فى تصريح كاشف لبعض التفاصيل التى لا تزال منغلقة على فهم كثيرين فيما يخصّ نشأة وتنامى واستفحال تنظيم داعش الإرهابى الهمجى، أكد الجنرال هيرشى هاليفى، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، أن إسرائيل تفضِّل داعش فى سوريا على نظام الأسد، وأعرب عن قلقه إزاء الخسائر التى تكبَّدها داعش فى الفترة الأخيرة، وأكد أن إسرائيل لا تريد أن يلقى داعش الهزيمة فى حربه لأن هذا سيضع إسرائيل فى موقف صعب! وأضاف بأن إسرائيل ستعمل كل ما فى وسعها لكى لا تجد نفسها فى هذا الوضع. وقال موقع "روسيا اليوم" الذى نشر الخبر مؤخراً، نقلاً عن الإذاعة الإسرائيلية فى فترة سابقة، إن هذا يشير إلى أن الجيش الإسرائيلى يرى مسألة تقديم الدعم المباشر لداعش كشأن سياسى وليس مجرد كلام. وأضاف الموقع أنه سبق لمسؤولين إسرائيليين أن أعلنوا تفضيلهم لأن يكتسح داعش كامل الأراضى السورية، بدلاً من النظام السورى المتحالف مع إيران. والحقيقة أن كلام الجنرال الإسرائيلى لا يختلف فى الجوهر عن الموقف الأمريكى الحالى الذى يبدو وكأنه تغير تغيراً كبيراً فى العلاقة بداعش، وكأن أمريكا باعته وتركته يلقى مصيره بعد أن رفعت يدها عنه فجأة فى ثلاث دول مرة واحدة، العراقوسوريا وليبيا، بل وساعدت ببعض الطلعات على استحياء تقصفه بالطيران لمساعدة القوات التى تطوقه وتسعى للاشتباك معه لتحرير الأراضى التى استولى عليها. ثم طوَّرت أداءها بعد ذلك بقصف أكبر وأكثر إيلاماً فى لحم داعش، بقدر يبدو أنه محسوب بدقة! تصريح قائد عسكرى عراقى يكشف السياسة الأمريكية الحقيقية على الأرض، حيث قدَّم بعض الخبراء العسكريين الأمريكيين النصحية للجيش العراقى بأن يؤجِّل تحرير الفلوجة من قبضة داعش، وأن يبادر بالتوجه إلى الموصل بحجة أنها هى الموقع الأكبر والأهم لداعش، حيث آبار البترول التى يستولى عليها ويصرف من عائد البيع على التسليح والإعاشة..إلخ. وقال القائد العراقى إن هذه النصيحة الأمريكية هى ضد أبسط القواعد العسكرية، بل هى فخ حقيقى للجيش العراقى، لأن تأجيل الفلوجة والبدء بالموصل معناه أنه بمجرد تهديد قواته للموصل فسوف تتعرض لتطويق من قوات داعش التى ستهبّ من الفلوجة لمساندة مقاتليهم فى الموصل، بما يعنى فناء محققاً للقوات العراقية التى ستقع فى كمين تُحاط فيه بإرهابيى داعش من كل الأنحاء! وهذا ما جعل الجيش العراقى يبدأ بالفلوجة ويحقق فيها إنجازاً ضخماً يؤمِّن له المسير إلى الموصل من هجوم داعشى. الحقيقة التى صارت واضحة بذاتها، أن أمريكا لم تأخذ خطوات عملية ضد داعش إلا بعد أن أثبتت روسيا أنها جادة فى التصدى له، ثم بالضربات الروسية الشديدة التى أنزلت خسائر جسيمة على الأرض ضد داعش. وبالمناسبة، لا يجب أن يكون هنالك أوهام، فى أن تدخل روسيا هو فى الأصل من أجل المصالح الروسية التى باتت مهددة بعد أن تيقنت أن الإرهابيين من الجمهوريات الإسلامية المجاورة لها، ومن مناطق الحكم الذاتى الإسلامية فى روسيا الاتحادية، يحاربون فى صفوف داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، حيث يطورون مهاراتهم ليعودوا أكثر خطراً على روسيا. مما جعل التدخل الروسى فى سوريا مهماً لمحاربة جذور الإرهاب الذى يهدد الشعب الروسى. إذن، لم تتدخل أمريكا إلا نتيجة للتواجد الروسى الفعال، ودون أن تقدم تفسيراً لتغيير الرؤية الأمريكية الرسمية التى تكررت حتى وقت قريب فى تصريحات على لسان مسؤوليها الكبار بأنه لا يمكن القضاء على داعش قبل 15 عاماً! ثم فى قول آخر: بل 20 عاماً؟ دون اكتراث بالآثار الرهيبة لهذا المزاد الوهمى على الضحايا الواقعين فى قبضة داعش. المهم، عملياً وعلى الأرض، أنه، وفى هذه المرحلة، قد تلاقت مصالح أطراف خارجية قوية، إما بجدية، مثل روسيا لتحقيق هدف وطنى لها، وإما من أمريكا، حتى لا تدع روسيا تنفرد بسمعة التصدى للإرهاب، وإن كان يحكم الدور الأمريكى أن لا تتجاوز ما يصل إلى تهديد إسرائيل وفق ما قاله الجنرال الإسرائيلى. كل هذا لا يبشِّر بنصر حاسم على داعش، وإن كان يؤدى إلى ضربات قوية قد تلجئه إلى الكمون إلى حين! وهو ما عبَّر عنه واحد من قادة الإرهاب الداعشى، عندما علق على الضربات الروسية الشديدة، بأنها لن تقضى عليهم حتى إذا اضطرتهم لمغادرة كل الأراضى التى استولوا عليها. لذلك، لا يُستحسَن أن تعقد آمال ضخمة على ما يمكن أن تحققه هذه المواجهة الأخيرة القوية ضد داعش، ولا مرأى مقاتليه وهم يتراجعون ويخلون مناطق ظل بعضها تحت سيطرتهم لمدة عامين، لأن أقصى ما يمكن أن يحققه كل هذا أن يختفوا ويلبدوا فى مكامنهم حتى يحين الحين. ومن يدرى كيف يعودون ومع أى حلفاء! وهذا يثبت أن مسؤولية المواجهة الحقيقية هى مسؤولية حكومات وشعوب المنطقة، ليس فقط لأنها المضار الأكبر من داعش وأخواته، وإنما أيضاً، وهو الأكثر أهمية، أن المفرخة الحقيقية هنا، فى الأفكار والتنشئة، وبالبشر المؤهلين للإرهاب، وأن أجيالاً سابقة تهاونت وتقاعست عن مسؤولياتها فى التصدى الفعال، وما عاد هنالك إمكانية لتقبل المزيد من التهاون والتقاعس.