"الخطبة المكتوبة" أدخلت المؤسسات الدينية في حالة صدام مباشر ومعلن للجميع، بعدما شهدت الساعات الماضية - صدور بيان شديد اللهجة من قبل هيئة كبار العلماء، يرفض بشدة الخطبة المكتوبة، ويصفها بالعمل الذي سيؤدي إلى تجميد الخطاب الديني، الأمر الذي قوبل برفض واستنكار شديد من قبل وزارة الأوقاف التي أكدت في ردها على بيان الهيئة - أن العمل الدعوي والخطابة أمر تختص به الوزارة دون غيرها، إلّا أن نص المادة السابعة من الدستور تؤكد "أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ووتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء". هيئة كبار العلماء ترفض الخطبة المكتوبة قررت هيئة كبار العلماء بالإجماع، خلال اجتماعها برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بمقر المشيخة، رفض الخطبة المكتوبة، مؤكدة أن قرار رفض الخطبة المكتوبة - التي أقرّتها وزارة الأوقاف خلال الفترة الماضية، جاء بإجماع أعضاء هيئة كبار العلماء. أضافت الهيئة، أنه اضطلاعًا بدور الأزهر الذي حدده الدستور المصري - بأنه المسؤول عن الدعوة الإسلامية؛ فأن الهيئة تعتبر الخطبة المكتوبة تجميدًا للخطاب الديني، منوهة بأن الأئمة يحتاجون إلى تدريب جاد وتثقيف وتزويدهم بالكتب والمكتبات، حتى يستطيعون مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذة بالعلم والفكر الصحيح، وحتى لا يتكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها. ذكرت الهيئة، في بيان رسمي، أن توحيد الخطبة يؤدي بعد فترة ليست كبيرة إلى تسطيح فكره وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ الدين ستارًا لها، وتستخدم من بين أساليبها تحريف بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية عن مواضعها، والتلبيس بها على أفهام عوام المسلمين؛ ممّا قد يصعب على الإمام مناقشة هذه الأفكار وتفنيدها والرد عليها وتحذير الناس منها، الأمر الذي يوجب مزيدًا من التدريب للخطيب والداعية وإصقاله بمهارات البحث العلمي والدعوة والابتكار حتى يستطيع الحديث بما يناسب بيئته والتغيرات المتطورة كل يوم، وحتى يجتمع الناس من حوله منصتين إليه. الأوقاف ترد: الوزارة منوطة بالخطابة على منابر المساجد قال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، إنه لم يكلّف أحدًا غير أئمة الأوقاف بالخطبة المكتوبة، وأن سبيل الوزارة في تعميمها بجميع مساجد الجمهورية، يكمن في الحوار والإقناع، منوهًا بأن جميع قيادات الوزارة والغالبية العظمى من الأئمة على قناعة تامة بأداء الخطبة المكتوبة؛ كونها تأتي في إطار مشروع فكري مستنير وفق خطة ومنهجية شاملة تحقق مصلحة شرعية ووطنية. أشار طايع، في بيان رسمي، إلى أن مشروع تفعيل الخطبة المكتوبة يأتي في إطار اختصاص الوزارة بتنظيم شؤونها الدعوية والإدارية، مؤكدًا أن الوزارة لم تصدر حتى اليوم أي تكليف رسمي بذلك، إنما تركته لقناعة واختيار الأئمة، وما زال موضوعها المكتوب حتى الآن استرشاديًا - وفق ما يعلن دائمًا على موقعنا الرسمي. لفت طايع، إلى أن الوزارة أكدت أن المتميزين من الأئمة الراغبين في الارتجال لن يمنعوا منه، ما داموا ملتزمين بضابطي الوقت وجوهر الموضوع، مشددًا على ثقة الأوقاف الكاملة في تميّز أئمتها وفهمهم المستنير وأن الوزارة تجدد موقفها بالمضى قدمًا في تعميم خطبة الجمعة الاسترشادية المكتوبة واستمرارها اختيارية مع عقد المزيد من الاجتماعات مع القيادات والأئمة لشرح آليات تطبيقها عبر الحوار والإقناع دون إكراه، وعنوانها "النظافة سلوك إنساني متحضر". كريمة: مجاملة رخيصة وتقليدًا أعمى لنُظم في بعض دول الخليج ثمن الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، البيان المحكم الصادر من قبل هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الرافض للخطبة المكتوبة، مؤكدًا أن البيان يتوافق مع الشريعة الإسلامية عامة والمقاصد الدعوية خاصة، وذلك لأن الدعوة إلى الله تعالى نقلت عن سيد الدعاة الرسول عليه السلام ارتجالًا وقد أوضح: "نصر الله امرأً سمع مقالتي وحفظها وأداها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" فدل ذلك على أن الخطابة بالمساجد تؤدي كما نقلت في كل جيل وزمان ومكان. أضاف كريمة، ل"التحرير"، اليوم الأربعاء، أنه كون الخطابة عملًا ارتجاليًا يوجب على الخطيب سواء كان واعظًا أو إمام مسجد أو غير ذلك، سعة الاطلاع والعناية بمكونات الخطبة ومراجعة النصوص وتحرّي سلامة النطق وكل ذلك يثقل من شخصيتها الدعوية وتناوله لفقه الواقع أداء عملي، الأمر الذي يساهم برمته إلى الطريق العملي لقضية تجديد الخطاب الدينى، مشير صا إلى أن الخطبة المكتوبة تؤدي إلى تجميد الخطاب حسب العالم الموسوعي المحدث، الدكتور أحمد عمر هاشم. أوضح كريمة، أن بدعة وفتنة الخطبة المكتوبة من قبل الأوقاف مجاملة رخيصة وتقليدًا أعمى لنُظم في بعض دول الخليج، كما أن وزير الأوقاف، الدكتور مختار جمعة، أراد من تفعيل الخطبة المكتوبة على المنابر لكى يحول فن الخطابة إلى آلة صماء تسبح باسم الحاكم، كما أن وزارة الأوقاف بادرت بذلك ليس من قبيل التجديد، لكن من باب رسم صورة للرئيس عبدالفتاح السيسي - بأن الوزارة تعمل وبقوة على تطوير العمل الدعوي على غير الواقع، وخير دليل رفض كبار هئة العلماء للخطبة المكتوبة - والذي جاء من حرصهم الشديد على التجديد الفعلي وليس الشو والسعي وراء المكاسب الشخصية - كما يفعل البعض. السيسي يشعل الصراع بين «الأزهر» و«الأوقاف» حول الخطبة المكتوبة من جهتها، كشفت مصادر مسؤولة بالأزهر، أن السبب الرئيسي وراء الأزمة القائمة بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف حول تفعيل الخطبة المكتوبة من عدمها، ترجع إلى أن وزارة الأوقاف تحاول جعل الخطبة المكتوبة وسيلة قوية لمجاملة الرئيس والأجهزة المعنية، خاصة أن التقارير التي أرسلت من الوزارة إلى مؤسسة الرئاسة حول الخطبة المكتوبة تتضمن أن تفعيلها سيضع المنابر تحت القبضة الحديدية. أشارت المصادر - التي فضّلت عدم ذكر اسمها، ل"التحرير"، أن مؤسسة الرئاسة انتابتها حالة من القلق والغضب إزاء أجواء التوتر والخلافات بين الأزهر والأوقاف حول الخطبة المكتوبة، مؤكدين أن الرئاسة لا تريد مجاملات بقدر ما كانت ترى في الخطبة المكتوبة وسيلة للتجديد - كما حاولت الأوقاف الترويج لها. أضافت المصادر: "بعد بيان كبار هيئة العلماء سيتغير الموقف العام من سعي الوزارة من تفعيل الخطبة المكتوبة، وذلك لأن مؤسسة الرئاسة تعي جيدًا المكانة العلمية التي يتمتع بها أعضاء هيئة كبار العلماء". اللجنة الدينية بمجلس النواب: ندرس الموقف قال الدكتور أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن موقف اللجنة واضح منذ البداية حول مشروع الأوقاف بشأن الخطبة المكتوبة، وأن اللجنة طلبت من وزير الأوقاف، مختار جمعة، دراسة المشروع، وجعل الخطبة المكتوبة اختيارية لحين الوقوف على جميع الملاحظات من شتى الأطراف. أضاف العبد، ل"التحرير": "اللجنة تثمن وبقوة البيان الصادر من هيئة كبار العلماء حول رفضها بالإجماع لمشروع الخطبة المكتوبة"، منوهًا بأن اللجنة ستعقد خلال الأسبوع المقبل، اجتماعًا موسعًا مع أعضاء اللجنة الدينية؛ لمناقشة بيان الهيئة وستعمل اللجنة على تهدئة الأوضاع بين الأزهر والأوقاف والوصول إلى صيغة توافقية تحقق مصلحة العمل الدعوى في المقام الأول.