فهمي والرفاعي ونصار احتلوا الصدارة.. والسر في الابتعاد عن السياسة أزمات متلاحقة تضرب ساحة القضاء، في ظل صعود "نجم" القضاة مثيري الجدل، ما فتح الباب للحديث عن آخرين حافظوا على قداسة العدالة، ورسوخوا في الأذهان على مدار سنوات، واستمروا كمثل للحفظ على شرف المنصة، كذلك عن أسباب التراجع الذي حل بين أصحاب الوشاح الأخضر. المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة الاستئناف سابقا، قال إن القاضي لا يشكر على آداء عمله ولا يُزم بسبب قضائه، لأن من يملك الشُكر يملك النقد، ومن أولويات القضاة ألا يبدوا رأيًا في مسائل متنازع حولها سواء أن كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية، لأن هذه الأمور يمكن أن تكون يوما عرضة بين المختلفين حولها، تُعرض على القضاء، مضيفا أن من سمات القاضي الأساسية الحيدة وتوافر الثقة في عدله، مشيرًا إلى أن السلف العظيم من رجالات القضاء من أمثال شيخ القضاة عبد العزيز فهمي، أول رئيس لمحكمة النقض، ومن خلفه من شيوخ القضاة حريصين كل الحرص على الابتعاد عن كل وسائل الإعلام، فيما يقضون فيه أو يُعرض عليهم. وتابع السيد، ل"التحرير"، "لكن مع انتشار وسائل الإعلام، خصوصًا التليفزيون، فالبعض ربما استهوته الشهرة التي يمكن أن يحصل عليها من خلال الإعلام، فبدأت علاقة الود والاتصال بين بعض القضاة وبين تلك الوسائل، فشهدنا من وافقوا على نقل المحاكمات عبر وسائل الإعلام في ذات اللحظة التي تُعقد فيها المُحاكمة، وشهدنا أيضًا الكثير من التعرض والتعريض بالقضاء والقضاة من قِبَل السلطة العامة ممثلة في الدولة، والتي هدفت إلى تسيس القضاء والزج به في آتون السياسة وألاعيبها. واستطرد: "فتصدى قضاة مصر لهذه الهجمة الشرسة التي تفقد القضاء والقضاة استقلاله وحيدته، ودفع قضاة مصر بقيادة المستشار الأعظم ممتاز نصار عام 1969 ثمنًا غاليًا فيما عُرف بمذبحة القضاة، التي أطيح خلالها في الأول من سبتمبر أكثر من مائتي قاض جليل، كانوا وبحق من أقدر من عرفت مصر من القضاة، بسبب رفضهم الاشتغال بالسياسة والانضمام إلى الحزب السياسي الوحيد آنذاك (الاتحاد الاشتراكي)، الذي تم حله عام 1971 بعد عامين فقط من المذبحة، وزُج بقياداته في السجون، وحُكم عليهم بالسجن المؤبد". ولفت السيد إلى أن مجلس القضاء الأعلى منذ أكثر من عشرين عامًا، أصدر قرارات حاسمة تمنع قضاة مصر من الظهور الإعلامي إلا بتصريح منه، كما حظر عليهم حق الترشح لعضوية مجالس الأندية الرياضية والاجتماعية، حتى لا يكونوا عرضة للنيل منهم ونقدهم في آتون الانتخابات، التي تجري في تلك الأندية والجمعيات. وأضاف: "للأسف الشديد، فإن قرارات المجلس رغم إنها سارية، لكن يتم التغاضي عن تطبيقها؛ لأنه في فترة ما كانت قيادات من (القضاء الأعلى) أخذت طريقها إلى وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالي كان صعبًا للغاية أن تنهى عن أمر وتأتيه، والحل واضح، وهو العودة إلى اتباع سنة السلف لعظيم من رجالات قضاة مصر، وفي ذات الوقت تفعيل قرارات مجلس القضاء الأعلى ومساءلة كل من يخرج عنها". وتستعرض "التحرير" في السطور المقبلة، عدد من القضاة المشهود لهم، الذين حافظوا على شرف المنصة. المستشار عبد العزيز فهمي كان رئيسًا لمحكمة الاستئناف، وكان يلقي صاحب هذا المنصب وقتها بشيخ القضاة، لكنه استقال من رئاسة المحكمة عام 1930، بعد أن قرأ في إحدى الصحف أن عضوًا بمجلس النواب يسأل عن راتب رئيس محكمة الاستئناف، وكيف يتساوى مع راتب الوزير، فتوجه إلى قصر عابدين وقدم استقالته للملك فؤاد الأول؛ لأنه اعتبر السؤال عن راتبه من عضو بالبرلمان تدخلًا في السلطة القضائية، ثم أُنشئت محكمة النقض، فاختتم حياته القضائية برئاستها، وهو الذي اختار اسم المحكمة، وابتدع بعض المصطلحات القضائية مثل تعبير "أوجه النفى للدلالة على أسباب الطعن، كما استحدث نظرية القدر المتيقن في القانون الجنائي". المستشار عبد الرازق السنهوري يُعرف بأبو القانون المدني في مصر، وله مؤلفات عديدة في التشريع، كان رئيسًا لمجلس الدولة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وألغى عدة قرارات كان عبد الناصر قد اتخذها، وطالب بإعادة الأحزاب وإقامة حياة دستورية سليمة، بدلًا من الانفراد بالسلطة، تم اقتحام مكتبه والاعتداء عليه من قبل متظاهرين مؤيدين لعبد الناصر، وكان نتيجة لآرائه أن اتخذ قرار الاستغناء عن العديد من القضاة، الناصر بما عُرف ب"مذبحة مجلس الدولة". المستشار ممتاز نصار خاض انتخابات مجلس إدارة نادي القضاة ضد مرشحي السلطة عام 1969، و نجحت قائمته في تحقيق انتصار ساحق بحصد جميع مقاعد المجلس، ليرفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اعتماد النتيجة، وأصدر تشريعات بحجة إصلاح القضاء، منها إعادة تشكيل الهيئات القضائية، ما أسفر عن عزل 189 قاضٍ، بينهم نصار وجميع الأعضاء الفائزين في انتخابات النادى. المستشار يحيى الرفاعي رئيس نادى القضاة عام 1986، في السنوات الأولى لعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، من أشهر مواقفه أن هاجم مبارك في حضوره في مؤتمر العدالة الأول عام 1986 بسبب تمديده لقانون الطوارىء لمدة عامين، واتهه بإساءة استغلال السلطة، ما تسبب في حدوث أزمة بين مبارك ونادي القضاة. المستشار عبد الغفار محمد أثبت تعرض المتهمين في قضية الجهاد الكبرى إلى التعذيب من قبل مباحث أمن الدولة، وأمر بإعادة التحقيقات التي باشرها بنفسه لمدة 3 سنوات، انتهت ببراءة 190 متهمًا من أصل 302، ثم تقدم ببلاغ ل"القضاء الأعلى" اتهم من خلاله مباحث أمن الدولة بالتنصت على غرفة مداولات القضاة، ليكون هذا الأمر أول اتهام للسلطة بالتجسس على القضاة في تاريخ مصر. المستشار المحمدي قنصوة نظر الكثير من قضايا الرأى العام، أبرزها أولى قضايا رموز مبارك والتى كان متهما فيها حبيب العادلى وأحمد عز، وقضية مقتل المطربة سوزان تميم، وقضية أكياس الدم الفاسدة، ولم تنقض له محكمة النقض أي حكم طوال تاريخ عمله بالقضاء حتى خروجه في سن المعاش، وكان حريصا على البعد التام عن الأضواء والصحافة والإعلام، فكان دائما يردد "أنا قاض فقط، والقاضي ليس نجم مجتمع". المستشار زكريا عبد العزيز أحد أبرز رموز ما عُرف بتيار استقلال القضاء، تولى رئاسة مجلس إدارة نادي قضاة مصر، اعتصم مع عدد من القضاة عام 2005 للمطالبة باستقلال القضاء، ورفض التعسف مع زملائه الذين تمت إحالتهم للصلاحية على خلفية رفضهم لتزوير انتخابات البرلمان آنذاك.