تهدف الثورة عند قيامها إلى تغيير جذرى فى مؤسسات الدولة لا إصلاحها، وهدفها الأساسى تطهير المؤسسات واستقلال القرار الوطنى. والثورة بالنسبة إلى دولة كالدولة المصرية «دولة قديمة» مؤسساتها ذات بيروقراطية خاصة تحتاج إلى مثابرة وتفهم لكيفية إدارة تلك الدولة العتيقة، فالدولة المصرية منذ الفراعنة والمؤسسة العسكرية فى القلب منها، وعندما أنشأ محمد على -وهو قائد عسكرى- الدولة المصرية الحديثة كانت المؤسسة العسكرية فى القلب منها أيضا، وجاء اللورد كرومر وأدخل عددًا من التعديلات على تلك الدولة ثم جاء عبد الناصر والذى أحدث عددا من التغييرات داخلها وطبعها بالطابع العسكرى وأرسى قواعده فيها. ومع قيام ثورة ال25 من يناير وجدت تلك المؤسسات «متمثلة فى بيروقراطيتها» وجماعات المصالح والنفوذ داخلها، وتغلغل الفساد فيها حتى صار شيئا طبيعيا فيها، وجدت نفسها أمام حركة تغيير شاملة تسعى إلى إزاحتها وتفكيك مصالحها واستبدال نظام جديد بها، فبدأت فى مقاومتها لذلك وقد سنحت لها الفرصة نظرا إلى عدم جهازية قوى الثورة أو امتلاكها مشروعا أو رؤية لكيفية التعامل مع الدولة أو معرفة إدارتها، فكانت تجربة المجلس العسكرى الذى أدخل البلاد فى تخبط وأبعدها عن المسار الديمقراطى الذى كان لا بد من السير فيه منذ البداية. ومع وصول الإخوان إلى السلطة (وهم جزء مهم من نظام مبارك أسهموا فى إطالة عمره والتحالف معه) كانت هناك عملية استعداء حقيقية لمؤسسات الدولة والدخول معها فى صدام مباشر، إلى جانب تخبطهم وافتقادهم إلى مشروع يسعى إلى تمكين قوى الثورة وتوظيفها فى مواجهة بيروقراطية الدولة، ومع تصاعد الغضب الشعبى نتيجة الفشل الذريع كانت النتيجة ما حدث يوم 30 يونيو. الآن ومع وصول المعارضة إلى السلطة «مناصفة بينها وبين نظام مبارك» الذى أطل برأسه من جديد وبقوة، تواجه صراعا يتمثل فى كونه صراع إرادات ووجود، وعليها أن تكون جاهزة للتعامل مع الوضع الحالى بتعقيداته المختلفة وامتلاك رؤية واضحة ومشروع حقيقى يشعر الجميع بالمشاركة فيه، والتحول من خطاب المعارضة إلى خطاب السلطة، وأكبر التحديات بالنسبة إليها الملفان الاقتصادى والأمنى إلى جانب عودة نظام مبارك بما يمتلكه من رؤوس أموال ثابتة وتحالفات داخلية وخارجية تحاول أن تمثل قوى ممانعة لعملية التحول الديمقراطى. هل ستستطيع السلطة الحالية أن تصمد فى وجه تلك التحديات وأن تتعلم من تجربة المجلس العسكرى والإخوان السابقتين؟