لا أستطيع أن أنسى ذكرياتي مع الشهر الكريم في الغربة، بما فيه من قصص وما يلازمه من موجات شرسة من الشعور بالغربة والحنين إلى الوطن (home sickness)! في إحدي ليالي رمضان الأول لي ولصديقي وزميلي في المسكن "شريف"، سألته ويا ليتني لم أفعل! أنا: إنت حتتسحر إيه؟! شريف: فول بالسمنة، في علب جاهزة بتتباع، كل اللي عليك وضعها في الميكروويف لدقائق لتصبح جاهزة. أنا: إنت اشتريت الفول ده من السوبر ماركت العربي؟! على الهامش، في الكثير من المدن الأمريكية لا بد من وجود هذا المحل المتخصص في بيع البهارات والأطعمة العربية الحلال للجاليات العربية والمسلمة. وغالبًا ما يكون معظم الأطعمة مستوردًا من تركيا وإيران وباكستان وسوريا! بصراحة، لم أكن من المعجبين بهذا النوع من المحلات لأسباب لا داعي لذكرها الآن. شريف: لا ده من "Cub foods" (سلسلة محلات منتشرة في أمريكا)، تحب أعملك فول معايا؟! أنا: ما أنت عارف أنا مش بحب الفول وبعدين بيعملي "حموضة"! شريف يخرج من المطبخ ومعه طبق الفول "التمام" وأنا معي سندوتش جبنة وطبق الكورن فليكس! شريف: أنا ماعرفش إنت إزاي بتتسحر كورن فليكس، ده خفيف أوي، شريف أخذ لقمة من طبق الفول وكان مستمتعًا جدًّا، ونظر لي متسائلًا، تحب تدوق؟ خد لك قطمة؟ فنظرت إلى طبق الفول وعلى طبقة الدهون والزيوت أعلى الطبق وأشرت إليه قائلاً: لا يا عم بلاش. منظر الفول مريب إلى أقصي درجة ويدفعني إلى فعل أشياء لا أريد أن أفعلها ووجدتني مضطرًّا بعد أن تملكني الشك. ذهبت بهدوء إلى المطبخ حتى لا يشعر صديقي بالريبة وأنني سأتجسس عليه. اتجهت إلى الثلاجة وأخرجت علبة الفول لأقرأ مكوناتها، ووجدت بالفعل ما كنت أخشاه! أنا: يا شريف، كفاية أكل من الفول ده. شريف يرد عليَّ وهو يضع لقمة الفول في فمه مستمتعًا: مالك فيه إيه؟! أنا: يا شريف لو سمحت كفاية كده، علشان الأخوة باقولك بلاش. شريف: ليه بس، ده جامد أوي. أنا: يا ابني الفول اللي أنت بتاكله معمول بدهن الخنزير ومكتوب على العلبة كده! توقف شريف عن الطعام وكانت ينظر إليَّ شذرًا وغضبًا كأنه يلومني على التصريح جهرًا بما علمته، وقد كان من الأفضل أن أصمت حتى الصباح لأخبره ولا داعي "للعكننة" على السحور! أنا محاولاً أن أخفف من غضبه: تحب أعملك كورن فليكس؟! شريف يرد وهو يضع طبق الفول في الزبالة: لا شكرًا! ** في يوم رمضاني آخر بعد ما يقرب من عامين، اتفقنا أن نفطر معًا في مطعم به بوفيه مفتوح حتي يوجد اختيارات مختلفة لنا جميعًا. ذهبت إلى البوفيه وأخذت ما طاب لي ولكنني وجدت أجنحة فراخ غريبة جدًّا، ولهذا لم أستسغها وأخذت مما أعرفه. ذهبت إلى مقاعدنا وجلست بجوار صديقنا "رشوان"، أتي إلينا شريف وجلس أمامي مباشرةً وبدأ بالأكل، فنظرت إلى طبقه بالصدفة فوجدت أجنحة الفراخ العجيبة! أنا: أنا ماقدرتش آخد من الأجنحة ديه يا أخي، شكلها غريب أوي، تحس أن الرجلين طويلة أوي. شريف: هي فين رجلين الفراخ ديه؟ أنا: أهيه الطويلة ديه اللي انت بتاكل منها. شريف وهو يلتهمها باستمتاع غريب، ما هي ديه مش أجنحة فراخ! أنا: أمال إيه بقي إنشاء الله؟ شريف: ديه أرجل "ضفادع"، بس جميلة ولذيذة أوي! حالة من الصمت الرهيب يخيم عليَّ وقد توقفت عن الأكل تمامًا، ونظرت إلى رشوان، فوجدته مبتسمًا وقد توقف هو الآخر عن الأكل. شريف: في إيه مالكم، أكل الضفادع مش حرام! رددت عليه وأنا ناظر في الاتجاه الآخر متفاديًا أرجل الضفادع وقد قررت عدم أكمال وجبة الفطار: يا عم ولا حرام ولا أى حاجة، أنا بس مشكلتي أني "باقرف"! ده أنا كنت باقرف من العيال اللي كانوا بيمسكوا الضفادع يلعبوا بيها ويعذبوها في مصر، أوم آجي أمريكا علشان آكل ضفادع! ** في الختام، تعلمت من هذه المواقف أهمية عدم التدخل في حياة الآخرين وعن عدم سؤالي عن شؤونهم الداخلية (وأنا كان مالي هو حيتسحر إيه ولا حيفطر إيه)! يا ليت البشر يدرك أهمية عدم التدخل في حياة الآخرين، وأننا مسؤولون عن أنفسنا فقط!