هل يجب أن توجه إمكانيات الدولة وجهود المسؤولين إلى المشاريع العملاقة أم إلى المشاريع الخدمية التى ترفع وتحسن وتطور العنصر البشرى؟ السؤال التقليدى، ما الأولويات؟ البنية التحتية أولاً أم المواطن؟ علم الاقتصاد لخّص ما يجب أن يُنظر إليه ويتم تمحيصه من قبل المجتمع قبل عمل السياسات الاقتصادية العامة للبلد. أولا، ماذا يجب أن ننتج من منتجات أو خدمات؟ ثانيا، كيف يتم إنتاج تلك المنتجات أو الخدمات سواء من الجانب الفنى أو الاقتصادى حتى نضمن جودة عالية وبأقل تكلفة ممكنة؟ ثالثا، مَن المنوط بالاستفادة من هذه المنتجات؟ يعنى وباختصار، ماذا يجب أن ننتج وكيف ومن المستفيد؟ بدون أدنى شك الغرض الأساسى من الإجابة عن هذه الأسئلة يجب أن يتم فى إطار البحث عن المنتجات والخدمات التى تؤدى إلى زيادة الناتج القومى. بدون الخوض فى تفاصيل اقتصادية معقدة ومركبة، الناتج القومى للدول يعتمد على محورين أساسيين. المحور الأول هو المخزون الرأسمالى (capital stock) وهذا يتضمن الموارد الطبيعية والصناعية فى الدولة مثل البنية التحتية (من طرق وكهرباء وإلخ) ومختلف المبانى والمعدات والمصانع، إلخ! أما المحور الثانى فيشمل القوة العاملة أو المواطنين القادرين على العمل (labor force). يعنى، الناتج القومى للدول يزيد بزيادة المخزون الرأسمالى أو بزيادة أعداد وجودة المواطنين القادرين على العمل. إذن، الاستثمار فى البنية التحتية هو من باب الاهتمام بزيادة المخزون الرأسمالى، أما تحسين وتطوير جودة التعليم والصحة فهو من باب زيادة القوى العاملة، ومن ثم فالخلاف بين فريق البنية التحتية أولا وفريق الخدمات التعليمية والصحية أولا يُعد خلافًا صحيا ومفيدًا للوطن بما أنه خلاف على الأولويات، لأن الفريقين على حق، حيث إن زيادة أى منهما يزيد من الناتج القومى. هل يجب العمل على المحور الأول من خلال الاستثمار فى المخزون الرأسمالى أم المحور الثانى والاستثمار فى بناء الأفراد والمواطنين؟ إجابة الأسئلة الاقتصادية الثلاثة السابق ذكرها تعتمد فى الأساس على وجهة نظر أو رؤية الأفراد حول أولوية زيادة الناتج القومى. إن حاولنا تحليل الرؤية أو الأهداف الاقتصادية الحالية نستطيع أن نستنتج وبدون مشقة أن أولويات وجهود المسؤولين منصبة فى اتجاه يكاد يكون واحدا وهو زيادة وتدعيم البنية الرأسمالية من خلال العمل على المشاريع العملاقة مثل قناة السويس والعاصمة الجديدة والمليون فدان. بالقطع بعض من هذه المشاريع العملاقة ستزيد من الخدمات والمنتجات للدولة، ومن ثم الناتج القومى، ولكنها تتم باستثمارات ضخمة ولن يشعر بها المواطن إلا بعد فترة زمنية طويلة. هذا بالإضافة إلى تنفيذها بعشوائية وبدون حكمة واحترافية من الناحية الفنية والمالية. فأولاً، يتم إنشاء هذه المشاريع فى مدد قصيرة وبسرعة مبالغ فيها، مما يعنى أننا نكلفها أكثر مما يجب وبدون سبب وجيه. ثانيًا الحالة الاقتصادية العامة للدولة وللمنطقة وللعالم فى حالة ركود، ومن الحكمة أن نرجئ تنفيذ مثل هذه المشاريع إلى بعض سنوات قادمة. إن أردنا تنمية البنية الرأسمالية للدولة على حساب تنمية الفرد أو المواطن، هل لك أن تحدثنى عن كيفية أعمار المليون فدان ومن سيعمل فى المدينة الجديدة ولماذا نحن فى حاجة إلى منطقة خدمية فى قناة السويس ما دامت جودة القوى العاملة ليست فى المستوى المطلوب؟ اليابان وألمانيا انطلقا بعد الحرب العالمية الثانية على الرغم من انهيار كامل فى البنية الرأسمالية بسبب أن القوى العاملة كانت قوية ومتماسكة بسبب الخدمات التعليمية والصحية الجيدة. بناء الإنسان سيؤدى بالضرورة إلى زيادة المخزون الرأسمالى والعكس ليس صحيحًا على الإطلاق! بالعربى وبالبلدى كده، البنى آدم هو اللى بيعمل الفلوس لكن الفلوس لا تعمل البنى آدم! الإجابة النموذجية: المنتج المطلوب هو إنسان متعلم ذو صحة جيدة. الخدمات والمشاريع المطلوبة هى مشاريع لتحسين وتطوير منظومتى التعليم والصحة فى البلاد. المستفيد هو الشعب المصرى كافةً دون أدنى شك!