كتب - محمد شعبان: حرب الغفران، حرب ال19 عامًا، حرب تشرين التحريرية، هزيمة أسطورة الجيش الذي لا يقهر، تحرير الأرض، تعددت مسميات حرب 6 أكتوبر 1973، لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد هي استعادة السيادة المصرية على كل شبر بسيناء، بعد ملحمة من بطولات "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه". تحل علينا اليوم الذكرى ال42 لنصر أكتوبر العظيم، هذا اليوم الذي سيظل دائمًا وأبدًا الصدمة الأكبر لإسرائيل في تاريخها على الصعيدين السياسي والأخلاقي، كونها المعركة المرة الأولى التي تتحدى فيها دولة عربية "أسطورة" الجيش الذي لا يقر. السادات.. رجل المرحلة القاهرة 15 أكتوبر 1970، عُين أنور السادات رئيسًا للبلاد، كان دومًا بجانب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكنه كان قابعًا في الظل، وعاصر الحرب ضد البريطانيين، وثورة 23 يوليو 1952، وتأميم قناة السويس، وأخيرًا حرب 1967، لكنه يعلم ما ينتظره من تحديات في ظل عدم استفاقة المصريين من خسارة أرض سيناء الغالية في مهمة لن ينساها التاريخ. بدورها، لم يساور جولدا مائير، رئيس وزاء إسرائيل، أي قلق من تولي السادات مهمة قيادة مصر، وخرجت تقارير غالبية وكالات الاستخبارات وقتها بأنه - السادات - ضعيف، لا يمتلك أفكار كثيرة، وتوقعت استبداله بشخص أكثر قوة. وسيطر على تفكير السيدة ذات الأصول الأوكرانية، أن أنور السادات لا يتمتع بقوة عبد الناصر، ولن يُمثل أي قلق لدى إسرائيل، وأن الأمور ستسير على ما يرام. لكن بطل الحرب والسلام، لم يتحمل أن تصبح قناة السويس الحدود الجديدة لمصر مع إسرائيل، وكان تفكيره الوحيد هو عبور القناة لاستعادة السيادة المصرية على سيناء. "سوف أبذل قصارى جهدي لأتبع سياسة صديقي المقرب الرئيس جمال عبد الناصر، ولست مستعدًا للتخلي أو التنازل عن شبر واحد أو حبة رمل من أرضنا".. بتلك الكلمات، وجه السادات رسالة واضحة للجميع، أن مصر لن تفرط في سيناء. السادات وجولدا مائير 8 فبراير 1971، أثار حوار الرئيس السادات قلق بالغ لدى غونار يارينغ، المبعوث الدولي إلى الشرق الأوسط، ذلك الرجل الذي ظل يسعى إلى إحياء الحوار بالمنطقة. وطرح " يارينغ"، انسحاب إسرائيل من سيناء مقابل ضمان حرية الملاحة بقناة السويس، وعدم شن أي حرب، والشروع في محادثات سلام جدية، وأرسل السادات رده الإيجابي على الاقتراح؛ لعمله بأن مغامرة عسكرية لاستعادة سيناء تعد عمل انتحاري مع عدم استعداد الجيش المصري. لكن على الجانب الآخر، فوجأت جولدا مائير بقرار السادات، ودعت إلى منزلها عدد من كبار الوزراء من بينهم وزير الدفاع، وكان قرارها هو: "يجب ألا نتراجع لحدود ما قبل 67، وتفقونا العسكري يجب أن يجعلنا نحدد ما هي الحدود التي نقف عندها". "نريد منطقة سيناء منزوعة السلاح، وسيكون احتمال وقوع حرب ضئيًلا جدا".. ترى جوالد مائير أن رفضها لاقتراح يارينغ يأتي لضمان أمن إسرائيل. لكن سرعان ما انتفض الشعب ممثلاُ في طلاب الجامعات، من خلال مظاهرات تندد بسياسة السادات، وأمام غضب الشعب، قرر السادات تغيير اسيتراتيجته، وأنه لا مفر من استخدام القوة لاسترجاع سيناء، وقال في حوار تليفزيوني: "المسألة الآن فخر وطني بالنسبة إلينا لاسترجاع أرضنا بالقوة"، وقام بتعيين مهندس الحرب الفريق سعد الدين الشاذلي؛ لوضع خطة الحرب. قلق وخيانة بدأ الرئيس الراحل أنور السادات، التفكير في كيفية إعداد الجيش لحرب الانتقام، وقام بعدة زيارات للاتخاد السوفيتي - روسيا حاليًا - وأبرم صفقات عسكرية لشرتء بعد الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي. في عام 1972، تسلمت جوالدا ماشير نسخة من وثيقة غاية في الأهمية عن محادثة جريت بين السادات ورئيس الاتحاد السوفيتي، جاء فيها: "أريد أن أشن هجومًا على إسرائيل، واسترجاع سيناء، لكن لن أستطع فعل شئ بدون شل حركة اليد العليا لإسرائيل والمتمثلة في سلاح الطيران". ولم تمر فترة طويلة، حتى تسلمت السلطات الإسرائيلية عبر أحد كبار عملائها بمصر وثيقة "سري للغاية" تضمنت طلب الرئيس السادات من رئيس الاتحاد السوفيتي لشراء طائرات حديثة للتفوق على الطائرات الإسرائيلية الحديثة، فضلاً عن خطط عبور القناة. الاستعداد للحرب أبريل 1973، أشار السادات في حوار صحفي مع صحيفة "نيوز ويك" إلى أن أمريكا لن تتحرك إذا لم تتلق صدمة، لكن الجميع لم يتدبر مقصده. وتوصل الرئيس أنور السادات إلى أنه لا مفر من دخول الحرب مع شريك آخر؛ ليشن هجومًا على إسرائيل، ومن ثم تحقيق حُلم المصريين برفع علم مصر على أرض سيناء. 23 أبريل 1973، عقد الرئيس الراحل جلسة مباحثات مع نظيره السوري حافظ الأسد، لكنه لم يخبره عن أهدافه الحقيقية، وطلب من الفريق الشاذلي وضع خطة حرب تتضمن غزو سيناء بالكامل الذي قال في مذكراته: "أذهلتني هذه الازدواجية، لكني نفذت الأوامر واحتفظت بالسر". 14 مايو 1973، بينما كانت مصر وسوريا تستعدان لخوض حرب طال انتظارها، حرصت جولدا مائير على الاحتفال بالذكرى ال25 لتأسيس إسرائيل، واعتبرت تلك المناسبة فرصة كبيرة لإظهار قوة جيش الدولة العبرية. الملك فيصل لعبت المملكة العربية السعودية دورا كبيرا في حرب أكتوبر 1973، وأصدر الملك فيصل وقتها قرارًا بحظر تصدير النفط إلى الولاياتالمتحدة ردًا على دعما لإسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة. واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكي في السعودية وقتها، وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوي على ثلاث نقاط؛ هي: إذا استمرت الولاياتالمتحدة في مساندة إسرائيل، فإن مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية سوف تتعرض لإعادة النظر، وأن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10%، واحتمال وقف شحن البترول السعودي إلى الولاياتالمتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة. واعتبر هنري كيسنجر، وزير خارجية الولاياتالمتحدة، هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة أمريكا، فقد أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق في استخدام البترول كسلاح، ورغبتهم في السيطرة على الغرب. هزيمة الأسطورة صباح السبت 6 أكتوبر 1973، بدأ الجنود على الضفة الشرقية للقناة في نقل القوارب المطاطية على أنها "بطاطين" لمناطق قريبة من شاطئ القناة. في اللحظة نفسها، كانت شوارع تل أبيب خالية، حيث يصادف "يوم الغفران" الأهم في السنة اليهودية، والمخصص للصوم والصلاة، فيما وصل القادة الأبرز بالدولة لمنزل جولدا مائير لبحث مضمون الرسالة التي تلقونها بعزم مصر شن حرب في تمام ال3 عصرًا. وفي تمام ال8 صباحًا، عُقد اجتماع لجنة شؤون الحرب بحضور جولدا مائير ووزير ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وتم الاستقرار على استدعاء 180 ألف جندي احتياطي. وفي تمام الثانية إلا الربع ظهرًا، دخل الرئيس انور السادات إلى غرفة العمليات، الجميع ينتظر قرار القائد الأعلى للقوات المسلحة، ينتظرون قرارًا هو الأصعب، التوتر والترقب يسيطران على كبار قادة الجيش. وقف الجنرال الشاذلي على يمين القائد الأعلى للقوات المسلحة وقادة الجيش، لديه ثقة في خطته التي وضعها لخوض المعركة، فأطلق عليها خطة "المآذن العالية" أو "عملية بدر"، واضعاً ثقته في جنوده، مؤكدًا فيها على مقتلين عند العدو، الأول هو خسارة الأفراد، والثاني إطالة مدة الحرب. عقارب الساعة تشير إلى الثانية ظهرًا، تنطلق طائرات سلاح الجو من كل حدب وصوب، تضرب مواقع لوجستية إسرائيلية، مخازن أسلحة هنا، حصون ومراكز قيادة هناك، بالتزامن مع عبور قوات المشاة للضفة الأخرى من القناة عبر القوارب المطاطية، وتعلو أصوات التكبير "الله أكبر" للحظة طال انتظارها. وعلى الجانب الآخر، شنت القوات السورية هجومًا قويًا على القوات الإسرائيلية المتمركزة بهضبة الجولان، ليفقد العدو سيطرته على الموقف في "6 ساعات"، ويتكبد خسائر جسيمة في الأفراد والمعدات وسط تفوق واضح للمقاتلات المصرية، وأنظمة الدفاع الجوي التي استطاعت إسقاط عشرات الطائرات في ملحمة سطرها رجال القوات المسلحة بدمائهم؛ لاستعادة أرض سيناء.