تابعت باستغراب ودهشة موقف حزب النور من الأحداث الجارية بعد يوم 30 يونيو، ففى الوقت الذى أعلن فيه صراحة ودون مواربة أنه لن يخرج ليشارك الشعب ثورته ضد محمد مرسى وأنه يطالب فقط الرئيس بتحقيق مطالب المعارضة فى رئاسة وزراء جيدة ونائب عام جديد، وجلس الإخوة أصحاب الجلابيب واللحى الطويلة فى بيوتهم يشاهدون ثورة الشعب العظيم ضد النظام الفاشى الذى ينتسب زورًا وبهتانا إلى الإسلام، ومع نجاح الثورة الباهر فى خلع محمد مرسى وشركاه ومع بداية التخطيط لمستقبل جديد برئيس مؤقت وخريطة طريق، حاول النظام الجديد أن لا ينسى المتأسلمين فأدخل حزب النور فى اللعبة السياسية، ولكن ما إن دخل الحزب لعبة السياسة الجديدة حتى رأيناه أسدًا وهو ليس أسدًا ويحمل من القوة الكثير وهى ليست قوة بل منظر من مناظر السياسة البليدة. وأهم ما نريد اليوم أن نستعرضه هو موقف هؤلاء الأشاوس من أنقى الشخصيات المصرية فى العصر الحديث، رجل يعتبره شباب الثورة أيقونة الثورة، مواقفه جليَّة، لم يتغير ويتلون مثل بقية السياسيين، يمتلك من التاريخ الذهبى الكثير فى حب هذا البلد والبحث عن مصلحته، فهو أول من دعا لخروج مليونية ضد نظام حسنى مبارك، وكانت لأول مرة تخرج علينا كلمة «مليونية»، هو ذلك الرجل الذى حاول حسنى مبارك وزبانيته أن يلطخوا سمعته ويصفوه بأسوأ الصفات، بالعلمانية والماسونية والكفر والإلحاد، ويبدو أن نظافة واستقامة الدكتور البرادعى لم تكُن مشكلة فقط مع نظام حسنى مبارك، بل ظهرت مع المجلس العسكرى بقيادة طنطاوى وظلت طوال حكم محمد مرسى. حاربوا الرجل بكل طريقة، حاولوا أن يبعدوا عنه كل مناصر مع أنه أهل لها، فهو أقرب شخصية سياسية أحبها شباب الثورة حتى أطلقوا عليه لفظ «البوب»، عاش طوال عمره مناضلا، لم يحصل على جنسية أخرى مثلما فعل أولاد مرسى وفعلت أم أبو إسماعيل، واستُقبل فى أنحاء العالم استقبالاً مشرِّفًا بعد تاريخ مشرِّف كرئيس للوكالة الذرية، ولم يقدر أحد داخل مصر وخارجها أن يشوه الرجل بورقة فساد واحدة، شخصيته التى تتسم بالديمقراطية هى التى جعلته دائمًا فى زمن مبارك يطالب بأن يأخذ الإخوان حقهم فى ممارسة العمل السياسى.. «هذا الرجل لا يعجب السلفيين». فى أثناء الترشيحات السابقة لرئاسة الجهورية رفض الرجل بكل عزة وكرامة أن يشارك فيها لأنه شعر أن ما يحدث من خطوات فيها بعيد كل البعد عن الديمقراطية، يملك من الأفكار والخبرة الكثير الذى جعله يكون محط أنظار العالم، وعندما عُرض عليه منصب رئيس الوزراء وافق أن يتحمل المسؤولية فى هذا الوقت الحرج حتى يخدم بلاه ومع ذلك خرج علينا حزب النور الحديث بعهد السياسة ليعترض عليه، هم يعرفون جيدا أن هذا الرجل يحمل من الصفات الكثير الذى مُكّن من خلاله أن يضع مصر فى مكانة جيدة، ولكن الإخوة فى حزب النور أصحاب الجلابيب البيضاء واللحى الطويلة يعترضون عليه ويقولون إنه علمانى، فى الوقت الذى تم فضحهم فيه باتصالات فاجرة عاهرة خائنة مع الخنفساء البيضاء السفيرة الأمريكية، كانت تعطيهم الأوامر لتعطيل الحكومة حتى يقوم الإخوان بفعلتهم الشنعاء أمام الحرس الجمهورى لإحراج قادة الجيش أمام العالم، ومن الغريب أنه عند سؤالهم «من ترشحون؟» تكتشف فى الإجابة المراهَقة السياسية والرؤية الطفولية فى أنهم عندما رشحوا رئيس وزراء آخر رشحوا على لطفى وعبد العزيز حجازى! شىء غريب ويثير السخرية، هؤلاء الناس الذين لم يشاركوا فى ثورة 25 يناير ولا 30 يونيو، هؤلاء الناس الذين كانوا يدعون دائما إلى محبة الحاكم وعدم الخروج عليه، هؤلاء الناس الذين لم نسمع لهم صوتًا فى 30 عامًا من الفاشية والفقر فى عهد حسنى مبارك، ذكّرونا باسم واحد منهم دخل السجن بسبب مهاجمته لنظام حسنى مبارك، الآن هؤلاء المراهقون السياسيون يرسمون سياسة مصر ويتحكمون فيها، والنظام المؤقت يتودد لهم. شىء غريب وعجيب! هؤلاء المراهقون السياسيون يتخيلون وَهْمًا أنهم يملكون الشارع بنفس الوهم الذى كان يمتلك نفوس الإخوان، أنا شخصيًّا على يقين بإذن الله أن نهاية السلفيين السياسين والإخوان ستكون فى معركة انتخابات مجلس الشعب القادمة. الشعب الذى خرج يوم 30 يوليو ولم يكُن فيه سلفيون ولا إخوان خرج بقوة 30 مليون مواطن فى شوارع مصر كلها، هذا الشعب أعلن صراحة أنه لا يرضى بالمتأسلمين أن يتقدموا الصفوف وعليهم أن ينسحبوا إلى الصفوف الخلفية ويعودوا للدعوة ويبعدوا عن السياسة لأن تاريخهم فى السياسة أثبت أنهم إما إرهابيون كالإخوان وإما مراهقون كالسلفيين. وأتمنى أن لا أصدِّق أن أحمد المسلمانى المتحدث الرسمى للرئاسة كان أبرز المعارضين للبرادعى، هذا ما سمعناه، وأمتلك علاقة جيدة بالأستاذ أحمد المسلمانى، وأتمنى أن يكون هذا الخبر غير صحيح، لأننى أعلم أن المسلمانى رجل محترم وكان دائمًا يقف مع الشخصيات الناجحة والمشاريع الناجحة، وأظن أن من الصعب أن يكون المسلمانى قد تأثر بما يقوله السلفيون عن البوب.