كنا نعرف منذ أينعت شجرة ثورة 25 يناير أن هناك كارهين وحاقدين ومغلولين ومفروسين من هذه الثورة الناصعة البياض. كنا نعرف جيدًا هوية وطبيعة وانتماء هؤلاء المفروسين والمغلولين منها، فجميعهم لا يخرج بعيدًا عن تلك الطبقة التي تربت على مياه نظام مبارك الراكدة، تلك المياه الفاسدة التي نبتت عليها كثير من الطحالب التي خُلقت لتعيش على فضلات الآخرين. هذه الطبقة المنتفعة التي ما كان لها أن توجد سوى في تلك البيئة الفاسدة كانت تعرف جيدًا بأن زوال "وشفط " تلك المياه الراكدة العفنة يعني زوالهم والخلاص منهم، وللأسف لم يتحقق ذلك بعد أن سُرقت تلك الثورة، وراحت ضحية بين تجار الدين وتجار السياسة. لاحظنا ولعل ذاكرتنا لم يصبها النسيان أن هؤلاء أيام 25 يناير اختبؤوا خوفًا من أن يباغتهم أحد ويُخرج لهم لسانه.. ومنهم من تحور وتلوَّن كالحرباء لزوم أكل العيش وراح يقدم نفسه خادمًا جديدًا وعبدًا في بلاط من يدفع أكثر. وهناك آخرون هرولوا إلى الإخوان المسلمين ليقدموا لهم الولاء والطاعة، هؤلاء هم أنفسهم الذين يروجون للبرلمان القادم الذي سيكون مسخًا. ومن سوء حظ هؤلاء المتلونين أننا نعيش زمن الذاكرة الحاضرة، فيكفي أن تدخل إلى اليوتيوب "لترى تاريخ هؤلاء الطبالين". ظلت هذه الطبقة الحاقدة منبوذة حتى جاءت إرهاصات ثورة 30 يونيو، حين ابتلينا بمن هو أسوأ من مبارك وزمنه، وجاء مرسي وجماعته ومعهم مخطط كبير لتغيير هوية هذا البلد الطيب إلى مسخ لا نعرف له مثيلًا. واندلعت شرارتها وانقسم الذين تحركوا إلى تلك الثورة المباركة التي هي ابنة ثورة 25 يناير، أو هي ذلك الفرع من تلك الشجرة المباركة التي اسمها 25 يناير، أقصد من هذه التشبيهات أن هناك كثيرًا من الأغبياء الذين يصرون على التفريق بين الاثنتين والمقارنة بينهم باعتبارهما نقيضين، متناسين أن المقارنة لا تجوز إلا بين المختلفين. أول وأهم المشاركين في ثورة 30 يونيو هي تلك الفئة غير المنتمية التي تمثل الشريحة الحقيقية لهذا الشعب العظيم، هذه الطبقة بمنتهى البساطة هي التي حين انحازت إلى 25 يناير أنجحتها وأسقطت واحدًا من أفسد الأنظمة في العالم العربي وهو نظام مبارك، وهي نفسها تلك الطبقة التي حين انحازت إلى ثورة 30 يونيو أنجحتها وأسقطت واحدًا من أكثر الأنظمة عنفًا وإرهابًا في العالم العربي وهو نظام الإخوان. وهنا أراني مطالبًا بالرد على كثير من الأدعياء عديمي الحجة الذين حاولوا على مدار أربعة أعوام وأكثر تشويه ثورة 25 يناير، باعتبارها مؤامرة إخوانية وفقط، وأن من قام بها ودعا إليها هم المأجورون. أقول لهؤلاء إذا كان الإخوان لديهم تلك القدرة الجبارة في الحشد وإسقاط نظام كان أقوى بكثير من نظام مرسي، نظام كان كشجرة فاسدة ضربت جذورها في الأرض لمدة ثلاثين عامًا، نظام كان وسط أجهزته وإعلامه ورجال أعماله وفريق زفته وطباليه ورقاصيه، فلماذا لم يستطع الإخوان أن يمنعوا سقوط مرسي حين تم اقتلاعه في أربعة أيام فقط؟ في المقابل هناك من سعى إلى تشويه ثوة 30 يونيو بأنها ثورة فلول ثوة قام بها فلول مبارك، وبنفس الحجة والمنطق نرد، لو كان فلول مبارك وأجهزته بهذه القوة التي يستطيعون بها حشد ما يقرب من 30 مليون شخص ويسقطون نظامًا كنظام الإخوان بكل اتفاقاته المشبوهة مع "القاعدة" ومع "أنصار بيت المقدس" ومع جميع التيارات الإرهابية لماذا عجز هؤلاء الفلول عن الدفاع عن نظامهم وحاكمهم وسيدهم حين اندلعت ثورة 25 يناير؟ أخلص من ذلك إلى أنه لا فلول مبارك لديهم تلك القدرة على الحشد وعمل ثورة 30 يونيو، ولا الإخوان بكل إرهابهم وجبروتهم لديهم القدرة على الحشد وعمل ثورة 25 يناير، وإنما الحقيقة هناك طبقة يسميها علماء الاجتماع السياسي الطبقة غير المنتمية، تلك الطبقة التي لا هي إخوان ولا هي فلول مبارك، تلك الطبقة البيضاء غير المتلونة، الحقيقية التي تمثل جسد التنين، والتي تمثل دائمًا بيضة القبان، التي إذا انحازت إلى فصيل رجحت كفته. هذه الطبقة التي يخرج لها إعلاميو مبارك الآن لسانهم بعد بوادر نتائج الانتخابات المهزلة، الانتخابات التي ستظل مثلا للخيبة وقلة الحيلة. واحد يقول أراهن على جمهور 30 يونيو ليحرض الناس على النزول، متوهمًا أن شريحته الفاسدة هي التي عملت هذه الثورة، وآخر يقول عن فوز أحد الاشبال الجدد بأنه نكاية في جمهور 25 يناير. هذه الطبقة الحقيقية هي التي أدارت ظهرها لتلك الانتخابات حين شعرت أنها مهزلة، أو انتخابات صنعت صنعًا، لتأتي ببرلمان سيفتح بابًا من الخيبات علينا جميعا. ما يحدث مؤخرًا خلال زوبعة تلك الانتخابات يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن الدولة المصرية من رأس نظامها وصولا إلى حذاء نظامها وهم فريق الزفة والهتيفة والمطبلاتية، كلهم جميعًا يكرهون ثورة 25 يناير، بل ويعملون عبر ماكيناتهم الإعلامية على تشويهها وتبريدها وحشرها في زاوية المنهزمة واليتيمة، وهي ما كانت ولن تكون يومًا هكذا.