محمد عبد النبى: حماس اللعب أنهى فكرة وجود مدرس وتلاميذ الفكرة بدأت معه منذ عدة سنوات ماضية، تحديدا فى 2009، ورشة للكتابة الإبداعية تجمع الشباب الراغب فى تنمية مهاراته الكتابية، أطلق عليها اسم «الحكاية وما فيها».. إنه القاص والمترجم محمد عبد النبى، الذى آمن بحلمه وسعى بكل الطرق إلى تحقيقه على أرض الواقع. يحكى عبد النبى قائلا: كان حلمى هو أن أثبت لنفسى وللآخرين أن الكتابة ليست شأنا مقدسا وقدرة سحرية يُولد الإنسان وهو يمتلكها أو لا يمتلكها للأبد، بل إن هناك من التقنيات والوسائل والحيل ما يقرّب راغبى الكتابة إلى مرحلة أقرب للاحترافية. بعد حضور عبد النبى أكثر من ورشة كمتدرب، سواء فى فن الكتابة الدرامية للمسرح «فى تونس، مسرح الحمرا» أو للكتابة الأدبية «ورشة قصيرة بإشراف المورد الثقافى فى البحرين»، ومع اطلاعه على الكثير من الكتب والمصادر ومواقع الإنترنت التى تهدف لتطوير تقنيات الكتابة السردية رغب فى نقلها للشباب والمبتدئين، خصوصا بعد أن بدأ فى مصر ظهور بعض التجارب المماثلة مثل تجربة ياسر عبد اللطيف مع مكتبة الكتب خان. هذه الأيام تم الاحتفال بتخرج الدفعة الخامسة فى «ورشة الحكاية وما فيها»، أربع دفعات سبقتها، عندما يتذكر عبد النبى البدايات يبتسم قليلا وهو يقول «قررت أن أتعلم من التجربة وأن أحاول الاستمرار، لم أفكر كثيرا فى عدد الدفعات أو الحرص على الاستمرار، لكننى ما زلت أطمح فى تحويل ورشة الحكاية وما فيها إلى مركز تعليمى من نوع ما، يهتم بتعليم أنواع مختلفة من الكتابة الأدبية والدرامية وغير الأدبية كذلك. «اللعب».. هكذا يجيب عن سؤال ماذا تفعلون فى الورشة؟ مضيفا نمارس لعبتنا، لعبة الكتابة بمنتهى الجدية، وأظن أننا استمتعنا إلى أقصى حد بهذه اللعبة. حماس اللعب أنهى فكرة وجود مدرس وتلاميذ، وهو الدور الذى كنت أضحك من نفسى عندما أتخيلنى ألعبه، كنا مجموعة من الرفاق يجمعهم الهوس نفسه، هوس الكتابة. درسنا معا جوانب اللعبة القصصية من شخصية، وحوار، ورسم مشاهد وغير ذلك، ونفذنا تمرينات كتابة أخذناها عن بعض المصادر، وأخرى ابتكرناها بأنفسنا، فكتبنا انطلاقا من أخبار فى صفحة الحوادث أو لوحة لبيكاسو أو مقطوعة موسيقية قصيرة تصحبها مغنية تغنى بلغة لا نفهم منها كلمة واحدة. ورشة الدفعة الخامسة أقيمت فى مركز مساحة بعابدين، شارع هادئ قريب من القصر الجمهورى، مدخل عمارة قديمة تعود إلى خمسينيات القرن الماضى، بسلالم تآكلت حوافها تقودك إلى الدور الأول، حيث لكل شقة بابان أحدهما خاص بحجرة الضيوف، فى هذه الحجرة تحديدا وحول طاولة كبيرة تحتل نصف مساحتها، يلتف أعضاء الورشة كل يوم أحد فى السابعة مساء، هناك بعض القواعد يجب الالتزام بها منها، ممنوع التدخين إلا فى فترة الاستراحة وفى البلكونة، هناك واجبات وقتية تتضمن كتابة نص من بضعة سطور بالإضافة إلى مشروع التخرج، الذى يتم العمل عليه وتعديله وتنقيحه مع كل لقاء حتى اكتماله فى نهاية الورشة. محمد عبد النبى يوضح أن فكرة الورشة ليست جديدة مئة بالمئة على المجتمع المصرى، لكنها كانت تأخذ شكلا مختلفا، فهناك ورش جماعية لكتابة السيناريو مثلا أو صالونات أدبية يشرف عليها أديب كبير، لكن الشكل المنظم لفكرة التعليم والتعلم أحدث نسبيا خصوصا فى الكتابة الأدبية، لا أستطيع أن أحدد مدى نجاح تجربتى الخاصة، لكن تجربة الورش الأدبية عموما تحقق نجاحا لا بأس به فى مصر والعالم العربى، إلى درجة دفعت إدارة جائزة البوكر إلى تنظيم ورشة أدبية سنوية على هامش الجائزة، يتعهد فيها اثنان من مبدعى البوكر مجموعة من الشباب بالرعاية والتوجيه لفترة حتى يتم إنتاج نص لهم خلال الورشة. لكن، ما تستفيده من الورشة؟ يقول عبد النبى تساعدنى الورشة على البقاء شابا متدفق الحيوية من ناحية الوعى بالكتابة والتفكير فى مشكلاتها وتحدياتها، باختصار أن لا أتكلس وأكرر نفسى، وذلك بالاقتراب الدائم من حماس الشباب وارتباكهم وعدم يقينهم ودهشة أسئلتهم. المكان كان هو المشكلة الكبرى فى تاريخ الورشة، كل مرة كان يحلها بصورة ما، وسرعان ما يكتشف أنه لم يكن حلا موفقا تماما، الدفعة الثالثة كان حظها سيئا، تشردوا بين عدة أماكن وفى النهاية لم يجدوا أمامهم سوى المقاهى يجتمعون عليها، لم تكتمل هذه الدفعة، ولم يتخرج منها أحد، هناك أيضا مشكلة انتظام بعض الأعضاء فى الحضور، لكن أهم مشكلة بالنسبة لعبد النبى هى عدم تكرار نفسه كالببغاء. يفتخر عبد النبى بخريجى الورشة قائلا «بعضهم استمر فى الكتابة وصدرت لهم أعمال بالفعل، ومؤخرا حصل محمد فاروق خريج أول دفعة على «جائزة ساويرس» فى القصة القصيرة المركز الثانى، وما زال الكثير منهم يكتب، وإن لم ينشر شيئا، ومع ذلك فالبعض بكل تأكيد سينسى الموضوع مع الوقت، ربما لاكتشافهم أنه ليس شغفهم الحقيقى فى الحياة».