كتب - محمد فوزي سهير حواس: النصب التذكاري له علم ومقاييس عميد كلية الفنون التطبيقية السابق: وضع تماثيل لشخصيات عامة فى الميادين موضة قديمة إيمان الجمال: نقابة التشكيليين لديها لجنة مختصة لتجميل الشوارع صدمت عدة أعمال فنية المواطنين بعدما اعتبروها مسوخا كما حدث لتمثال نفرتيتي المشوه في المنيا مما أجبر الأجهزة التنفيذية على إزالته وإحالة الفنانين المسؤولين عنه إلى التحقيق، فيما أثار تمثال للأديب الكبير عباس محمود العقاد في أسوان الجدل بعدما رأى البعض أنه يبتعد من ملامح صاحبه، غير أن عدة نصب تذكارية أخرى جذبت سخرية المواطنين منها ميدان التحرير في قلب العاصمة وآخر أطلق عليه رواد "فيسبوك" ميدان "البزازة". وتستطلع "التحرير" آراء الفنانين التشكيليين حول تذوق الجمهور للأعمال الفنية بالميادين، ومسؤولية تشويه الرموز. وفي البداية يصف النحات الكبير الدكتور محمد علاوى تمثال العقاد المثير للجدل ب"المسخ" الذى وضع فى واحدة من أهم مدن النحت فى العالم.
وتابع علاوى في تصريحات ل"التحرير": "هناك تمثال من أعمال الفنان فاروق إبراهيم للعقاد غاية فى الروعة والإبداع، لا أدرى لماذا لم يوضع واحدا منها بدلا من هذا المسخ المخيف"، مضيفا: "من وضع هذه التماثيل التى لا تمت بصلة للفن ؟ فهذا التمثال لا يخرج من يد طالب بليد فى كليات الفنون!!". وتوضح الدكتورة سهير حواس صاحبة مشروع تطوير القاهرة الخديوية بجهاز التنسيق الحضارى أن تماثيل الميادين لها مواصفات خاصة فهناك علم اسمه الفن الميدانى أو الفن العام ويهتم بأية أعمال فنية توضع فى الفراغ العام وهى أعمال فنية ذات سمات خاصة منها المقاييس الفنية ومدى مناسبته لروح الميدان الموضوع فيه التمثال، وتحمل الخامات تغيير عوامل الجو والتعرية حتى يستمر التمثال برونقه مدة طويلة، كما يفضل أن تكون قاعدة التمثال ملتصقة بالعمل الفنى وأن تكون فى إطار نفس التصميم. وتعليقا على الإضاءة المخيفة فى وجه العقاد، قالت إن كل تمثال لابد أن يكون له إضاءة تكون مناسبة للعمل بحيث تظهر جمالياته ليلا، وشددت على أن تماثيل الشخصيات لابد أن يقوم بها محترف ليس مبتدئا حتى لا يشوه الشخصية وإن كان متبرعا به. فكرة قديمة.. أما الدكتور محمد توفيق عبد الجواد العميد السابق لكلية الفنون التطبيقية بجامعة القاهرة فاعترض على الفكرة من مبدأها قائلا: "موضة وضع تماثيل لشخصيات عامة فى الميادين وتسمية الميادين باسمها بطلت من زمن، فلم تعد أى دولة من الدول المتحضرة تفعل ذلك إلا نادرا، وإن حدث ذلك فهم يأتون بأفضل الفنانين، كما كان الخديوى إسماعيل يفعل حتى أنه كان يأتى بأعظم نحاتى أوروبا لتزيين مدن مصر، لكن وصل بنا الحال إلى أن القرار صار بيد موظفين!". تمثال نفرتيتي المشوه بالمنيا قبل إزالته الفنان المجهول الأمر الغريب أن مثل هذه التماثيل المشوهة قد غاب عنها اسم صانع التمثال وهو الأمر الذى علق عليه علاوى، قائلا: "الفنان حين يصنع تمثالا يكون فخورا به، ويريد أن يعمل له دعاية، لا أن يختبئ". أما عبد الجواد فقال: "تماثيل بهذا القبح لابد أن تخرج الناس عليها بالمعاول ويكسروها، وخصوصا أهل المنطقة المتضرر الأكبر منها، غالبا الناس تفاجأ بمثل هذا القبح قد وضع دون استشاراتهم وفى أى دولة متحضرة لا يحدث ذلك أبدا والطبيعى أن يتم استشارة المتخصصين ثم عرض نموذج مصغر على أهالى الحى". من المسؤول ؟ وتتضارب الاتهامات حول المسؤول عن سوء التماثيل التي توضع بالميادين، فيلوم دكتور عبد الجواد أولا الوعي العام ويقول: "الناس فى أيام تماثيل الميادين الراقية مثل نهضة مصر كانت صاحبة وعى ويتبرعون لتنفيذها أيضا، أما الآن فالناس غير معنيين، والقرار بالكامل بيد الدولة بكل أجهزتها التى سمحت بالاسترخاص والاستهانة بالفن بهذه الطريقة، إذا فهى المسئول عن هذه العشوائية هى الدولة بكل وزاراتها بداية بوزارة الثقافة وجهاز التنسيق الحضارى وكل الأجهزة المعنية". ولم بيتعد جدل التماثيل والنصب التذكاري عن ميادين العاصمة حين قرر جمهور الميدان صناعة تذكار للشهداء في مديان التحرير وتم هدمه أكثر من مرة وقيل وقتها إن الدولة بصدد عمل مسابقة لأفضل تصميم جمالى، إلى أن نفذت القوات المسلحة تصميما عبارة عن حجر خشن لم يفهمه أحد فثار عليه الناس، فأزيل ووضعت سارية العلم بديلا عنه. وقال علاوى وهو أحد المشاركين فى لجنة اختيار التصميم إنه لم يكن يتوافر فى الأعمال المقدمة أية تصميمات جيدة، لذا فقد اختارت اللجنة عملا من الأعمال التى حازت على جوائز. النصب التذكاري بميدان التحرير قبل تغييره واتهم علاوي جهاز التنسيق الحضارى، قائلا: لماذا لا يتخذ موقفا ولماذا لا يشارك فى اتخاذ القرار؟. وتوضح سهير حواس أن محافظة أسوان لديها برتوكول مع جهاز التنسيق الحضارى خصوصا أنها محافظة سياحية ويزورها كل الناس من أنحاء العالم، لكن المحافظ لجأ لتنفيذ تمثال بهذا القبح دون الرجوع لأحد. وتابعت: "إذا لم يرد التعاون مع الجهاز فكيف يختار دون عمل مسابقة لأحسن تصميم أو يلجأ لفنان مشهود له بالتميز!!". فى الوقت نفسه أكدت حواس أن السلطة الوحيدة على الميادين تعود للمحافظ ماعدا الميادين المسجلة بأنها ذات طراز معمارى متميز وقيمة تراثية، لذا فجهاز التنسيق الحضارى لا تمتد سلطاته إلى كل الميادين العامة، مع ذلك فإن الجهاز يقدم استشارات لكل من يلجأ له دون أى أعباء مادية فلما لا يلجأ المحافظون للجهاز قبل أن ينفذ التمثال وتصبح فضيحة فى الفراغ العام. واستكملت: نحتاج إلى قرار على أعلى المستويات مجلس الوزراء وحتى وزير الثقافة بوقف الارتجال واللجوء إلى أهل الخبرة، فلا يمكن أن نترك مياديننا مستباحة للقبح، مطالبة بمحاكمة صاحب القرار غير المؤهل لاختيار أعمال فنية. ميدان سخر منه رواد "فيسبوك" وأطلقوا عليه اسم "البزازة" وحول عشوائية اتخاذ القرارات فى المحليات بما يثير الكثير من شبهات الفساد فيروى دكتور عبد الجواد أنه أثناء توليه عمادة كلية الفنون التطبيقية، قررت محافظة ما قررت تطوير أحد الميادين بعد تبرع شركة بالمبلغ اللازم بشرط استشارة الكلية، وبالفعل صممت له الكلية تصميما، ثم فوجئ عبد الجواد بأن المحافظ أخذ المال وقال إنه يعرف أولويات التطوير فى المحافظة دون توضيح ما هى الأولويات. وقال: "عمليات التطوير لا قواعد لها، وكثيرا ما صادفنا طلبات مماثلة فى كلية الفنون التطبيقية لكن فى النهاية الجهة المنفذة تريد تنفيذ الطلبات بأرخص التكاليف وطوال الوقت القرار فى يد المحافظين وغالبا يلجأون إلى مقاولين ينفذون تصميما ما فيخرج بمواد رديئة وشكل مخزٍ. وأضافت الفنانة التشكيلية دكتورة إيمان الجمال أن نقابة التشكيليين لديها لجنة مختصة دورها تجميل الشوارع، فلماذا لا يتم اللجوء إليها ؟ وقالت: "الفنان قد يعمل دون أجر فوجود تمثال من أعماله فى الميدان هو تخليد لاسم صاحبه، وليس أدل على ذلك من ملتقى البرلوس وعمليات تجميل القاهرة التى كان أغلبها بمبادرات من فنانين موهوبين". وتابعت: مصر مليئة بالفنانين الموهوبين الذين يتمنون تجميل كل ركن فيها، لكن حين تنوى الدولة تجميل الشوارع يلجؤون إلى صنايعية ومقاولين، وفى نفس الوقت ترى الفنانة التشكيلية أن المحليات هى منبع الفساد، وهى جهة قادرة على تعطيل أى محاولة حقيقية للإصلاح والتجميل، وتمثال العقاد تحديدا صنعه أكبر نحاتى مصر فهو واحد من ملهميهم بفكرة التنويرى، فقد صنعه من قبل جمال السجينى وفاروق إبراهيم وغيرهم.. لماذا ترك المسئولون هذه التماثيل المشرفة ولجؤوا إلى مقاولين؟ هكذا تساءلت إيمان الجمال.