شباك التذاكر مغلق والتكييفات معطلة.. والمتسولون والباعة يتجولون بين الركاب قبل أيام من العيد.. العربات متهالكة وتأخر في مواعيد الوصول والانتظار بين المحطات ركاب القطارات: «الوضع داخل العربات زي الزفت.. والخدمة أسوأ من الأول والتكييف بينقط علينا» نظافة العربات والحمامات تبحث عن «عامل السفاري» أحد مفتشي الهيئة ل«التحرير»: غياب الربط بين «الشباك» و«الشرطة» و«ناظر المحطة» شباك تذاكر زجاجي مغلق من الجانبين دون ورقة واحدة أو لافتة تحدد مواعيد القطارات المتجهة من المنصورة إلي القاهرة، باستثناء بعض الأرقام الأخرى الباهتة المكتوبة بخط اليد المتعرجة على جدران المحطة الخلفية، وعلى الجانب الآخر توجد غرفة ناظر المحطة المكيفة والمغلقة هي الأخرى في وجه الركاب، دون دليل أو إشارة إلى مواعيد القطارات المتحركة على هذا الخط، فقط تعلوها عبارتي «ناظر المحطة»، اقتربنا أكثر منها وطرقنا الباب مرة والثانية للاستفسار عن المواعيد وأسعار التذاكر قبل ثلاثة أيام من عيد الأضحى، فيما يخص القطارات المميزة والمكيفة ولكن دون رد. حاولنا البحث عن مباحث السكك الحديدية للإبلاغ عن ذلك التقصير، فلم نعثر على شرطي واحد بطول المحطة خلال أكثر من ساعة في انتظار وصول القطار البعيد، كررنا الطرق عدة مرات على باب الناظر لما يزيد عن الربع ساعة حتى خرج إلينا شخص يخطو بخطوات متثاقلة ولا يقوى على رفع نظره إلى أعلى من أثر نوبة النوم العميقة التي دخل فيها. هنا سأله أحد الأشخاص المرافقين لنا عن موظفي صرف التذاكر بالمحطة الخالية من الأمن وموظفي هيئة السكك الحديدية، وذلك لحجز مقعدًا في العربات المكيفة قبل أن تنفذ تذاكرها ولا يجد مكانًا له ولزوجته للعودة إلى القاهرة، فرد عليه بكل برود وعصبية من على باب غرفته: «هتلاقيهم بيصلوا يا أستاذ.. أصبر شوية الدنيا ما طارتش وبعدين إحنا صايمين وطالع عنينا من صباحية ربنا والجو ولعة ولسه باقي نصف ساعة على ميعاد وصول القطر». ثلاثون دقيقة كاملة مرت على كلماته وفتح شباك التذاكر وتزاحم الركاب أمام الشباك الوحيد المتواجد داخل محطة «طلخا» للحاق بأحد مقاعد القطار المكيفة قبل نفاذ التذاكر المخصصة لها، حتي حصلنا على واحدة بشق الأنفس من أحد الأشخاص المتواجدين على الرصيف بعد أن فقدنا كل الطرق في الوصول إلى الشباك، وهوما دفع «التحرير» لخوض تلك الرحلة العصيبة داخل أحد القطارات المكيفة التي تم تطبيق الزيادة على أسعار تذاكرها من قبل هيئة السكك الحديدية بواقع 20 جنيهًا للدرجة الأولى مكيفة، و10 جنيهات للثانية المكيفة، بدعوى التطوير وتوفير الخدمات اللازمة وزيادة إيرادات الهيئة لشراء عربات وجرارات جديدة وصيانة القديمة لتلبية الطلب المتزايد على تلك القطارات وتحسين كفاءة الخدمة بها في ظل انتهاء العمر الافتراضي لغالبية عربات القطارات الخاصة بالهيئة، ولكن الواقع يقول أن «الوضع كما كان عليه وأسوأ». بعد الانتهاء من مرحلة الحجز بدأت رحلة المعاناة والعذاب الكبرى في انتظار وصول القطار وتكرارًا لمسلسل التأخير فقد وصل القطار إلى المحطة بعد مرور أكثر من نصف الساعة عن الميعاد المحدد له على ظهر التذكرة حتى فاض الكيل بالركاب الذين لم يجدوا أمامهم سوى ترديد عبارات ضد المسئولين ودعوات عليهم وكلمات يائسة منها «عمر حال البلد دي ما هيتصلح» و«ياترى رايحة بينا علي فين يابلد» و«التغيير بيحصل للأسوأ»،و«شالوا محلب جابوا شريف الاتنين مافرقوش عن نظيف»، ودخلوا جميعا في نوبة الانتظار الممرور بالتأخير على أمل الوصول إلى عملهم والإفطار في بيوتهم. داخل العربات.. الأبواب مفتوحة والتكييفات معطلة وركاب يفترشون الأرض والرائحة الكريهة تسكن دورات المياه من القاهرة إلى اليابان ياقلبي لاتحزن..فلا وجه للمقارنة على الإطلاق بين البلدين والتي لا تكون في صالح الأخير، خاصة بعد أن رصدت دراسة وبحث صادر نهاية العام الماضي معدلات تأخير القطارات هناك في العاصمة اليابانية "طوكيو"، فتوصلت إلى تجاوزها ال "7 ثوان" طوال العام كله !! بينما هنا في القاهرة وصل القطار بعد مرور ما يقرب من نصف الساعة تأخير إلى المحطة خلال رحلة واحدة له والأعداد في زحام على الأبواب والمقاعد لا تكفي جميع الركاب، فاضطر عدد كبير منهم للوقوف طوال الطريق والبعض الآخر همّ بالنزول وانتظار وصول قطار آخر مكيف في ظل ارتفاع درجات الحرارة العالية وتعطل التكييفات، وبالداخل الرائحة الكريهة لاتكاد تطاق داخل دورتي المياة المتواجدتين بين العربات وحوض مياة متهالك، والمياه تغرق الأرضية ووسط الطرقة الضيقة الكائنة بين العربات ودورتي المياة توجد سيدة أربعينية نائمة وبجانبها كرتونة فارغة وأخرى عليها بعض المناديل الورقية «للتسول» لزوم «لم الغلة». ركاب القطارات: "الوضع داخل العربات زي الزفت والخدمة أسوأ من الأول والتكييف بينقط علينا ميّة" أول القصيدة كفر كما يقولون، فأول ما يضع الراكب قدمه داخل القطار المكيف ويستقر على مقعده الخاص المطبوع رقمه على ظهر التذكرة «إن وجده» يفاجأ بالأبواب مفتوحة على مصراعيها ما بين داخل وخارج وواقف أمامه يتحدث مع أصدقاءه في ظل تشغيل التكييف المسدودة فتحاته وبدلا من إصلاحها قام الفنيون بفتح عازلا ما بين الألواح وبعضها البعض عبر وضع زجاجات المياة وأوراق الكرتون فيما بينها، والمقاعد عكسية علي غير وضعها الطبيعي في ظل غياب عمال النظافة أو ما يطلقون عليه «عامل السفاري» أو فراش العربات، بالإضافة إلى تحطم شراعات بعض النوافذ الزجاجية والستائر مسدلة ولا تقي الركاب من حرارة الشمس التي تنعكس علي وجوههم بداخل العربات، الأمر الذي دفع أحد الركاب ويدعى عمر عز الدين وهو شاب ثلاثيني معتاد السفر علي هذا الخط «المنصورة -القاهرة مكيف» بعد أن فاض به الكيل من فشل منظومة التطوير، رغم الزيادة الأخيرة في أسعار التذاكر ليختصر حال تلك القطارات المكيفة بقوله : «طبعا قطارات زي الزفت لا زيادة نافعة ولا تطوير شافع والوضع بقي أسوأ من الأول بكتير والتكييفات بتنقط علينا ميّة طول الطريق ومش معانا فلوس تذكرة واحدة لقطار الvip بتاع الباشوات اللي واجعين دماغنا بيه». وقال آخر مقاطعًا وهو يتصفح إحدى الجرائد القومية «المشكلة إننا عاوزين الدولة تتحرك بسرعة الصاروخ والحكومة اللي لسه مكملتش أسبوع تعمل المستحيل عشان نرتاح واحنا بنمشي بسرعة السلحفاة وبعدين الرئيس استلم الدولة خرابة من غير أي موارد والحكومة لسة بتلملم أوراقها.. فلازم نصبر عليهم شوية ونتحمل علشان يحصل التطوير اللي احنا ياما طالبنا به سنين قبل كده دون أدني استجابة». وخلال حديثنا مع أحدهم كان أخرون يدخلون بكثافة إلى العربات المكيفة هربًا من زحمة عربات الدرجة الثانية العادية ويستولون على المقاعد المحجوزة بأرقام أصحابها وهو ما دفع بعضهم للاستغاثة بمحصل التذاكر الذي طالبهم باللجوء إلى شرطة القطار حتى يمر على جميع الركاب ويحصل من المتهربين غرامة مالية وبعد محاولات مضنية باءت بالفشل من البحث عن أحد مفتشي هيئة السكة الحديد، واضطروا مجبرين على الوقوف داخل طرقات العربات طوال الطريق، بينما اكتفى البعض الآخر بالجلوس على الأرض خلف المقاعد الأخيرة بجوار الباب الداخلي للعربة المكيفة. متسولون يطوفون العربات المكيفة والأمن غائب «استنى شوية يابني لما المخفي اللي جوه يمشي».. عبارة كانت ترددها نجاة، على مسامع ابنها الصغير وهي تتحرك كالسلحفاة بين عربات القطار في إشارة إلى بائع «السمسية والحمصية والمشبك» المتجول الذي يطوف على العربات لعرض بضاعته على جموع الركاب، دقائق ودخلت تلك السيدة الأربعينية التي كانت ترتدي عبائة سوداء وتحمل على كتفيها أحد الأطفال الذين لم يكفون عن البكاء خلال مرورها على الركاب، وهي تردد الأكليشيه المحفوظ للشحاذة «راضيني بأي حاجة يا أستاذ، أي حاجة لله والنبي أنا باجري على يتامى وجوزي عنده الفيروس» وهي تحمل في يديها إحدى «روشتات» العلاج لشخص مريض بسرطان الدم تقول أنه زوجها، وبخروجها دخل بائع الجرائد ليمارس دوره هو الأخر المعتاد كل يوم في ظل غياب الرقابة والأمن المشرفين على القطار. أحد مفتشي الهيئة ل«التحرير»: غياب الربط بين «الشباك» و«الشرطة»و«ناظر المحطة» حوّل القطارات إلى «سويقة». الصدفة وحدها من جمعت المحرر بأحد مفتشي الهيئة بالقاهرة على مقعد الرحلة رقم «466» «المنصورة- القاهرة» أثناء رصد ردود أفعال الركاب على قرار هيئة السكك الحديدية بتطبيق زيادة جديدة على أسعار تذاكر القطارات المكيفة والمميزة بنسبة 20% إضافية على قيمة كل تذكرة، في ظل بقاء الوضع على ما هو عليه داخل العربات، ذلك المفتش الذي كان يستقل القطار مثله مثل باقي الركاب ويعمل في هيئة تفتيش القاهرة منذ ما يزيد عن عشرين عاما أكد ل«التحرير» أن الهيئة «ماشية بالبركة» والقطارات تسير بمبدأ «اللي يلحق» و«لو لقيت مكان فاضي اقعد فيه» في ظل غياب الشرطة رغم أن كل قطار من المفترض أنه مخصص له حراسته، فضلا عن افتقاد الرقابة على شبابيك التذاكر من قبل نظار المحطات وانعدام الربط ما بين الثلاثة أطراف «الشباك، الشرطة، الناظر»، فالأخير يفتش على شباك التذاكر المغلق والشرطة تتابع كل قطار ما إذا كان قد تم استيفاء الحجز عليه من عدمه، بالإضافة إلى دورها الأهم في المرور مع «الكمسري» أو المحصل على العربات لحمايته والركاب من البلطجية الذين يتسللون فيما بين القطارات المكيفة في غيبة شبه تامة من مباحث السكة الحديد. وأضاف المفتش الذي تحفظ على ذكر اسمه أن الرقابة على القطارات لا تجري إلا على الورق فقط بينما الوضع داخل العربات «بزرميط» ويسير من سئ إلى أسوأ، كما أن غياب هيئات التفتيش على شركة النظافة الخارجية فراشي العربات السبب الرئيسي في افتقاد النظافة الكافية داخل العربات المكيفة والقطارات المميزة ودورات المياه غير الآدمية بالمرة، فلا يوجد عامل نظافة واحد في الفروع أو التوربينات الكبرى على الخطوط الفردية أو المزدوجة على حد سواء، مطالبا بزيادة أعداد القطارات المكيفة لتلبية الطلب المتزايد عليها وسد العجز في أعداد التذاكر، خاصة خلال المواسم والأجازات التي يتزايد فيها الطلب على التذاكر ولا توجد خدمات كافية تغطي الزيادة الجارية في أسعار التذاكر، وكذلك نقص العمالة داخل الهيئة وتجاوز نسبة العجز ال 90 % في ظل ضعف الإمكانيات وتعثر الخدمات وهو ما يتسبب في تكرار الأعطال وتزايد الحوادث من حين لآخر. وقبل أن يصل القطار إلى محطته الأخيرة حاول أحد الباعة الجائلين الذين كانوا يمرون بين العربات المكيفة ويحمل علامة مميزة في وجهه مثل المسجلين خطر، الاعتداء على محرر الجريدة بعد رفض الأخير حذف صورته التي التقطها له خلال جولته بين الركاب دون رقابة أو تأمين من قبل مباحث السكة الحديد لسلامة الركاب، ولكن المفتش الذي تحدثنا معه منذ لحظات، أخبره أنه «مباحث» وطالبه أن يخرج من العربة حتى لا يتم القبض عليه. * * * * * * * * * * * * * * * * * *