فى الوقت الذى يشكو فيه القراء من ارتفاع أسعار الكتب، يشكو الناشرون فى مصر من مافيا قرصنة الكتب وطرح طبعات «مضروبة منها». للناشرين أسبابهم التى يجب احترامها عندما يتحدثون عن ارتفاع أسعار الكتب، مثل سعر الورق والطباعة ومصروفات دار النشر التى لا بد أنها تعانى من ارتفاع أسعار مثل أى منشأة فى مصر، بخلاف سبب جوهرى قاله لى أحد الناشرين أنه أمام كل كتاب يحقق مبيعات وأرباحا هناك أربعة كتب تحظى تجربة نشرها بخسائر. لكن مع ذلك يظل النشر مشروعا مربحا، بدليل ظهور دار نشر جديدة كل فترة، بخلاف المكتبات الخاصة التى أصبحت فى كل مكان فى مصر، والتى تتوسع كل فترة بإضافة فرع جديد إلى فروعها، بخلاف الكتب التى تملأ الأسواق وعليها شعار «الطبعة العاشرة» أو أكثر. لكن إذا استمر معدل قرصنة الكتب الموجود فى السوق، فسوف تنهار هذه الصناعة وملحقاتها بالتدريج. وأعتقد أنه قد آن الأوان أن يضرب الناشرون المصريون عصفورين بحجر، الأول هو القضاء على القرصنة، والثانى هو دعم القوة الشرائية للقارئ المصرى بخفض أسعار الكتاب، وهذا هو ما يشغلنى بالأساس. هذان العصفوران يمكن ضربهما بحجر «الطبعة الشعبية». هذا الحل ليس من اختراعى، لكنه موجود فى معظم دول العالم. فكل كتاب سعره غال تصدر منه طبعتان: الأولى الفاخرة، التى تباع بالسعر الذى لا يقوى عليه كثيرون، والثانية بسعر فى متناول من يقتطع من ميزانية طعامه أو تعليمه أو ملابسه ليقرأ. فإذا كان الناشر يصدر كتابا سعره أربعون جنيها، فيطرح المزوِّر نسخة بسعر ثلاثين جنيها، فما المانع أن يغلق الناشر على المزوِّر الباب بطرح نسخة رخيصة أصلية من الكتاب بعشرة جنيهات، وقتها ستكون عملية القرصنة غير ذات جدوى، وستصبح السوق مفتوحة أمام من يود شراء النسخة الغالية أو الطبعة الشعبية الرسمية. بالضبط مثلما يجرى فى سوق الكاسيت، يطرح المطرب ألبوما وبعد ساعة نجده متاحا على كل مواقع الإنترنت. لكن هذا لم يمنع كثيرين عن اقتناء «سى دى» أصلى، بدليل أن الإنتاج ما زال مستمرا وجميع المطربين لا يزالون يطرحون ألبوماتهم بانتظام عبر الشركات نفسها. ستكون الطبعة الشعبية فرصة لتغيير شكل القراءة فى مصر، بقطع مميز أصغر من العادى بورق الصحف الأصفر، الذى طبعت به روايات أجنبية عالمية نراها فى مكتباتنا، بأن تكون الطبعة الشعبية ملخصا للموسوعات الكبيرة والكتب الضخمة، بأن يصبح فى كل مكتبة فاخرة يخشى البعض الاقتراب منها ركنا اسمه ركن الطبعات الشعبية، بتفعيل رغبة اقتناء الكتب وعودة المكتبات إلى البيوت دون مشقة مادية، بالقضاء على قراءة الكتب على الإنترنت بكل ما فى الأمر من هدر للمتعة والتأمل وأرباح النشر، بأن يتم دعم الصناعة عن طريق دعم القارئ. أنا اليوم أدعو كل كاتب فى مصر بداية من هذا اليوم أن لا يوقع عقد مؤلَّفه الجديد مع أى دار نشر قبل أن يتأكد من السعر الذى سيطرح به الكتاب، فإذا وجده مبالغا فيه، فلا بد أن يضمن العقد بندا يُلزم الناشر بطرح نسخة شعبية، وأعتقد أن كثيرين من الناشرين المصريين بما لديهم من حس وطنى بدورهم الاجتماعى فى هذه المرحلة من حياة مصر التى تحتاج إلى الثقافة أكثر من أى وقت مضى سيلبون الدعوة وسيخوضون المغامرة، ولو على سبيل التجربة، فإذا ما قرروا ذلك فكلى ثقة أن مجتمع القراء سيقضى على القرصنة بنفسه.