اعتبارات كثيرة يجب أن تؤخذ في الحسبان، حينما تمر على أذهاننا ذكرى تنحي مبارك عن رئاسة مصر، وبعد 5 سنوات من تنحي الرئيس الذي احتمى بعرشه لأكثر من 30 عامًا متتالية، ترفرف ذكريات ميدان التحرير وثورة الشعب في الخامس والعشرين من يناير، باحثة عن العدل والحرية والعدالة الاجتماعية. ثورة الشعب لم يكن لها قائد، ولم تكن بمخطط واضح.. فكانت هبة من جميع طوائف وفئات المصريين لرفع الظلم والقهر الذي ذاقوا مرارته، محتميين بصبرهم، وانضم لصبر الشعب وهبته القوية، حركات ثورية عديدة، ومسميات سياسية كانت لها أدوار بارزة، على رأسها "الاشتراكيون الثوريون، و6 أبريل، الإخوان، والبلاك بلوك، وجبهة الإنقاذ".. "التحرير" يطرح تساؤولًا هامًا أين اختفت تلك الحركات وما دورها الآن ؟ الاشتراكيون الثوريون الاشتراكيون الثوريون، منظمة ماركسية - تروتسكية مصرية، متحالفة مع تيار الاشتراكية الدولية، ولعبت وفقًا لأستاذ التاريخ الأمريكي، مارك ليفين، دورًا مهمًا في تنظيم ميدان التحرير خلال الثورة المصرية في 2011، كما تشارك الآن في تنظيم الحركة العمالية في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك، وشاركت في إنشاء حزب العمال الديمقراطي، وتحالف القوى الاشتراكية، وتضم قيادات المنظمة، المهندس والناشط في حقوق العمال، كمال خليل، وعالم الاجتماع، سامح نجيب، كما تضم أعضاءً بارزين آخرين، كالصحفي حسام الحملاوي، والناشطة جيجي إبراهيم، والمحامية ماهينور المصري، وتصدر المنظمة صحيفة بعنوان الاشتراكي. لعب الاشتراكيون الثوريون، بجانب حركات أقصى اليسار، وحركة شباب 6 أبريل، دورًا رئيسيًا في الحشد للتظاهر يوم 25 يناير، 2011، والذي أصبح لاحقًا بداية الشرارة للثورة المصرية، وأصدرت المنظمة بيانًا دعا العمّال المصريين إلى الدخول في إضراب عام، على أمل الإطاحة بنظام مبارك آنذاك. جاء في نص البيان: "يمكن للنظام تحمل المظاهرات والاعتصامات في الشوارع لأيام وأسابيع، ولكنه لن يستطيع الصمود والاستمرار أمام ساعات قليلة من الإضراب، إذا استعمل العمال الإضراب كسلاح.. اضربوا في السكك الحديدية، اضربوا في وسائل المواصلات العامة، اضربوا في المطارات والشركات الصناعية الكبيرة.. يا أيها العمّال المصريون، من أجل شبابنا الثائر، ومن أجل دماء شهدائنا، انضموا إلى صفوف الثورة واستخدموا قوتكم، وسيكون النصر حليفاً لنا.. المجد للشهداء.. يسقط النظام.. السلطة للشعب.. النصر للثورة". دعا الاشتراكيون الثورية إلى الثورة الدائمة في أعقاب تنحي مبارك، وهتف أعضاء المنظمة في عيد العمّال 2011، بثورة عمالية ضد الحكومة الرأسمالية، في طريقهم إلى ميدان التحرير تعزو المنظمة الفضل الرئيسي لإسقاط مبارك للطبقة العاملة، لاسيما في القاهرة والإسكندرية والمنصورة، بعكس ما تم ترويجه إعلاميًان وهو استخدام الشباب للشبكات الاجتماعية علي الإنترنت، في حين يصفون دور الإخوان المسلمين في مرحلة ما بعد مبارك ب"الثورة المضادة". بمرور الأيام، اختفت المنظمة تمامًا من ميدان العمل الجماهيري، وانقطعت عن دعوات التظاهر والثورية، وانحصر دورها فقط في إصدار بيانات مختلفة باختلاف الأحداث، وكان آخرها البيان الذي أدان أمناء شرطة قسم المطرية الذين اعتدوا على أطباء مستشفى المطرية، مؤكدة أن ما يحدث يؤكد أن أفراد الشعب المصري افتقدوا الأمان تمامًا. 6 أبريل شباب 6 أبريل، حركة سياسية مصرية معارضة ظهرت بداية عام 2008، وأنشأها بعض الشباب المصري، وظهر دورها بارزًا على الساحة السياسية عقب الإضراب العام الذي شهدته مصر في 6 أبريل 2008، بدعوة من عمّال المحلة الكبري، وتضامن القوى السياسية، فتبناه الشباب وبدؤوا في الدعوة إليه كإضراب عام لشعب مصر. أغلب أعضاء الحركة من الشباب الذين لا ينتمون إلى تيار أو حزب سياسي معيّن، ويتبنون أيدلولوجية معينة حفاظًا على التنوع الأيديولجي داخل الحركة، ولما تفرضه ظروف مصر من ضرورة التوحد والائتلاف ونبذ الخلاف، وهي من أوائل الحركات التي دعت إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير، وترشّحت لجائزة نوبل للسلام في سبتمبر 2011. اتهمت الحكومات المصرية "قبل الثورة" أعضاء الحركة بالخيانة، وتلقي تدريب في الخارج لقلب نظام الحكم المصري، وزعزعة الاستقرار، وتلقي الأموال من جهات خارجية لإثارة الفتنة بين أفراد الشعب، فضلًا عن اتهام المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهم، في بيانه رقم 69، بتحريض الشعب ضد الجيش، والتطعين في وطنيتهم، لكن رد الحركة، اقتصر على رفض تلك الاتهامات جملة وتفصيلًا، إلى جانب رفض صفحة "كلنا خالد سعيد" لهذا الاتهمام من الأساس، بينما أعنلت لجنة تقصي الحقائق آنذاك، تحت إشراف وزارة العدل، براءة الحركة من تهمة تلقي أي أموال أو دعم من الخارج لإثارة الفتنة في مصر. تعرضت الحركة مؤخرًا لكثير من الاتهامات أيضًا، جميعها يدور حول التخوين والعمالة والتدرب في صربيا والتمويل من منظمات خارجية، مثل فريدوم هاوس، وما كان منها إلا النفي القاطع لهذه الاتهامات، لكن تلك الاتهامات التي حاصرتها هنا وهناك، أفرزت العديد من الانشقاقات الداخلية بين كوادرها، حتى خرج من رحمها جبهات عديدة، لكل منها اتجاه وأيديولوجية مناقضة للثانية، إلى أن قرر مجموعة من أعضاء الحركة الانفاصل عنها تمام في أغسطس 2011، وتأسيس جبهة "6 أبريل.. الجبهة الديمقراطية". البلاك بلوك نما هذا التكتيك في 1980 في احتجاجات حركات الاستقلال الذاتي الأوروبية ضد عمليات إخلاء وضع اليد، وسياسات الطاقة النووية وفرض قيود على الإجهاض إلى جانب أمور أخرى، وتعني الكتلة السوداء، في المظاهرات والمسيرات (السلمية أو العنيفة) يرتدي فيه الأفراد الملابس السوداء والأوشحة والنظارات والأقنعة وخوذات الدراجات النارية المبطنة أو غيرها من الأشياء التي تحمي وتُخفي الوجه. وتستخدم الملابس لإخفاء هويات المشاركين في المسيرة، وتسمح لهم أن يبدون وكأنهم كتلة موحدة كبيرة، وتعزز التضامن بين الأفراد، وقد يتضمن التكتيك بعض التصرفات العدوانية، مثل قتال الشوارع، وتخريب الممتلكات العامة، والتظاهر، والعصيان المدني من دون أي ترخيص ولكن في معظم الأحيان تكون تصرفاتهم دفاعية، كتضليل السلطات وتهريب المحتجزين من الشرطة وحمايتهم وتقديم الإسعافات الأولية للمصابين بقنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص. عام 2013 وفي خضم الذكرى الثانية للثورة المصرية، ظهرت في الساحة المصرية مجموعات لا سلطوية يسارية عنيفة، تستعمل اسم البلاك بلوك، وأعلنوا من خلال صفحاتهم في المواقع الاجتماعية عن إنشاء "الكتلة الثورية السوداء Black Block" كتكتيك لمعارضة الحكم الإسلامي، خاصة لإخوان المسلمون وحزبه حزب الحرية والعدالة والرئيس المنتخب محمد مرسي. وفي 1 فبراير أعلنت النيابة العامة المصريةأنها تجري تحقيقات موسعة في شأن ضبط متهمين بالانتماء لتنظيم "بلاك بلوك" داخل أحد العقارات المطلة على ميدان التحرير، وبحوزتهم "مخطط يستهدف شركات البترول والمواقع الحيوية"، وقررت نيابة أمن الدولة العليا لاحقًا، إيداع المتهم بمستشفى الأمراض العقلية لسوء حالته النفسية والعقلية وتأثيرها على سلوكه، وبعد التحقيقات صنفت النيابة العامة تنظيم البلاك بلوك كجماعة إرهابية منظمة، وأمرت بضبط و إحضار كل من هو منضم مع هذه الجماعة، بتهمة إنشاء منظمة إرهابية و إدارتها. وقد هاجمت قصر الاتحادية وأغلقت ميدان التحرير في أواخر أبريل ۲۰۱۳، كما أظهرت التقارير المصورة لأعضاء تلك المجموعة العديد من الأطفال والأحداث. ولم تستمر دعوات الكتلة السوداء، فنشرت عبر صفحتها ب"فيس بوك" بيانًا رسميًا، أعلنت فيه الانسحاب من المشهد بالكامل، وعدم خوض أي معارك من جديد. وجاء في بيان مجموعة بلاك بلوك: "منذ أن قررنا العودة، عدنا، والبعض يشكك والبعض يتآمر، والنظام ورجاله في مطاردات مستمرة لنا، واليوم ننوه الجميع بأننا سابقًا تصدينا للمدعو أحمد شفيق حينما كان هاربًا لعلمنا التام بأنه أحد رجال الثورة المضادة، وبينما نحن ككتلة مستقلة تمامًا، نرى وبنصب أعيننا التى هى بداخل كل كيان أمنى وسياسى وشعبى، وتوغلنا بداخل كل الطبقات، أن المؤامرة على شباب الثورة المصرية الذين خاضوا معارك دامية فى 2011 وإلى الآن مستمرة.. ونكرر إلى الجميع أن هذا البيان ليس خوفًا أو تفاوضًا أو صفقة، وإنما علما بالخيانة التي داخل كل المدعين.. الله، الوطن، الثورة". جبهة الإنقاذ