باتت الإسكندرية مهددة بالكوارث، وتلاحقها الأزمات، ما يكشف عجز المسؤولين عن الحفاظ على ما تبقى من رونق المدينة التي لُقبت سابقًا بعروس البحر الأبيض المتوسط. وتكشف الإحصائيات التي حصلت عليها "التحرير" أن عدد العقارات القديمة الآيلة للسقوط بالإسكندرية بلغ حوالي 70 ألف عقار قديم، صادر لنحو 17 ألفًا منهم قرارات إزالة، إلا أن عدم التنفيذ هو الواقع الذي يهدد حياة الأبرياء، سواءً في العقارات الآيلة للسقوط، أو العقارات المجاورة لها. أزمة العقارات القديمة تشكل العقارات القديمة تجارة جديدة يلهث وراءها المقاولون وبعض ملاك المنازل، وتقع حياة المواطنين تحت خطر عدم ترميم هذه العقارات، وعجز الحكومة والمشرع عن إلزام ملاكها بالترميم أو الإزالة، حيث يرفض بعض الملاك تنفيذ الإزالة نظرًا لتكلفتها المالية - رغم مقدرته - حتى ينهار العقار كليًا على رؤوس السكان، رغبةً منه في بناء عقار جديد مخالف، يدر له ملايين الجنيهات، فيما يعجز البعض الآخر بالفعل عن إزالة عقاره، ولا تقف الدولة بجواره من أجل تنفيذ القرارات، وفي الحالتين تكون العواقب وخيمة. وتنتشر العقارات القديمة في الإسكندرية، ويعود بناؤها إلى عشرات السنين، بل توجد عقارات بُنيت في عام 1850، مثل "محكمة الحقانية" التي لم ينته ترميمها حتى الآن رغم إخلائها، ولعل مناطق "العطارين ومحرم بك ومينا البصل والدخيلة وبحري وأبو قير والمنتزه" تحوي قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة. قنابل موقوتة يبلغ عدد العقارات المخالفة بالإسكندرية، بحسب تصريح هاني المسيري، المحافظ السابق، نحو 28 ألف عقار، بينهم على الأقل 17 ألف عقار صادر لهم نحو 150 ألف قرار إزالة، لم يتم تنفيذ سوى 250 منها فقط. ومن أهم العوامل التي تؤثر سلبًا في العقارات القديمة انتشار ظاهرة البناء المخالف، التي أثرت على البنية التحتية للمحافظة، وتسببت في عدم قدرة محطات الصرف الصحي والشنايش ومصارف الأمطار على استيعاب المياه شتاءً، وإحاطة الصرف بالمنازل صيفًا. وقد شهدت الإسكندرية، خلال آخر 48 ساعة، انهيار عقارين قديمين، ما تسبب في مصرع 4 أشخاص، وإصابة نحو 8 أخرين بإصابات بالغة، كان آخرهما انهيار عقار في أبو قير بشرق الإسكندرية، فيما يجري البحث عن ناجين تحت أنقاضه. ودفعت كل من "ليلى علي حسن"، 40 سنة، والطفلة "جنة إبراهيم حسن"، 4 سنوات، و"هناء نصير محمد"، 39 سنة، و"محمد إبراهيم بشندي"، ثمن إهمال المسؤولين، بينما ينازع آخرون الموت بالمستشفيات. أزمة الشتاء خلفت أيضًا قبل يومين انهيار عقار غير مأهول بالسكان، بشارع بلال بن رباح، في منطقة أبو سرحة، بدائرة قسم شرطة ثان الرمل، حيث أظهر الفحص أن مساحة العقار تبلغ 65 مترًا تقريبًا، وهو بناء قديم من أسقف خشبية، ومكون من 4 طوابق. ليست الكارثة الأخيرة حذر الدكتور فتحي عبد ربه، أستاذ ميكانيكا التربة والأساسات بكلية الهندسة في جامعة الإسكندرية، من أن 80% من العقارات القديمة والمخالفة غير آمنة، موضحًا أن هناك إهمال شديد للتربة، فهناك عقارات يتم تشييدها دون وجود حسابات عملية، في الوقت الذي تؤدي فيه إلى تهالك الشبكات والبنية التحتية، وتشكل خطرًا جسيمًا على العقارات القديمة. ومن جانبها، قالت الدكتورة سمر شلبي، نقيبة المهندسين بالإسكندرية، إنه "أصبح علينا أن ننتظر كارثة جديدة مع كل يوم جديد"، متوقعةً خلال الفترة المقبلة المزيد من الحوادث والأزمات، مشددةً على ضرورة تحرك المسؤولين لوقف انهيار العقارات. وقالت سمر - في تصريحات خاصة ل"التحرير" - إنه "للأسف لا يوجد حصر للمباني الآيلة للسقوط من أجل التحرك لإزالتها"، محملةً إدارات الأحياء مسؤولية الأزمات التي تشهدها المدينة، بسبب عدم تنفيذ قرارات الإزالة بحسم، ومنع ظاهرة البناء المخالف، مشيرةً إلى ضرورة تشكيل لجنة طوارئ متخصصة في مواجهة أزمات الشتاء بالإسكندرية. وكشفت نقيبة المهندسين بالإسكندرية عن تقدم النقابة بمطالب إلى اللواء طارق المهدي، المحافظ الأسبق، لتشكيل لجنة من المهندسين ينبثق منها لجان بحسب تقسيم المناطق، لبدء عملية فحص للمنازل والعقارات القديمة والمتهالكة والمخالفة، إلى جانب فحص سلامة المنشأ، مع اتخاذ إجراء فوري وعاجل لمواجهة أي خطورة تتعرض لها أي منشأة. وقال الدكتور حسين جمعة - رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية – إن الاسكندرية تحتوي على نحو 70 ألف عقار قديم، موضحًا أن قرارات الإزالة لا تُنفذ بسبب ثغرات قانونية لم يتم التغلب عليها حتى الآن. وشدد جمعة على ضرورة إصدار تشريعات جديدة للتصدي لهذه الظاهرة، مطالبًا بقرارات جادة للإزالة، مع إنشاء "شرطة عقارات" خاصة بتنفيذ القرارات ولو ب"القوة الجبرية". اعتراف بتفاقم الأزمة سعاد حلمي، رئيسة حي وسط الإسكندرية، تؤكد أن العقارات القديمة "أزمة"، وأن الحي معنى بإصدار قرارات الإزالة، لكن الأزمة تتمثل في عدم وجود إمكانات لتنفيذ قرارات الهدم، وقيام ملاك العقارات القديمة بالتسويف والمماطلة. وكانت الدكتورة سعاد الخولي، نائبة المحافظ هاني المسيري، والمُكلفة بمهامه عقب استقالته، قد أكدت ضرورة إصدار تشريعات جديدة للتصدي للأزمة، كما أعلنت تشكيل غرفة عمليات دائمة من المسئولين المعنيين بالصرف الصحي، والأحياء، والنقل العام، والكهرباء، وشركة مياه الشرب، على أن تستمر طوال فصل الشتاء، لتلافي تكرار ما شهدته الإسكندرية خلال اليومين الماضيين جراء الأمطار الغزيرة. وشددت سعاد أيضًا على أهمية مواجهة المباني المخالفة التي تؤثر بشكل مباشر على شبكات الصرف الصحي، والبنية الأساسية، عن طريق استصدار تشريع جديد من مجلس الوزراء يجرم البناء المخالف بعقوبات رادعة، تصل للحبس الوجوبي مع التحفظ على العقارات المخالفة.