لا يزال سوء الأحوال الجوية مسيطرًا على البحيرة، وشهدت مراكز المحافظة سقوط أمطار غزيرة بشكل متواصل، ورغم جهود الأجهزة المحلية للتعامل مع الكارثة إلا أن قلة الإمكانيات حولت المحافظة إلي بحيرة من مياه الأمطار، وتزايدت الخسائر بعد ارتفاع حصيله القتلى إلى 11 قتيلًا بينهم 9 من أهالي قرية عفونة بوادي النطرون واثنين من أبو حمص. انتقلت «التحرير» إلى مدينة وادي النطرون، والتقت بالمتضررين الذين تواجدوا في عمارة الإيواء بمساكن الرست، والمتواجدين في مستشفى جراحات اليوم الواحد بوادي النطرون. وتقول سعيدة عبد الفضيل: «فقدت ابنتي بعد أن جرفتها الأمطار ولا أعرف مصيرها، هل لفظت أنفاسها الأخيرة أم ما زالت على قيد الحياة». وتضيف الأم، التي انهمرت دموعها بشدة: «لدي 3 فتيات: فرة، 13 سنة، وخويدا، 15سنة، وعزة، 10سنوات، وبسمة 8 سنوات، والصغرى نجوى، 3 سنوات ونصف، والتي فقدتها بعد أن جرفتها المياه». تصمت الأم لحظة ثم تروي التفاصيل: «مساء الثلاثاء الماضي بدأت الأمطار تتساقط بشكل خفيف لمدة ساعتين وفجأة اشتدت، وحاصرتنا المياه من كل جانب وجريت على بناتي احتضنهن بعد أن أيقظتهن وحاولت الخروج من المنزل وابنتي الصغيرة على كتفي وتعثرت فجأة وسقطت لتجرفها المياه، ولم استطع العثور عليها وسط الظلام وصرخات بناتي والأمطار التي ارتفعت إلى مترين وجرفت معها كل ما نملت وأحضرتنا السيارات إلى الإيواء». وتضيف سعيدة: «ذهب زوجي في الصباح الباكر ومعه جيراننا إلى القريه للبحث عن طفلتي، نفسي أعرف مصيرها عايشة ولا ميتة حتى يرتاح بالي». وهنا تصمت الأم وتدخل في حالة هستيرية من البكاء، ولم تتمكن من مواصلة حديثها. «شاهدت أهوال يوم القيامة، برق ورعد وسيول لم أشاهدها في حياتي» هكذا يصف عبد الله عطية، 33 سنة، مزارع، سوء حالة الجو، ويضيف: «أسكن في منزل مكون من 3 غرف ومسقوف بالقش والبوص، اقتحمت المياه المنزل، وجرفت الأغنام، أيقظت أبنائي بسرعة، خوفًا عليهم من الغرق، ووضعت البطاطين فوق بعضها لأصنع مكانًا عاليًا ليجلس عليه أبنائي». ويذكر عطية: «لكن المياه غمرت المكان، فخرجت معهم ومعي زوجتي البطاطين لنهرب بحياتنا قبل الموت تحت أنقاض المنزل وخسرت كل ما أملك ولم يعد لي شيئًا».
وتقول بسمة محمد: «زوجي خرج اليوم للبحث عن جارتنا، الطفلة نجوي، التي اختفت وسط الأمطار». وتروي بسمة: «بعد اقتحام أمواج المياه لمنزلنا جرفت كل ما نملك، حملت أبنائي وتمسكت بإحدى الأشجار حتي لا تجرفنا المياه، وظللت على هذا الوضع ساعات حتى تم إنقاذنا ونقلنا إلى عمارة الإيواء، والآن لا نملك سوى المراتب والبطاطين التي تسلمناها من المحافظة». «لو موتنا يبقى كلنا نموت مع بعض».. هكذا تقول جمالات محمد بلتاجي، 55 سنة، ربة منزل، بعدما تمكنت من مغادرة منزلها والوصول إلى منزل ابنها والدخول من الشباك. تذكر جمالات: «منزلنا مسقوف بالبوص والقش، وفوجئت أنا وزوجي بسقوط الأمطار، دون مقدمات سحبتني المياه إلى خارج المنزل، ولكن زوجي تمكن من إمساك يدي وتعلقنا بأحد الأعمدة وجاء ابني الذي يسكن في منزل مجاور لنا وحملنا وأدخلنا من شباك المنزل». ويكمل الحديث ابنها، محمد السيد، 32 سنة، مزارع: «بعد سقوط السيول جريت على أطفالي وزوجتي وحملناهم وأحضرت والدي ووالدتي قبل أن تتمكن المياه من سحبهما والتي ارتفعت إلى مترين وظللنا في الظلام حتى الساعات الاولي من الصباح ونحن ننتظر الموت في أي لحظة». وتقول ملكة محمد مليجي، 50 سنة، ربة منزل: «أنا مطلقة وأقيم مع أبنائي الأربعة في منزل بالقرب من الطريق الصحراوي، رزقي من عشة أعمل فيها الشاي للسائقين، وفي هذه الليلة تركني أبنائي لحضور احتفالات مولد إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق». وتروي معاناتها: «عند سقوط الأمطار واقتحام المياه لمنزلي المسقوف بالقش والخشب قفزت من الشباك خوفًا من انهياره فوقي، وصارعت الأمطار قبل أن تجرفني، ووصلت المستشفى في حالة سيئة وهناك قدموا لي العلاج والملابس والأغطية، والآن لا أملك شيئًا ولا أعرف مصيري». ومن جانبه، قال الدكتور مصطفى عباس زيكو، مدير مستشفى جراحات اليوم الواحد، إن المستشفى استقبل حتىى الآن: محمود سالم عبد المولى، 27 سنة، مسند خليل طريف، 31 سنة، شريف عنتر شريف، 13 سنة، هبة محمد عبد الباقي، 25 سنة، زينب محمد أحمد، 46 سنة، أبو الفتوح محمد الشامي، 42 سنة، نادية محمد عبد الوهاب، 60 سنة، محمد أبو المعاطي الشامي، 65 سنة، محمود محمد علام، 28 سنة، جمالات محمد سليمان، 55 سنة، سلمان محمود أحمد، 36 سنة، هشام محمد أمبوي، 13 سنة، حمادة عوض أمبوي، 30 سنة، هاني محمد فؤاد، 25 سنة، السيد عبد الخالق إبراهيم، 30 سنة، عبد الرحمن عمر الغول، 10 سنوات، خميس مصطفى همام، 30 سنة، يوسف حسني الشامي، 32 سنة، إبراهيم حسني الشامي، 35 سنة، منى حمدي عبد الحليم، 34 سنة، يوسف محمد أيوب، سنتان، سعاد إبراهيم عبد الفتاح، 40 سنة، أدهم جمال سليمان، 4 سنوات، جمال سليمان محمد، 45 سنة، وجميعهم مصابون بكدمات وجروح متفرقة بأنحاء الجسم وانخفاض في دراجات الحرارة وشعور بالبرد نتيجة التعرض لمياه السيول. كما استقبلت المستشفى جثامين: إسماعيل عبد العظيم، 19 سنة، شلبية عبد المنعم إبراهيم، 64 سنة، حليمة عبد الحليم سيد قنديل، 45 سنة، مبروك محمد أبو المعاطي، 30 سنة، إبراهيم محمد محمد المسيدي، 25 سنة، راضي خير الله عبد المنعم، 32 سنة، رفيع عبد الله محمود أحمد، 8 سنوات، ندا عبد الله محمود أحمد، 5 سنوات، وجميعهم متوفين بإسفيكسيا الغرق نتيجة السيول، والطفلة آيه عمر صلاح، سنة وشهران، بعد العثور على جثتها وسط الأنقاض. ويضيف مدير المستشفى: «صدرت لدينا تعليمات برفع درجة الاستعداد لمواجهة السيول التي وقعت في الإسكندريه قبل أسبوعين، وعلى هذا الاساس اعتبرت المستشفى في حالة طوارئ، وتم استنفار كافة القوى بدعم من مديرية الصحة بالبحيرة». وذكر: «تم تنفيذ الدعم بالأطباء والأدوية والمستلزمات والإعاشة، ولم تبخل أي جهة بالدعم خاصة وزارة التضامن الاجتماعي والقوات المسلحة والهلال الأحمر المصري وإدارة تموين النوبارية ومجلس المدينه الذي كان يباشر الأحداث في موقع الكارثة مدعومًا بالقوات المسلحة».