبها وحده، ولا عزاء على من راهنوا على بقاء مصر فى دائرة التبعية، ولا قيمة لمن باعوا الاستقلال الوطنى مقابل الحكم، فأسقطهم الشعب، ولا تسامح مع أى مسؤول يقبل المساس بالاستقلال الوطنى من قريب أو بعيد.