طرحت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب مع وزارتي المالية والتخطيط إمكانيات ضم ميزانية مستشفيات القوات المسلحة والشرطة وهيئة المصل واللقاح والمستشفيات الجامعية إلى ميزانية قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي من أجل تفادي إشكالية العوار الدستوري في الموازنة العامة الجديدة، ليرتفع نصيب الإنفاق على تلك القطاعات الثلاث إلى 10% في حال إقرار نصيب ضعيف للقطاعات الثلاث أقل من الحد الأدنى الذي اشترطه الدستور بنسبة 3% من إجمالي الناتج المحلي وصولا إلى 6% بحسب النسب العالمية للإنفاق على الصحة. ويشترط الدستور المصري تخصيص نحو 3% من الناتج المحلى الإجمالي سنوياً للإنفاق على قطاع الصحة، و7% من الناتج المحلى للإنفاق على قطاعي التعليم والبحث العلمي، منها 4% للتعليم قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي وبالتالي فإن الموافقة على مشروع الموازنة للعام المالي المقبل عبر مجلس النوابة دون الالتزام بما جاء بالدستور ستعني أن الموازنة الجديدة غير دستورية كمشروع قانون جديد مُقدم . في الوقت ذاته بلغ إجمالي مخصصات وزارة الصحة في مشروع الموازنة للعام المالى المقبل نحو 47.4 مليار جنيه، بما لا يزيد عن 3% من الناتج المحلي الذي يصل إلى 3.2 تريليون جنيه، مقابل 2.8 تريليون خلال العام المالى الجارى. وهي نسبة أقل بكثير من الرقم المذكور فى الدستور المصري والتي يجب أن لا تقل عن 96 مليار جنيه، حيث ينص الدستور في مادته 18 على أن "لكل مواطن الحق فى الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل". تمرير الموازنة عبر بوابتي "الصحة" و"التعليم" كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتلتزم الدولة كذلك بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون . وهو ما صاعد من تراكم التخوفات لدى الحكومة المصرية من إمكانية رفض تمرير الموازنة الجديدة بتلك الصورة غير الدستورية عبر مجلس النواب، فأعلنت عن نيتها لضم مستشفيات الجيش والشرطة إلى قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي، التي تبلغ المخصصات الدستورية لهم نحو 10 % ومن ثم تهرب من الوقوع في فخ "عدم الدستورية" . طبقًا للمؤشرات العالمية تعد مصر ثاني الدول الإفريقية من حيث الإنفاق على الصحة بعد جامبيا وكافة الدول العربية تُنفق على توفير الخدمات الصحية أكثر من مصر وترجع أسباب تردي الخدمات الطبية التي رصدتها "التحرير" ولا تعترف بها الحكومة المصرية إلى عدد من العوامل الرئيسية بحسب الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الحق في الصحة الذي أكد على وجود نقص شديد في الأطباء بنسبة 33% في الوحدات الريفية المغلقة بالصعيد، فضلا عن العجز التام في طاقم التمريض بمعدل 65% ولا تعترف الحكومة بذلك. الحيطة المايلة "هذا نصب رسمي ولو وافق البرلمان على ذلك سنرفع دعاوى قضائية على عدم دستورية الموازنة لمخالفة الدستور في ظل نظام يحتقر الصحة والتعليم ويضعهم في مؤخرة الأولويات"..هكذا يرى منسق لجنة الحق في الصحة أن الحكومة المصرية تتحايل على الدستور عبر محاولاتها المستميتة لضم ميزانية مستشفيات وزارتي الدفاع والداخلية إلى ميزانية قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي، في ظل ضعف الإنفاق الحكومي العام عليهم والذي لا يتجاوز 50 مليار جنيه . منذ سنوات طويلة والحكومة المصرية ملتزمة ألا يزيد العجز في الموازنة العامة عن 10% من الناتج القومي، ولكن يبدو أن قطاعي الصحة والتعليم هم "الحيطة المايلة" لكل الحكومات التي مرت بمصر منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك حتى اليوم بحسب تعبيره، وهذه شبهة واضحة في مجاملة المستثمرين على حساب حقوق المواطن المصري الأساسية. وأوضح خليل في تصريحات خاصة ل"التحرير" أنه لا يعترض على فكرة توحيد الهيكل الصحي المصري تحت كيان واحد يحكمه نظام تأميني شامل عبر مؤسسات صحية غير محملة بالربح، ولكن الحكومة عبر ذلك القرار تحاول تحسين الصورة من أجل الاستحقاقات الدستورية، وفي كل الأحوال في حالة ضم ميزانية المستشفيات العسكرية والشرطية والجامعية إلى "الصحة"، فإنهم لن يصلوا إلى النسبة الدستورية المقررة ب10% من الناتج المحلي القومي . عوار دستوري "لا يمكن أن نُقدم موازنة بها عوار دستوري".. هكذا أعلن الدكتور حسين عيسى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب والذي أوضح أنه لا يوجد دستور بالعالم ينص على وجود نسب مئوية محددة للإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي وغيرها من القطاعات الإستراتيجية بالدولة، مشيرًا إلى أن هذا ليس هو الحل الحقيقي لمشاكل وأزمات الصحة والتعليم المتكررة في مصر، ولكن القضية في حاجة ماسة إلى مواجهة حقيقية بالمشاكل وإرادة سياسية ناجزة وحلول غير تقليدية للأزمات. وأضاف عيسى أن القرار لم يُطبق حتى الآن، وكل ما في الأمر أنهم يطبقون سياسة التقسيم الوظيفي بين القطاعات، بحسب نص الدستور على أن تلتزم الحكومة بالإنفاق على الصحة وتقديم الخدمة الصحية السليمة، سواء كانت مستشفيات وزارة الدفاع والقوات المسلحة أومستفيات الشرطة والجامعة ووزارة الصحة على أن يكون هناك نصًا دستوريًا على إصلاح وتطوير منظومتي الصحة والتعليم على أسس سليمة وتتكفل الدولة بتدبير الموارد المالية اللازمة لذلك. وأكد في تصريحات خاصة ل"التحرير" أن الأساس في الموضوع أن يتم تقديم خدمة صحية جيدة للمواطن المصري واللجنة تدخل حاليًا في مفاوضات مستمرة مع وزارتي المالية والتخطيط من أجل الوصول إلى حل توافقي دون أن يرفع عجز الموازنة عن النسبة المستهدفة 9.8% وذلك عبر وضع موازنة دستورية، ومن ثم إعداد الجداول والتقارير والبيانات بذلك قبل نهاية الشهر الجاري. العلاج المجاني في مستشفيات الجيش والشرطة من جانبها، طرحت الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء تساؤلا حول إمكانية فتح مستشفيات القوات المسلحة والشرطة لعلاج المواطن العادي بالمجان، أو برسوم رمزية ، لتساهم في تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطن المصري، مضيفة أن هذا الالتزام الدستوري وضع لضمان تحسين مستوى الخدمات الصحية، وليس لإتمام تسوية النسب على الورق، بما يفتح المجال أمام إمكانية الطعن على دستورية هذه الموازنة نتيجة الإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين . وهذا ما اعترض عليه رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب حين ذكر ل"التحرير" أن تلك المستشفيات العسكرية أو الشرطية على حد سواء تقبل المدنيين طوال السنوات الماضية بمقابل، خاصة أن أسعار الخدمة الصحية مكلفة للغاية والدول التي تقدم ذلك بالمجان محدودة وتعوض ذلك عن طريق رفع أسعار الضرائب، ولكن في الوقت الذي يشتكي فيه جموع المواطنين من تردي الخدمات المقدمة لمستشفيات الحكومة المجانية نرى أن المستشفيات الجامعية تتحمل ما يقرب من 80% من تقديم تلك الخدمات الصحية للمواطنين . نظام تأميني شامل وأعلن عيسى أنه هناك حالة وحيدة تٌقدم فيها الخدمة الصحية بالمجان للمواطنين في حالة وجود قانون تأمين صحي شامل يكفل تقديم خدمة صحية راقية للمجتمع بغض النظر عن من يتحمل تكلفة ذلك، مطالبًا أن تكون المخصصات المالية لتنفيذ التأمين الصحى الشامل خلال العام الأول من تنفيذ القانون يجب ألا تقل عن 10 مليارات جنيه، فى حين يبلغ ما خصصته وزارة المالية لهذا البند ب 7.8 مليار جنيه.