الصور المخزية للمرشحين المفترضين في الانتخابات البرلمانية المقبلة وهم يتصارعون ويتضاربون ويقفزون من الشبابيك أمام مقار المحاكم في اليوم الأول لفتح باب الترشيح هي خير دليل على عقم النظام الفردي الذي تمسك به رئيس الجمهورية ورفض كل محاولات الأحزاب لتعديله على مدى نحو عامين. ما الذي يدفع هؤلاء لكل هذا التطاحن والتقاتل من أجل تقديم أوراق ترشيحهم بينما هم يعرفون غالبًا أنهم لن يتمكنوا من الفوز بالمقعد؟ وما هي نظرة هؤلاء ومفهومهم لأهمية البرلمان والعملية السياسية برمتها؟ وغالبًا، فإن من تدافعوا وتضاربوا، بل وقرروا أن يبيتوا ليلتهم أمام مقر مقر تقديم الأوراق، لا يعتبرون أن للبرلمان علاقة بالسياسة من الأساس، فخوض الانتخابات بالنسبة لهم هو نوع الوجاهة الإجتماعية، وتعبير عن السعي والطموح للالتحاق بدوائر السلطة لتحقيق مصالح شخصية، أو أخرى ضيقة ترتبط بالمجتمع المحلي الذي أتوا منه. وبينما يتفاخر الرئيس السيسي دائما بأنه دعمه يأتي مباشرة من الشعب، وأنه لا علاقة له بأي حزب أو تيار سياسي، فإن طموح غالبية هؤلاء المرشحين هو أن يصبحوا رجال الرئيس، وربما يشكلون حزبًا يعلن أن فكره السياسي هو دعم سياسات الرئيس، وحتى لو لم يرغب الرئيس نفسه في تولي قيادة هذا الحزب. النظام الفردي يرسخ أيضا الانطباع أن البرلمان المقبل، كما كل البرلمانات السابقة منذ حل الأحزاب وإنشاء نظام الحزب الواحد في 1954، هو في أقرب إلى مجلس محلي على المستوى القومي، همه الأساسي تقديم الخدمات لأهالي الدوائر التي يتبعها النواب، من قبيل المدارس والمستشفيات والصرف الصحي والمساجد، أو توفير عدة عشرات أو مئات من الوظائف في الهيئات الحكومية. والبرلمان المكون من أفراد لا صلة بينهم ولا رابط فكري أو سياسي سوى أنهم جميعا أنفقوا ملايين الجنيهات أملا وطمعا في الكرسي الذي سيقربهم من دوائر الحكم والصفقات والعمولات والأراضي، لن يشاء أعضاءه طبعا أن يزعجوا النظام أوالرئيس والحكومة برقابة حقيقية على انفاقهم ومشاريعهم وخططهم، أو أن يبادروا بتقديم مشاريع قوانين مفصلة تترجم ما ورد في الدستور من تعهدات ومبادئ عامة. لم نتعلم من دروس الماضي، بل إن دروس الماضي ربما تكون هي ما يدفع النظام الحالي إلى تكرار نفس التجربة، فالبرلمانات الماضية كانت مسالمة وأليفة، ويتم إقرار التشريعات القادمة من الرئيس والحكومة من دون حتى أن يهتم رئيس المجلس بالنظر إلى نتيجة تصويت النواب لأنه يعلم علم اليقين أنهم موافقون سلفا ودائما. لم نتعلم أن النظام الفردي القائم على مرشحين بعيدين عن السياسة أو تمثيل مصالح قطاعات واسعة من المجتمع هو من أنتج لنا نواب الكيف والقروض والتهرب من الخدمة العسكرية والأميين ممن زوروا شهادات علمية لكي يتمكنوا من ملء مقعد البرلمان الوثير. تبرر الحكومة اعتماد النظام الفردي بأن الأحزاب ضعيفة ولا وجود لها في الشارع، وتنسى أن قانون الانتخابات كان يمكن أن يمثل الخطوة الأولى نحو دعم هذه الأحزاب وتطويرها حتى نتمكن من بناء النظام الديمقراطي السليم الذي يتم فيه محاسبة الجميع. الكثير من الأحزاب لديها بعض من أفضل كوادر مصر وخبراءها، رجال وسيدات وشباب، ولكن هؤلاء بالطبع لا طاقة لهم ولا قدرة لا على خوض خناقات البرلمان الطاحنة أمام مقرات المحاكم، ولا لديهم المال الذي يمكنهم من تقديم خدمات سخية لشراء أصوات الناخبين، سواء زيت سكر أو سوفالدي وفياجرا. ولكن النظام لا يريد أن يحاسبه أحد، ولذلك يفضل المرشحين الأفراد الذين لا يوجد لديهم برنامج سوى الثقة العمياء في الرئيس ووعوده. مبروك برلمان 2010 في 2015.