«التحرير» تجيب عن السؤال الصعب: لماذا يتهرب الضباط من الإدلاء بشهاداتهم فى ساحات المحاكم؟ مصدر أمنى: الضباط ينفذون تعليمات القيادات لعدم الوقوع فى أخطاء مصدر قضائى: الدفاع يسعى لتعطيل القضايا بكثرة سؤال الشاهد عن تفاصيل نسيها العبرة بالشهادة فى «تحقيقات النيابة».. ولا يوجد نص يجبر الشاهد على الشهادة «مش فاكرين يا فندم.. مش متذكرين حاجة عن الواقعة.. الأحداث بقالها وقت طويل.. نكتفى بأقوالنا فى تحقيقات النيابة».. هكذا تأتى ردود وإجابات ضباط الشرطة، وتحديدًا التابعين منهم لجهاز الأمن الوطنى، أمام محاكم الجنايات المختلفة، فى الجلسات المخصصة للإدلاء بشهاداتهم فى القضايا القائمين عليها، دون أن يجيبوا أو يتطرقوا فى شهاداتهم إلى تفاصيل كاملة عن موضوع القضية، أو أدوار المتهمين تحديدا.
ولعل رفض الضباط الإدلاء بتفاصيل القضية أو عدم تذكرهم كما يبررون، سرعان ما يتسبب فى خلق جو من المشاحنات بينهم وبين فريق الدفاع عن المتهمين، الراغبين فى مناقشة الضباط باعتبارهم شهود إثبات القضية، وأحد الأدلة على إدانة موكليهم فيما هو منسوب إليهم، ويضطر القاضى وقتها للتدخل للفصل بين الفريقين والتهدئة بينهما.. «التحرير» تبحث خلال السطور القادمة، عن إجابة للسؤال الصعب: لماذا يرفض أو يتهرب ضباط الشرطة من الإدلاء بشهاداتهم أمام القاضى بساحات المحاكم؟
خوفًا من الخطأ قال مصدر أمنى، رفض الإفصاح عن هويته، إن ضابط الشرطة ينفذ تعليمات رؤسائه بالعمل، ويرفض الإجابة عن أسئلة المحكمة والدفاع، مكتفيًا بما ذكره بتحقيقات النيابة، بهدف عدم الوقوع فى أخطاء يستفيد منها فريق الدفاع عن المتهمين، مضيفًا أن الضابط لا يجيب عن أسئلة الدفاع حتى لو صلت لمئة سؤال، خشية تغيير مسار القضية ووضعية المتهم بها.
الشاهد وضميره قال أسامة الحلو، المحامى بالنقض، إن فريق الدفاع يكون محايدًا، ويسعى لمناقشة الشاهد، ومواجهته بأقواله فى تحقيقات النيابة العامة، لبيان وجود اختلاف بينهما من عدمه، وفى كل الأحيان وأثناء وقوف الشاهد ناسيا تفاصيل القضية، لا يملك أن يستنطقه ولا حتى هيئة المحكمة وفقًا لما جاء بباب الشهود فى المواد 274 وما بعدها بقانون الإجراءات الجنائية. وأضاف الحلو، الشاهد وضميره أمام القاضى، نتعامل كفريق دفاع مع واقع موجود، موضحًا أن العبرة بالتحقيق الذى تجريه المحكمة، لذا تكون أقوال الشهود أمامها أمرًا ضروريًا ومطلبًا هامًا من محامى المتهمين، وذلك لمناقشة الشاهد فيما يدلى من أقوال ومواجهته بأقوال باقى الشهود فى القضية، لاستجلاء الحقيقة والوصول لإدانة المتهمين أو براءتهم. وتابع الخبير القانونى، «وأمام عدم تذكر الشاهد لتفاصيل القضية وإحالته أقواله لما جاء بتحقيقات النيابة، يكون فى هذه الحالة العبرة بشهادته فى تحقيقات النيابة، فلا مفر من ذلك لعدم وجود ما ينص على إجبار الشاهد على الإدلاء بأقواله أمام منصة القضاء». حيرة تنتهى بأقوال النيابة من جانبه يرى اللواء محمود جوهر، مدير أمن قنا الأسبق، أن ضباط الشرطة عليهم أعباء وضغوط نتيجة عملهم ليل نهار، ويحررون مئات المحاضر ويضبطون الآلاف من المتهمين، ويحيلونهم إلى النيابة التى تحيلها بدروها إلى المحكمة الموضوعية، وبعد فترة طويلة تستدعى المحكمة ضابط الشرطة لسؤاله عن تفاصيل القضية التى يكون قد نساها بالفعل لمرور عدة أشهر، إذ كيف يتذكر هذا من ذاك.
ويشير جوهر إلى أن الضابط يقع فى حيرة أثناء وقوفه أمام القاضى، خشية أن يدلى بشهادة غير تلك التى أدلى بها أمام النيابة العامة، فيحيل أقواله لما ذكره بتحقيقات النيابة، وتابع قائلا «إذا شهد الضابط بخلاف ما أورده بالنيابة يصبح شاهد زور»، وكذا من الوارد أن تصب شهادته -إذا كانت غير كاملة- فى مصلحة المتهم المتورط فى قضية ما.
عين الصواب «هذا هو عين الصواب» هكذا يعلق مدير أمن المنيا الأسبق، لافتًا إلى أن غالبية الضباط يهربون من الشهادة أمام المحاكم خشية مخالفة أقوالهم بتحقيقات النيابة، إلا إذا كان دارسًا جيدًا لتفاصيل وظروف القضية، ففى هذه الحالة يجيب عن أسئلة المحكمة والدفاع بثبات دون اهتزاز.
الدفاع السبب من جانبه اتفق مصدر قضائى مع ما قاله المحامى أسامة الحلو، بشأن عدم وجود نص قانونى يجبر الشاهد سواء كان ضابطًا أو غيره للإدلاء بأقواله أمام منصة العدالة، وأكمل «المحامون يسعون لتعطيل الدعوى بكثرة سؤال الشاهد لتفاصيل لا يتذكرها». ونماذج تهرب ضباط الشرطة بخاصة رجال الأمن الوطنى، من الإدلاء بتفاصيل القضايا، كثيرة نورد منها بعض الأمثلة على النحو التالى.
شاهد محاكمة حبارة فى «مذبحة رفح»: «نسيت مش فاكر وغير متذكر» فى القضية المعروفة ب«مذبحة رفح الثانية»، التى يحاكم فيها القيادى التكفيرى عادل حبارة و34 متهمًا من خلية «الأنصار والمهاجرين» استمعت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى، إلى أحد ضابط شرطة نقيب بالأمن الوطنى، أحد شهود الإثبات. الشاهد أشار إلى أنه لم يجر أى تحريات فى الواقعة، وقام فقط بتنفيذ الأمر الشفهى فقط بضبط وإحضار المتهم، وبسؤال الدفاع للشاهد عن تفاصيل القضية رد على كل أسئلة الدفاع بقوله «نسيت مش فاكر وغير متذكر».
ضابط الأمن الوطنى فى «تنظيم الظواهرى»: «مش متذكر» وفى قضية «تنظيم الظواهرى»، سُئل ضابط الأمن الوطنى مجرى التحريات فى القضية عن مكان إقامة «نبيل المغربى»، فأجاب «مش متذكر»، كما وجه المحامى على إسماعيل، منسق هيئة الدفاع عن المتهمين، نحو 30 سؤالاً إلى الشاهد ضابط الأمن الوطنى فجاءت إجابات الشاهد «مش فاكر وغير متذكر»، الأمر الذى دفع الدفاع إلى طلب إثبات ذلك فى محضر الجلسة. رئيس مباحث بولاق: «مش فاكر».. والقاضى «أومال مين اللى يفتكر» وفى قضية «أحداث بولاق»، قال شاهد الإثبات، رئيس مباحث شرطة بولاق، وهو مجرى التحريات بالقضية، إنه لا يتذكر شيئا ويتمسك بأقواله المثبتة فى تحقيقات النيابة العامة، معللا بمرور فترة زمنية طويلة على الأحداث، حتى أمر المستشار محمد شيرين فهمى، رئيس المحكمة بإعادة تلاوة أقوال الشاهد التى أدلى بها فى تحقيقات النيابة. وبدا لاحظًا عقب الانتهاء من سرد أقوال الضابط، رئيس مباحث القسم بالتحقيقات، تأكيد الشاهد على عدم تذكره للواقعة وتاريخ حدوثها وملابساتها، ليعقب القاضى قائلًا «ماينفعش تكون مُجرى التحريات ومش فاكر، أومال مين اللى يفتكر». رائد الأمن الوطنى شاهد قضية «قليوب»: مش فاكر.. والقاضى: «يعنى هخليه يتكلم بالعافية؟!» وفى قضية «قطع طريق قليوب» وجه دفاع المتهمين فى القضية، عدة أسلئة للرائد محمد عبد الدايم، ضابط الأمن الوطنى الذى قدم تقريرًا يدين المتهمين، وأجاب عن معظم الأسئله ب«مش فاكر»، وعندما سُئل عن عدد المرات التى اعتلى المتهم الأول فى القضية عبد الله بركات منصة رابعة أجاب «مش متذكر»، وهو الأمر نفسه فى سؤاله عن آخر مرة وُجِد فيها فى اعتصام رابعة وكيفية تنسيقه مع الجماعة وعدة أسئلة أخرى. شاهد «محاولة اغتيال مرتضى منصور»: القضية بقالها سنة فاتت.. مش فاكر فى قضية محاولة اغتيال مرتضى منصور، رئيس نادى الزمالك، ناقشت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار معتز خفاجى، الضابط محرر محضر تحريات القضية التى يحاكم فيها 21 متهمًا فى القضية المتهمين فيها بمحاولة اقتحام نادى الزمالك، والتعدى على رئيس نادى الزمالك، إلا أن الضابط لم يتذكر، رغم كونه أحد شهود القضية، واكتفى بإجاباته عن أسئلة القاضى بقوله «مش فاكر القضية بقالها سنة فاتت»، مما أثار فيه استياء فريق الدفاع عن المتهمين بسبب عدم رد الشاهد على أسئلة رئيس المحكمة حول ملابسات الواقعة.
ضابط الأمن الوطنى فى «مجلس الوزراء»: مش متذكر.. والقاضى: «شكلك مش فاكر حاجة خالص» تهرب ضابط الأمن الوطنى، شاهد الإثبات فى القضية المتداولة إعلاميا باسم «مجلس الوزراء» من أسئلة فريق الدفاع عن المتهمين، بعدما وجه عضو هيئة الدفاع عن المتهمين، المحامى فهد السيسى، عدة أسئلة له حول مظاهر حالات الاعتداء التى قام بها المتهمون المضبوطون تجاه القوات الأمنية، وكذا عدد المتهمين الذين قام الضابط بضبطهم على وجه الدقة، فأجاب الشاهد قائلًا «مش فاكر»، فعلق المستشار محمد ناجى شحاتة للشاهد: «شكلك مش فاكر حاجة خالص».
رائد شرطة فى «شغب الأزهر» يسأل: أنا مش عارف جاى أشهد فى إيه أصلًا؟ وفى قضية أحداث شغب جامعة الأزهر، استمعت المحكمة لشهادة الرائد محمد عمرو، رئيس مباحث قسم شرطة ثان مدينة نصر، أحد شهود الإثبات فى القضية، حيث وجه له القاضى سؤالا «ما معلوماتك عن القضية؟»، بادر الضابط بالإجابة «أنا مش عارف جاى أشهد فى إيه النهاردة أصلًا».
رائد «أحداث شارع السودان» يسأل: «دى قضية إيه؟» وفى قضية «أحداث شارع السودان» بالعجوزة، استمعت محكمة جنايات الجيزة، للشاهد الأول، رئيس مباحث قسم العجوزة، وقت الأحداث، وقال الشاهد فى بداية أقواله، إنه لا يتذكر القضية برمتها، متسائلًا «أنا عارف دى قضية إيه؟»، متمسكا بأقواله أمام النيابة العامة، وأمهلت المحكمة الشاهد وقتا للاطلاع على أقواله أمام النيابة، ليعاود الضابط مؤكدا «أنا لا أتذكر الواقعة.. فى الوقت ده كان فى مسيرات كتير وأنا مش فاكر القضية خالص».
نقيب شرطة فى «خلية اللجان النوعية»: دورى كان القبض على المتهم.. وبس وفى قضية «خلية اللجان النوعية»، استمعت المحكمة إلى شهود الإثبات فى القضية، وقال الشاهد النقيب محمد مجدى «مش متذكر وأرجع الى أقوالى بالنيابة العامة، ودورى فى القضية فقط هو القبض على المتهم عبد الرحمن أحمد نفاذًا لإذن النيابة العامة، وذلك أثناء عبوره ميناء القاهرة الجوى».