فى ظل انفلات الأسعار الذى يستنزف جيوب المواطنين ويلهب ظهور الفقراء ومحدودى الدخل تشتد الحاجة إلى تفعيل دور الجمعيات العاملة فى مجال حماية المستهلك، خصوصا أنها تعمل فى مصر منذ عام 1996، ولكن ما زالت هذه الجمعيات تقوم بدور الواعظ فقط، وليس لها أى دور مفعل واقعيا للقضاء على جشع التجار. «التحرير» حاورت الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك ونائب رئيس الاتحاد العربى لحماية المستهلك ومقررة المجلس القومى للمرأة، للتعرف على الدور الرئيسى لجمعيات حماية المستهلك للحد من غلاء الأسعار والانتقادات التى تم توجيهها لها نظرا لزيادة عددها فى مصر. ■ فى البداية، ما تقييمك لحالة الأسواق حاليا والزيادة المستمرة فى الأسعار؟ - لا شك أن الأسواق شهدت زيادة غير طبيعية فى الأسعار خلال الفترة الأخيرة، وذلك على الرغم من تصريحات وزير التموين الدكتور خالد حنفى بعدم وجود أى زيادات فى الأسعار، ولكن هناك زيادة ملموسة فى عديد من السلع الغذائية، إذ إن ارتفاع الأسعار لا يشمل سلعة واحدة ولكنه شمل غالبية السلع، كما أن مشكلة الأسعار تكمن فى أنه كلما زاد سعر سلعة ما ارتفعت بعدها أسعار السلع الأخرى، وعلى سبيل المثال فقد قامت إحدى شركات التعبئة الخاصة بإنتاج الزيت والسكر والأرز والبقوليات برفع سعر كيلو الأرز ليباع بنحو 7 جنيهات، وذلك بعد أن كان سعره يبلغ نحو 6 جنيهات، أى أن الشركة قامت بزيادة السعر بنسبة بلغت نحو 20%. وعندما حدثت أزمة الطماطم وارتفع سعرها ليتخطى حاجز ال10 جنيهات للكيلو ارتفع أيضا سعر الصلصة بنسبة بلغت نحو 20%، وتبع ذلك زيادة أسعار اللحوم والدواجن والأسماك وغيرها من السلع الغذائية الأخرى، وبالتالى فلا تعقل تصريحات وزير التموين بعدم وجود أى زيادة فى الأسعار. ■ وماذا عن تصريحات وزير التموين بتخفيض 25% على الأسعار فى المجمعات الاستهلاكية؟ - كلام غير صحيح.. خصوصا أننى أنا شخصيا قمت بزيارة أحد المجمعات الاستهلاكية للتعرف على الأسعار ووجدت أن التخفيض مكتوب فقط على أسعار الخضراوات والفاكهة، بينما السلع الأخرى كاللحوم والدواجن وغيرها ليس عليها أى تخفيض، بل إنها تباع بأسعار قد تكون أعلى من سعر السوق. ■ ما دور جمعيات حماية المستهلك تجاه هذه الزيادة غير المبررة؟ - الاتحاد قام بتقديم مجموعة من المقترحات فى محاولة منه لمحاربة ارتفاع الأسعار، ومنها زيادة المعروض من السلع الغذائية فى الأسواق، بالإضافة إلى قيام الشركات بشراء السلع مباشرة من المنتج، ثم قيامها بعمل خطوط إنتاج لبعض السلع بحيث تكون لصالح المجمعات الاستهلاكية على سبيل المثال. ■ أين دور وزارة التموين من ذلك؟ - وزارة التموين لديها المجمعات الاستهلاكية ولديها شركات الجملة ولديها بعض أنواع المصانع التى تمد هذه المجمعات بالمنتجات المختلفة، فدورها يتمثل فى عرض هذه المنتجات المختلفة، وهذا فى حد ذاته يقوم بعمل توازن للأسعار فى السوق المصرية، وفى نفس الوقت تستطيع أن تقوم بشراء كميات كبيرة من السلع بالأمر المباشر، وتستطيع التفاوض على الأسعار ويكون لها ميزة نسبية فى الأسعار المخفضة، خصوصا بعد عمل منظومة التموين، وأن بقالى التموين أصبحوا بقالين عاديين. أيضا لوزارة التموين دور رقابى يتمثل فى إدارات الغش التجارى ومصلحة الموازين والدمغة ومباحث التموين، كل ذلك تحت عباءة وزارة التموين والتجارة الداخلية. ■ من وجهة نظرك، كيف تحارب الحكومة جشع التجار؟ - على الحكومة أن تكون لاعبا رئيسيا فى عملية التوازن، فلا بد أن تكون هناك بورصة لأسعار المنتجات الزراعية وغير الزراعية، وهذا سيؤدى إلى إعلام المستهلك بأسعار هذه السلع قبل شرائها، وفى نفس الوقت ستعطى للتاجر ومن يتعامل مع هذه السلع الأسعار المبدئية التى على أساسها يتم البيع والشراء ويكون لديه مرجعية فى ما يخص الأسعار. ■ بعض التجار يتذرعون بسعر الدولار لرفع الأسعار وتحقيق كثير من المكاسب.. فكيف ترى الحل؟ - المشكلة أن زيادة سعر سلعة واحدة يؤدى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع، وكان الاتحاد قد تقدم بمقترح إلى وزارة التموين لوضع سقف لزيادة أسعار أهم 10 سلع لدى المواطن، منها الزيت والسكر والأرز والمكرونة والدقيق والعدس والفول، غير أن الوزارة لم تستجب، وكان من المفترض تحديد نسبة زيادة سعر السلع التى تعتمد على مكون أجنبى بنفس نسبة زيادة سعر الدولار، ولكن ما يحدث الآن فوضى، فكل تاجر يرفع السعر على مزاجه. ■ ما علاقة زيادة الأسعار بارتفاع الدولار؟ - الدولار يعتبر شريكا أساسيا فى تعاملاتنا الشرائية الخارجية، خصوصا لأننا نستورد أكثر من نحو 60% من احتياجاتنا فى شكل سلع أو مكونات إنتاج، وبالتالى فارتفاع الدولار بلا شك سيؤثر على قيمة وسعر السلع، كما أن هناك بعض السلع يرتبط ارتفاعها فى بعض الأوقات بارتفاع الدولار، وذلك فى حالة استخدام المبيدات والتقاوى المستوردة، وبالتالى فالذى يقوم برفع السعر هو الفلاح، ثم يقوم التاجر بشراء المنتج منه، ويقوم برفع السعر على المستهلك النهائى، فالحلقات الوسيطة بين المنتج والمستهلك هى التى تتسبب فى زيادة الأسعار. ■ كيف تواجه الحكومة هذه الحلقات الوسيطة؟ - على الحكومة أن تفعل مسألة «من المنتج إلى المستهلك» مباشرة وتقليل حلقات التداول بين المنتجين والتجار والمستهلكين، وهو ما سيعود على المواطن بتقليل أسعار هذه السلع، كما أنه لا بد أن تتعاقد المجمعات الاستهلاكية مباشرة مع الفلاحين ودون أى وسطاء، أيضا يجب أن يكون هناك تنسيق بين وزارات الزراعة والتموين والصناعة، بحيث إن هذا التنسيق سيساعد فى ربط السوق الداخلية ربطا شاملة فى كل الأنواع المستخدمة مع توسيع رقعة الانتشار والتوزيع، ولا بد من وضع معايير محددة لزيادة الأسعار، فهناك بعض الدول تقوم بوضع حد أدنى للمكسب الخاص بكل سلعة، كما أن الاتحاد قد طالب ببيع كل السلع مثل السلع النمطية والتى تباع بسعر البيع للمستهلك مثل الأدوية وغيرها، وذلك منعا لاستغلال التجار، كما يجب تشجيع الشباب لعمل مشروعات صغيرة لتوزيع السلع الزراعية وشرائها من الفلاحين وبيعها لخلق موزعين صغار يكونون فى المستقبل تجارا كبارا بدلا من احتكارها على فئة بعينها، بالإضافة إلى أهمية وعى المستهلك بأنه لا يشترى السلع فى وقت البشاير ويستخدم البدائل، أيضا لا بد أن يقلل استهلاكه من شراء الكميات الكبيرة من المنتجات، خصوصا القابلة للتلف. ■ يرى البعض أن سلاح المقاطعة هو الأمثل لمواجهة غلاء الأسعار.. فهل تتفقين مع هذا الرأى؟ - المقاطعة أسلوب معترف به دوليا، ويعتبر ناجحا جدا بالنسبة إلى السلع سريعة التلف، ولكن المشكلة تكمن فى وعى المستهلك نفسه، إذ قام الاتحاد بعمل دراسة حول مدى استجابة المستهلك لفكرة المقاطعة، ووجدنا أن هذا الأسلوب غير مُجدٍ بالنسبة إلى غالبية المستهلكين، خصوصا أنه عندما يرتفع سعر سلعة معينة ترتفع أيضا أسعار سلع أخرى، وبالتالى فلا يستطيع المواطن القيام بمقاطعة كل السلع الغذائية مرة واحدة، ولكننا وجدنا أن أسلوب المقاطعة نجح بشكل كبير بالنسبة للسلع سريعة التلف مثل الخضار والفاكهة والأسماك والبيض والألبان، وفى نفس الوقت لا بد من وجود بدائل أخرى لهذه السلع حتى ينجح أسلوب المقاطعة. ■ كيف يمكن السيطرة على انفلات الأسعار فى السوق المصرية؟ - لا بد من وجود بورصة للأسعار معتمدة تحدد من خلالها أسعار السلع، وكذلك تنشيط التعاونيات الاستهلاكية كمنافذ بيع للسلع وزيادة المعروض من السلع الاستهلاكية من الجهات المنتجة من وزارة الزراعة أو مزارع القوات المسلحة أو التعاونيات الزراعية والثروة المائية وغيرها، بحيث تقلل من الزيادة المفتعلة فى الأسعار، ومن جانب آخر لا بد من توعية المستهلكين بتغيير ثقافة المجتمع فى الاستهلاك واتباع الأسلوب الأمثل فى التعامل مع السوق لتقويض إهدار المنتج أو استهلاك زائد عن الحاجة، وكذلك تغيير ثقافة البائع من حيث بيع كميات أقل حسب حاجة المستهلك. ■ متى يعود الانضباط إلى السوق المصرية؟ - عندما تتوافر الإرادة السياسية لانضباط السوق وحماية المستهلك المصرى، وعندما يتم أيضا تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك. ■ كم عدد جمعيات حماية المستهلك فى مصر؟ - 59 جمعية. ■ وهل تقوم كل تلك الجمعيات بدورها؟ - لا طبعا، فهناك جمعيات لا تعمل فى المجال، ويوجد بعض الجمعيات لها أنشطة أخرى بجانب حماية المستهلك. ■ ما تقييمك لعمل جمعيات حماية المستهلك؟ - نحن نعمل بقدر الإمكان، ولكن للأسف جمعيات حماية المستهلك ليس لديها موارد مالية خاصة بها، فعمل هذه الجمعيات يعتمد على التمويل الذاتى لأعضائها، ولكن ليس هناك نشاط اقتصادى لهذه الجمعيات بحيث نمول من خلاله القضايا التى ترفعها هذه الجمعيات لصالح المستهلكين نظرا لوجود رسوم إدارية ورسوم محامين وغيرها، وهذه هى المشكلة الرئيسية لدى هذه الجمعيات التى تعوق عملها. ■ هناك انتقادات كثيرة تم توجيهها لجمعيات حماية المستهلك.. ما رأيك؟ - أولا.. يجب أن يكون معلوما لدى الجميع أن هذه الجمعيات مصنفة كجمعيات أهلية ثقافية حقوقية فى المقام الأول، ودور هذه الجمعيات الأساسى هو القيام برفع وعى المستهلك، وتوصيل الحقائق والمعلومات له، كما أن الجمعيات ليس لديها حق الضبطية القضائية، ولكننا نتعاون مع الجهات الأخرى التى لها هذا الحق. ■ فى الفترة الأخيرة ظهرت مجموعة من الجمعيات الأهلية تحت التأسيس مثل الجهاز الوطنى لحماية المستهلك.. ما الشكل القانونى له؟ - عضوية المركز لا بد أن تكون من خلال الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك وليس جهاز حماية المستهلك، خصوصا أنه ليس له أى سلطة فى أن يقبل جمعيات أم لا، والمركز الوطنى يعتبر جمعية أهلية ويجب أن يقوم المؤسس بإشهار المركز أولا، ثم نقوم بقبوله فى عضوية الاتحاد. ■ ما حقيقة الخلاف بين المركز وجهاز حماية المستهلك؟ - الخلاف يرجع إلى قيام مؤسس المركز بمهاجمة جهاز حماية المستهلك، وذلك من خلال قيامه بنشر بيانات ومعلومات خاطئة ودون وجود إثبات رسمى لها، خصوصا أنه لا بد أن تكون هذه البيانات بناءً على دراسة علمية، وذلك تجنبا لحدوث أى مشكلات.