في موقف مهيب .. وقف الآلاف من مُحبيه، يودعون جنازته التي شُيعت، كما أوصى، من داخل نادي الزمالك .. يُقال ان معارضيه بكوا يومها كما بكى مؤيديه، وان جدران النادي لو كان لها صوتا لسُمع نحيبها .. وكيف لا، وهو الذي حمل بنفسه الطوب على ظهره لبناء سور النادي، وقتما كان يشغل منصب الرئيس! ولكنه لم يكن مجرد رئيسا للنادي .. كان مشجعاً، ولاعباً، وحكماً، وإدارياً، ورئيساً، عاشقاً للفانلة البيضاء، ولم يتقاضى طوال مشواره الذي استمر قرابة 74 عاماً مليماً واحداً نظير خدماته للنادي، بل انه ساهم براتبه المتواضع من وزارة الزراعة، في شراء التجهيزات اللازمة لإستكمال بناء أسوار القلعة البيضاء .. إنه أسطورة الزمالك .. الهرم الأبيض .. محمد حسن حلمي زامورا وُلد "محمد حسن حلمي زامورا" بقرية ميت كنانة – قليوبية في 13 فبراير عام 1912، وعشق كرة القدم منذ طفولته، فالتحق بفريق الكرة عندما كان طالباً بالمدرسة المحمدية الإبتدائية عام 1925، ثم بفريق المدرسة الخديوية الثانوية عام 1929، كما لعب طوال فترة دراسته في منتخب المدارس الثانوية، وفي العام 1929 أيضاً إنضم لفريق نادي الزمالك، الذي كان يحمل وقتها اسم "المختلط"، ولكنه انضم كلاعب في الفريق الثاني، وفي عام 1934 لعبت الصدفة دوراً كبيراً في إنتقال "زامورا" إلى الفريق الأول، حيث أصيب جناح الفريق اللاعب "جميل الزبير"، فحل "زامورا" محله، وقد أطلق عليه رئيس نادي الزمالك وقتذاك "حيدر باشا" لقب "زامورا"، حيث شبهه بحارس مرمى أسبانيا "ريكاردوا زامورا"، وفي هذه الأثناء، كد اللاعب المتميز في دراسته أيضاً، حتى تخرج من كلية الزراعة عام 1938. وفي نادي الزمالك، أدرك "زامورا" ان النجيلة الخضراء المرصعة بالفانلات البيضاء، هي الوطن الرياضي الذي لن ينتمي إلا إليه، فاستمر في اللعب لنادي الزمالك، حتى بعدما ازداد نجمه بريقاً وانضم للفريق القومي لكرة القدم عام 1936، ولما أحس ان أداءه لم يعد كما كان، لم يعتزل وينزوي كما يفعل البعض، وأستطيع أن اجزم انه لم يكن ليتجه إلى أستوديوهات التحليل الرياضي، إن وجدت أيامه، من أجل السبوبة كما يفعل معظم الرياضيين اليوم، الذين يستخدمون برامجهم الرياضية، كمصاطب للردح لخصومهم، وتصفية حساباتهم الرياضية، والشخصية، والسياسية أيضاً! ولكن "زامورا" الذي لم يستطيع بعداً عن النجيلة الخضراء، إتجه إلى التحكيم، وكما تفوق كلاعب تفوق كحكم، فتدرج في هذا المجال حتى أصبح حكما دولياً عام 1957، قبل 5 سنوات من إعتزاله التحكيم الدولي، لاعتبارات ترجع إلى تخطيه سن الخمسين. ولعل أبرز ما يميز شخصية "زامورا" هو إباءه وتفوقه .. فهو لا يستسلم، وإذا طرق مجال، لابد ان يتفوق فيه .. أتم دراسته حتى حصل على البكالوريوس، وانتقل من الفرق المدرسية، إلى فريق نادي الزمالك، الذي كان وقتها أحد أهم ناديين كرويين، وتدرج في مجال التحكيم، حتى أصبح حكماً دولياً .. فماذا سوف يفعل "زامورا" بعدما تمرد عليه سنه، ولم يعد يستطيع أن يجري على النجيلة، لا لاعباً ولا حكماً؟! أتراه سوف يستسلم؟! أبداً والله .. سوف يطرق مجالاً جديداً ربما يختلف عن ما قبله، ولكنه يتشابه معه في إرتباطه الوثيق بحب عمره .. الزمالك، الذي لن يفرقه عنه سوى الموت. عام 1948 انضم للجنة الكرة بنادي الزمالك، ثم أختير ليشغل منصب السكرتير العام للنادي عام 1952، ثم مديراً للمنتخب القومي، وفي عام 1978 عُين رئيساً للإتحاد المصري لكرة القدم، فشرُف المنصب به، كما شرف به تاريخ كرة القدم المصرية. وقد شهد عام 1967 أول تتويج لزامورا على كرسي رئيس النادي بالتزكية، ولكن التتويج الأعظم كان عام 1980، عندما أُجريت أول إنتخابات في تاريخ ميت عقبة، وفاز "زامورا" برئاسة النادي بإرادة جماهيرية بيضاء .. وعلى كرسي الرئيس، كما في الملعب، اشتهر "زامورا" بحسن خلقه، وتفانيه في عمله، وعشقه للفانلة البيضاء .. وفي عام 1986 غابت الأسطورة عن الأعين، ولكنها لم –ولن- تغيب عن القلوب .. رحل "محمد حسن حلمي زامورا" بعد أكثر من سبعون عاماً، قضاهم عاشقاً متفانياً في حب الزمالك، لم يجني خلالهم ثروة، كما يفعل لاعبي كرة القدم، أو رؤساء الإتحادات الرياضية، والأندية، ولكن رصيده من الحب في قلوب ملايين المصريين من محبي كرة القدم .. زملكاوية وأهلاوية، يفوق ما جناه "إيتو" و"بيكهام" و "ميسي" مجتمعين. سلام على روحه الطاهرة .. البيضاء