الحالة "المزاجية" العامة التى تملكتنى منذ الأ سبوع الماضى، جعلتنى غير متحمس للكتابة، تمنيت أن أكتب مقال من كلمة واحدة فقط "الصمت"! فى أحيان كثيرة يكون الصمت خير رد وأفصح من الكلام ولكن للآسف الصمت حديث لا يفهمه غير أصحاب القلوب فقط أما ذوى الأ لسنة والصوت العالى فلغتهم الصياح والسباب. تمنيت أن أكتب عن رحيل الأستاذ هيكل، ولكننى لم أستطع بسبب صعوبة الكتابة عن أشخاص أرتبط بهم عاطفيا من خلال القراءة لأعمالهم. أستاذ هيكل بالنسبة لقارئ "هاو" مثلى مهتم بالثقافة العامة وبالتاريخ، لم يكن مجرد كاتب وصحفى ولكنه مثال عملى على رجل السياسية ذو الأخلاق الحميدة والنبيلة وعلى رجل الصحافة ذو الحث الأدبى الرفيع. عاد الأستاذ إلى "دار العودة" كما كُتب على باب المدفن الخاص به ولكنه لم يرحل لأن أعماله ستظل معنا خالدة. ولكننى سأكتب عن الأستاذ بالتأكيد فى المستقبل حتى أزداد شرفا وحبا له. حتى عندما أردت أن أكتب عن حديث محافظ البنك المركزى طارق عامر، مع الأستاذ إبراهيم عيسى، على قنوات "القاهرة والناس" وجدتنى غير متحمس، بعد أن استمعت للحلقة. محافظ البنك المركزى لم "يهل" علينا ليحدثنا عن الاقتصاد وسوق المال والسياسات العامة والخطط التنموية للمحافظة على الاقتصاد المصرى، وإنما جاء حديثه فى سياق رفع الطاقة الإيجابية لدى المصريين عن طريق دفن رؤوسنا فى الرمال، وأن نردد أننا "كويسين" وخلاص وبدون أى دليل علمى، حديث المحافظ لا يحتاج إلى مناقشة بما أنه حديث مرسل لم يثمن ولن يغنى من جوع. هل أكتب تحليلا عن خطة التنمية المستدامة 2030؟ هذا بالفعل موضوع يستحق أن نتحدث عنه ولكن المدهش أن خطاب الرئيس نفسه فى هذه المناسبة لم يتحدث عن أهداف وأعمدة ومبادئ هذه الخطة وأنما أعطى خطابا مرسلا عشوائيا، فوجدت أن الكتابة عن هذه الخطة وخصوصا بعد ما حدث من تعليقات ورد فعل بعد الخطاب أن إرجىء الحديث عن الخطة لحين أشعار آخر. أما تعليقى على الخطاب لا يحتاج إلى أكثر من تذكير نفسي بما كتبته سابقا عن "ميلان كونديرا"، "إن الأنظمة المجرمة لم ينشئها أناس مجرمون، إنما أناس متحمسون ومُقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الذى يؤدى إلى الجنة. فأخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق، ومن أجل هذا قاموا بإعدام الكثيرين. ثم، فيما بعد، أصبح جليًا وواضحًا أكثر من نور النهار، أن الجنة ليست موجودة، وأن المتحمسين كانوا إذًا مجرد سفاحين". وأيضا ما يجعلنى غير متحمس للكتابة هو ردود الأفعال والتعليقات التى تأتينى من البعض عن أن نبرة الاكتئاب والتشائم واضحة فى ما أكتب، وهذا غير صحيح على الإطلاق، أنا بالفعل متفائل دائما وأبدا لاننى مؤمنا بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة كما قال محمود درويش. ولكن تفائلى يأتى عن طريق مواجهة نفسى بالحقيقة، وإن كانت الحقيقة قبيحة ومؤلمة فى معظم الأحيان. فكرة التفاؤل عن طريق محاولة تجميل القبيح السائدة فى المجتمع أو رؤية نصف الكوب الممتلئ فقط أو نكران الحقيقة وغرس الرؤوس فى الرمال لم ولن تجدى نفعا كما يظن الكثير، نحن على يقين تام بأن هذا النوع من التفاؤل هو تفاؤل الضعفاء وليس أكثر من مجرد تفاؤل مبنى على الخداع البصرى. فى الختام، ما أعطانى الحماس والقوة للكتابة هو قرأتى لمقالات الدكتور "محمد المخزنجى"، التى تُنشر كل خميس فى المصرى اليوم. لن أستطع وصف سعادتى وفرحتى عند قرأتى للدكتور المخزنجى ولن أستطع إن أعطى الدكتور حقه مهما كتبت. الدكتور المخزنجى يستطيع أن يصف لنا الكثير مما يحدث حولنا بهدوء وأدب جم وبدون الخوض فى التفاصيل، فعلا أنت يا دكتور "نسيم الحياة على الأرض" وأن بالفعل على هذه الأرض ما يستحق الحياة.