الابتسامة التي ارتسمت على وجوه الناخبين في بورما تكشف استعداد البلاد لعصر جديد من الديمقراطية والحرية السياسية، حيث يستعد حزب "الرابطة القومية من أجل الديمقراطية" المعارض، الذي تتزعمه أونج سان سو كي بالفوز التاريخي في الانتخابات البرلمانية بميانمار. هذه الابتسامة أيضًا تخفي الواقع المأساوي بالنسبة للكثيرين، مع استمرار إقصاء واضطهاد المسلمين وخاصة الروهينجا، فهذه القضية الرئيسية تلوح في الأفق وتلقي بظلالها على توطيد استمرار الحكم الديمقراطي في البلاد التي ابتليت بقاعدة عسكرية قاسية وعزلة دولية كبيرة على مدى نصف قرن. فقد ناضل مسلمو الروهينجا والذين يعرفون بأكثر الأقليات اضطهادًا في العالم -بحسب صحيفة هافينتون بوست البريطانية- لعقود من أجل مجرد الاعتراف بهويتهم في موطنهم بولاية "راخين" "أركان سابقًا" بجنوب غرب ميانمار، فبعد تأسيس المجلس العسكري في عام 1962 بقيادة الجنرال "ني وين" أصبحت المواطنة في دولة ميانمار والتي كان اسمها آنذاك بورما، في اتجاه متزايد نحو العرقية والديانة البوذية. فيما تعتبر هذه الخطوة انحرافًا بعيدًا عن المثل التي وضعها "أونج سان" الأب المؤسس لميانمار، والذي ضمن الأقليات العرقية والدينية في اللجنة التنفيذية لحكومة قصيرة الأجل قبل اغتياله عام 1947. فيما استهدفت الحكومة العسكرية بقيادة "ني وين" الروهينجا وغير البورميين وغير البوذين، مدعية أنهم "مهاجرين بنغاليين غير شرعيين" الذين هاجروا إلى ميانمار خلال الحكم الاستعماري البريطاني في المنطقة بدءًا من عام 1823، وذلك بالرغم من وجود أدلة دامغة على وجودهم في (أراكان) قبل ذلك التاريخ، ولكن الحكومة لا تعترف بكلمة الروهينجا بل وحظرت استخدام هذا المصطلح. فمنذ عام 1978 شرع المجلس العسكري في حملة عملية "ناجا مين" أو "كينج دراجون" لتطهير البلاد من العناصر الأجنبية غير القانونية وغير المرغوب بها، وخلال هذه العملية استولى الجيش على أراضي الروهينجا ودمر مساجدهم وقام بحملات اعتقالات تعسفية واغتصاب جماعي على نطاق واسع، كل ذلك بهدف إجبارهم على ترك منازلهم وترك البلاد، وبالفعل فر ما يقرب من 250 ألف شخص عبر الحدود إلى بنجلاديش. وفي عام 1991، في أعقاب محاولة فاشلة للديمقراطية بعد انتفاضة (8888) والتي أدت إلى وضع زعيمة المعارضة "أونج سان سي كي" تحت الإقامة الجبرية، شرعت الحكومة مرة أخرى في حملتها العسكرية تحت مسمى جديد "عملية بي ثايا" والتي تعني "أمة نظيفة وجميلة"، لإجبار الروهينجا على الفرار مرة أخرى، حيث فر هذه المرة أكثر من 200 ألف شخص عبر الحدود، والآن يوجد مئات الآلاف من الروهينجا لاجئين عديمي الجنسية وغير مرغوب بهم في معظم بلدان المنطقة، يكافحون وبالكاد يستطيعون مجرد البقاء على قيد الحياة. فيما سلطت معظم وسائل الإعلام الضوء على محنة الروهينا في الخارج، بدءًا من القوارب المتهالكة للسفر إلى بلدان مثل بنجلاديش وماليزيا وتايلاند وإندونيسيا وأستراليا، حيث تعرضوا لعصابات الاتجار بالبشر والرق والاحتجاز لأجل غير مسمى وحتى الإنجرار مرة أخرى إلى البحر، أو إطلاق النار من قبل القوات البحرية التايلاندية، ولكن نادرًا ما كانت التقارير الإخبارية تسلط الضوء على السبب الكامن وراء هروبهم من ميانمار. ففي ميانمار، يحرم الروهينجا من الجنسية رسميًا منذ قانون الجنسية الصادر في 1982، والتي لا تعترف بكونها أحد القوميات الأصيلة في ميانمار، كما يحرمون من الحق في التصويت، حيث منعهم من الجنسية حرمانهم من معظم الحقوق الإنسانية الأساسية. فضلًا عن ذلك، يجب حصول الروهينجا على إذن حكومة -وغالبًا ما يمكن الحصول عليه من خلال الرشاوي- للسفر أو الزواج أو إنجاب أطفال أو إصلاح دور العبادة، ووصل الأمر لإجبارهم على ولادة طفلين فقط في الأسرة. وقد اضطر العديد منهم العمل كعبيد في "القرى النموذجية" بولاية راخين، فيما كان يتم اغتصاب النساء من قبل الأجهزة الأمنية الوحشية. هذه الخطوة الأخيرة نحو التحرر السياسي والاقتصادي شهدت تحسنًا ملحوظًا في حياة مسلمي الروهينجا، ولكن بالرغم من ذلك شهدت ميانمار تظاهرات حاشدة قام بها رهبان بوذيون ضد وجود الروهينجا في راخين ودعمًا لاستمرار اضطهادهم. ورأى العديد الأمل بعد إطلاق سراح "سو كي" الحاصلة على جائزة نوبل للسلام من إقامتها الجبرية في 2010، ومع ذلك بقت صامتة ضد اضطهاد الروهينجا ملقية باللوم على أحداث العنف على كلا الجانبين على حد سواء. حيث تحولت من رمز لحقوق الإنسان إلى سياسية تسعى لكسب السلطة والمزيد من الأصوات، وبذلك سعت إلى دعم السكان البورميين الأغلبية بدل من المخاطرة والتحدث علنًا ضد استمرار ظلم الروهينجا. لذلك ينبغي على حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية أن يبدأ في تصحيح أخطاء نصف قرن من الحكم العسكري، ومن أجل تحقيق الديمقراطية الحقيقية والاستقرار، وعليها أن تعمل للم شمل ودمج كل شعب ميانمار، بما في ذلك الروهينجا ومنحهم حقوقًا متساوية كمواطنين في ظل حكم ديمقراطي، وبذلك يكون الاختبار الحقيقي لشرعية وقوة أي حكومة ديمقراطية مع أقليتها.. وبهذا عليها الاعتراف البسيط بالروهينجا كخطوة أولى ورمزية وهامة لتشكيل حكومة ديمقراطية، حسمبا رأت صحيفة "هافينتون بوست".