الوثيقة ليست بالكبيرة.. فقط 28 صفحة، ولكن ربما سيكون من شأنها زعزعة أسس واحدة من العلاقات الاستراتيجية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط: الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية. الوثيقة تقبع في خزنة حديدية ألكترونية بالطابق السفلي لمبنى الكونجرس، لا أحد يعرف فحواها تحديداً ولكن نشرها قد يكون قريباً، وهو ما سيلقي بلا شك بمزيد من التوتر على العلاقة المحتقنة أصلاً بين الرياضوواشنطن. العلاقة بين البيت الأبيض وآل سعود بدأت باتفاقية شراكة إثر لقاء تاريخي في فبراير من عام 1945، على سطح الطراد الأمريكي كوينسي في البحر الأحمر بين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس فرانكلين روزفلت.. اتفاق تضمن بموجبه واشنطن أمن المملكة على أن تزودها تلك الأخيرة بكل ما تحتاجه من نفط. اليوم وبعد مرور 71 عاماً يبدو كل شيئ في تلك العلاقة وكأنه ذهب أدراج الرياح، فالولاياتالمتحدة ظهر لديها كميات هائلة من البترول الصخري الذي لا يلبي احتياجاتها فقط، بل ولا يكلفها المبالغ الضخمة التي تُنفق على البترول الأحفوري، وفي سياق منفصل يشعر آل سعود بخيانة كبرى بعدما قاد باراك أوباما قوى الغرب للتوقيع على اتفاق لوزان في سويسرا العام الماضي والذي تم بموجبه تسوية ملف إيران النووي سلمياً، وهو مايرى فيه السعوديون والخليج أجمع ضوءَ أمريكياً أخضر لطهران كي تبسط نفوذها وتمد أذرعها في عدة عواصم عربية بدءً من دمشق ومروراً ببيروت وحتى بغداد وصنعاء. غير أن إحساس السعوديين بالخيانة كان قبل دخول أوباما البيت الأبيض رئيساً، وبالعودة لليلة الأربعاء الثاني عشر من ديسمبر 2001، نكتشف هذا الخبر الذي أعلنه البيت الأبيض في بيان رسمي: 15 من ال19 إرهابياً الذين نفذوا هجمات سبتمبر كانوا سعوديون، ومن هنا انطلقت وثيقة ال28 صفحة. وعقب الهجوم الأكثر دموية قي تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية على أراضيها (3000 قتيل) تم تشكيل لجنة للبت في مسئولية ذلك الهجوم داخلياً وخارجياً، ونشرت تقريراً من 838 صفحة في يوليو 2004، لتؤكد ضلوع تنظيم القاعدة، بزعامة أسامة بن لادن آنذاك، في الهجوم فيما تم تبرأة عراق صدام حسين وإيران من أي مسئولية. ولكن هل كان للسعودية أي مسئولية؟ في كل الأحوال، وبحسب واضعي التقرير، فإن الخمسة عشر سعودياً تربوا وترعرعوا على مبادئ الوهابية السعودية التي هي مدرسة لكراهية الديانات الأخرى والآخر عموماً.. السؤال مرة أخرى: هل كان للرياض مسئولية بشكل رسمي؟ ما خلصت إليه اللجنة نصاً هو أنه « لم يكن هناك أي دليل على تمويل أو مساندة الحكومة السعودية كمؤسسة أو مسئولين سعوديين رفيعي المستوى بشكل فردي لهجمات سبتمبر». تساؤلات هناك تساؤلات في الصحف الأمريكية عن احتمالية تورط مسئولين سعوديين من الدرجة الثانية، وهو ما لا يعرف أحد إجابته على وجه الدقة، ولكن المؤكد هو أن ال28 صفحة تم حجبها بطلب من الرئيس السابق جورج دبليو بوش، واليوم تطالب عائلات الضحايا أكثر من أي وقت مضى بالكشف عنها، أما الكونجرس فقام بإعداد مشروع قانون يتم بموجبه السماح لمواطنين أمريكيين بمقاضاة حكومات أجنبية أياً كانت، وهو ما أثار غضب الرياض وتعهد أوباما بعرقلة التصويت على مشروع القانون بفيتو رئاسي. في العاشر من أبريل الماضي كان برنامج «60دقيقة»، الأشهر لقناة CBS الأمريكية، على موعد مع أحد واضعي التقرير ذي ال838، والذي يعلم كباقي أعضاء اللجنة فحوى ال28 صفحة التي لم يُكشف عن محتواها.. ضيف البرنامج هو بوب جراهام سناتور فلوريدا السابق والذي كان نائباً لرئيس اللجنة التي وضعت التقرير، والذي قال للصحفي ستيفن كروفت: « أعتقد أنه من غير المعقول التصور أن 19 شخصاً أغلبهم لا يتحدث الإنجليزية ولم يسبق لهم الحضور للولايات المتحدة ولم يتلقوا تعليماً على مستوى عال، أمكنهم تنفيذ عملية معقدة على هذا النحو (هجمات سبتمبر) دون أن يتلقوا دعماً لوجيستياً ولو ضئيلاً من داخل أمريكا». - ستيفن كرافت متسائلاً: دعم من السعودية؟ - بوب جراهام: بشكل أساسي - هل تقصد من دوائر رسمية ومن أغنياء ومن مؤسسات سعودية؟ - كل هؤلاء مجتمعون إفادات على شاشات الCBS كانت هناك إفادات من أعضاء آخرين في اللجنة التي وضعت التقرير، توضح أن دبلوماسياً سعودياً من من المستوى الثالث كان يعمل بقنصلية المملكة في لوس أنجلوس، قدم مساعدات لأول إرهابيين وصلا الأراضي الأمريكية وهما نواف الحازمي وخالد الميحدار وكلاهما لا يتحدث الإنجليزية، ووصلا كاليفورنيا في يناير من عام 2000، واللذان أصبحا بفضل الدبلوماسي السعودي على اتصال بخلية نائمة للقاعدة والتي منحتهم سكناً في مدينة سان دييجو وقدما طلباً للحصول على دورات في الطيران (الإقلاع فقط) بأحد المعاهد المتخصصة. برنامج «60 دقيقة» أكد صحة تحقيق مطول نشرته مجلة Vanity Fair في أغسطس من عام 2011، والذي صرح فيه بوب جراهام يقيناً بأن: « 11\9 ما كان لها أن تحدث لولا بنية تحتية للدعم موجودة بشكل مسبق في الولاياتالمتحدة»، وتم حجب ال28 صفحة بهدف حماية العلاقات الأمريكية السعودية، ولكن عقب الهجوم بأيام قليلة غادر 75 من أفراد العائلة المالكة السعودية الأراضي الأمريكية، وكذلك ما يقرب من العشرين فرداً من عائلة بن لادن. اليوم يطالب عدد من النواب في الكونجرس، وبعض من المسئولين السعوديين، بالكشف عن فحوى ال28 صفحة، مع تلميحات بأن الرئيس أوباما لم يعد معارضاً لذلك كما كان منذ أيام، لا سيما بعدما ألقى بالكرة في ملعب رؤساء اللجان بالكونجرس ورؤساء أجهزة المخابرات الذين يدرسون الأمر من كل جوانبه، ووعدوا بإعطاء رد نهائي أواخر يونيو الجاري.