كما يمنح الله سبحانه وتعالى، البشر فرصا للصلاح والاستقامة لتصحيح أخطائهم وفتح صفحة جديدة بدون خطايا فإنه يُنعم بذلك أحيانا على الأمم والشعوب، إذا خلصت نياتهم وتنكبوا سواء السبيل وحسن القصد، والشعب المصرى نظرا لطيبة قلبه وحسن نيته وصبره الطويل على المكاره وتحمله الشدائد وضيق الحال فقد استحق أن تتاح له هذه الأيام فرصة ثانية ذهبية لا تأتى إلا مرة واحدة ولا تتكرر إلا بطلوع الروح ودفع الثمن غاليا من اللحم الحى فكيف حدث ذلك؟ فاكرين من سنتين وأكثر لما قلنا يا جماعة تعالوا نبدأ بالدستور علشان نحط الأساس الصح ونبنى عليه طوبه طوبة مصر قوية متوافقة ومستقرة، لا تتأثر بالهزات ولا الزلازل السياسية أو التشريعية؟ فاكرين برضه منظر طوابير المصريات والمصريين الطويلة طول صبر هذا الشعب النبيل، فاكرين حشود المواطنين التى تسد عين الشمس التى تدفقت على مراكز الاقتراع منذ الفجرية ليحتفلوا بحقهم فى التصويت على الإعلان الدستورى الشهير فى 2011؟ طيب فاكرين يا جماعة حسن نيتهم وسلامتها عندما صدق بعضهم دعاوى ومقولات الشخصيات المتحولة كما عباد الشمس والمتلونه كما الحرباء وطلعتهم البهية على الفضائيات مدعين أن كلمة «نعم» تدخلنا الجنة الغنَّاء وتضمن لنا الاستقرار والازدهار، بينما قولة «لا» فهى فى نظرهم والعياذ بالله تودى بنا إلى النار والعذاب واضطراب الاستقرار والثبور وعظائم الأمور، ويا ريت على كده وبس فهى ستتسبب فى ضيق الحال وسوء المآل وإفلاس البلاد وضنك العباد؟ وهل تتذكرون يا حضرات أن تلك الفتاوى السياسية المغرضة قد قادتنا إلى طريق الندامة والصدامة وأدخلتنا أحيانا بحر الظلمات وأحيانا أخرى وديان الرمال المتحركة اللى كل ما نحاول نطلع منها فى محاولات متخبطة نغرق فيها أكثر لغاية ما كانت حتبلعنا كلنا؟ وأكيد طبعا متذكرين أننا بعد كده قعدت بلاد تشيلنا وبلاد تحطنا فى بحور التحول الديمقراطى وكل ما نبحر للأمام ويبان الشط تيجى موجة تسونامى عملاقة من الأخطاء التشريعية الفادحه وأخواتها من خطايا الإعلانات الدستورية المشبوهة تروح مرجعانا للوراء فراسخ عديدة علشان نبتدى الإبحار من أول وجديد، ومش بس كده فيه ناس وقعت مننا فى البحر وغرقت واختفت وما بنلهاش صاحب وفيه ناس كمان زقت الناس اللى جنبها فى الأمواج السياسية المتلاطمة علشان تطلع على اكتافها لغاية ما الناس زهقت من السياسة ومن سيرتها ومن اللى يتشدد لها، وفقدت الثقة فى عملية التحول الديمقراطى بحالها! وبدون شك حضراتكم فاكرين طبعا محاولات «القص واللزق» المتواترة لرتق الثقوب الدستورية والتشريعية التى تسبب النظام بها عبر السنة الماضية والتى نكدت على المواطنين الغلابة فى كل مكان لغاية ما الدنيا اسودت فى وشهم وسلموا أمرهم لله وحسبنوا على اللى كانوا السبب، داعين أن يعطيهم سبحانه على قد نيتهم! وحيث إنه وفقا لتراثنا الشعبى «لا بد من يوم معلوم تترد فيه المظالم أبيض على كل مظلوم واسود على كل ظالم» فقد استيقظنا فى فجر يوم سعيد على زقزقة العصافير المرحة بتقولنا إن الرحمن الرحيم قد استجاب لدعوات المصريين الغلابة، وأن الشعب المصرى لديه فرصة جديدة نوفى علشان يصحح مساره واختياراته فى العامين الماضيين، فيا سبحان الله رجع زمن المعجزات ونقدر تانى نحل ورقة الأسئلة بتاع امتحان التحول الديمقراطى على نظافة بعد ما ذاكرنا الدروس الصعبة اللى كانت عماله ترف على دماغنا! يا فرج الله وكرمه لأن الفرصة دى جت بعد دروس وتجارب قاسية، كانت تكلفتها غالية من حياة وعيشة المصريين ولو ضيعناها المرة دى ماحدش يرجع يفتح بقه بعد كده ويشتكى لأى سبب، لكن الحقيقة أننا متفائلون، لأنه كما يقال فأول الغيث قطرة ثم ينهمر، والقطرة الأولى بلا شك هى صياغة دستور مصر الحديثة أولا وثانيا وثالثا، فلا خطوة تسبق الدستور هذه المرة تحت أية ظروف، فنحن قد قلبنا الصفحة وبنبتدى «نقطة ومن أول السطر» وأول كلمة فى السطر كانت تشكيل اللجنة الدستورية المتخصصة التى نتعشم فيها خيرا بإذن الله وربنا حيكرم المرة دى والدنيا تمشى سهلة ومتيسرة، مش كده وبس فحيث إننا نبدأ من أول السطر فإحنا لازم نمشى زى كتاب التجربة المصرية المريرة ما بيقول والدستور الذى ننشده يجب أن يمثلنا ويرضينا جميعا. دستور يعبر عن مصر المتسامحة المتصالحة والمتنورة اللى تستوعبنا جميعا باختلافاتنا وتنوعنا ولا تبدّى أحدنا على الآخر فى الحقوق والواجبات، دستور يعكس الصورة الحقيقية لمصر المتحضرة المتقدمة والمنفتحة على الإنسانية كلها، باختصار مصر اللى إحنا بنحبها وهى كمان بتحبنا!