يعدّ الإرهاب والثورة شكلين من أشكال العنف السياسى، ويحاول بعض من يمارسون الإرهاب أن يلصقوا أعمالهم بأوصاف ثورية وبأسباب ثورية، ولكن قبل أن نفصّل المعانى والحدود الفاصلة بين المفهومين، علينا أن نوضّح أولًا أن العنف السياسى هو نوع من العنف خارج سيطرة الدولة وله عدة دوافع، لأنه من المهم أن ندرك ما الذى يدفع مواطنين إلى حمل السلاح ضد الدولة أو مواطنيها من أجل هدف سياسى معين، ولذلك يمكننا أن نرجع ذلك إلى أسباب «مؤسساتية»، وهى عدم قدرة الأفراد أو المجموعات على العمل فى ظل المؤسسات القائمة، أو أن المؤسسات تشجّع العنف بتقييد العمل الإنسانى مما يؤدى إلى رد فعل عنيف، أو أسباب «فكرية» تبرر وتشجّع أعمال العنف مثل بعض التيارات الأصولية والنزعات القومية، والسبب الثالث سبب «فردى» لعوامل نفسية شخصية يمكن أن تقود الناس إلى ممارسة العنف، مثل تجارب شخصية مع الدولة تعرض فيها المواطن للإقصاء أو المهانة أو سلب الحق. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نشرع فى الكلام عن مصطلحَى الثورة والإرهاب، حيث يحمل مصطلح الثورة أكثر من دلالة، باعتباره شكلا من أشكال العنف السياسى، وغالبا ما يوصف كل نوع من التغيير الجوهرى بأنه ثورى، ونتيجة لذلك عادة ما يكون لمصطلح الثورة دلالات إيجابية تشير إلى التقدم، وبشكل أكثر تحديدا يمكننا القول إن المصطلح يعنى استيلاء الشعب على الدولة من أجل الإطاحة بالحكومة والنظام القائم، وهو ما يرتبط بالاستقلال والسيادة والتنمية. أما الإرهاب فيختلف عن الثورة من حيث إنه العنف الذى تستخدمه عناصر ليست جزءا من الدولة ضد المدنيين لتحقيق هدف سياسى، وهو ما ينطبق على مواطنى الدولة وغير المواطنين، وتتركز الأعمال الإرهابية باستهداف المدنيين، لأنهم يؤمنون أن هذه الوسيلة هى الأنجح فى الضغط للوصول إلى أهدافهم السياسية أكثر من الهجوم على الدولة نفسها، إما استسهال وإما لعدم القدرة على فعل ذلك من الأساس، وهو ما يشدنا إلى التفرقة بين الإرهاب وحرب العصابات التى تشمل مقاتلين من خارج إطار الدولة يقبلون بقوانين الحرب التقليدية ويستهدفون الدولة ورموزها وجيشها وشرطتها بدلًا من المدنيين. أردت بهذه التعريفات أن أصيب أكثر من هدف، فأولا وقف أى محاولة من أى تيار لوصف ما يحدث فى مصر من عنف أنه من قبيل الأعمال الثورية أو الاحتجاجية، ثانيا وهو الأهم أن التعريفات المحددة تجعل مَن يبحث عن حلول واقفا على أرض أكثر صلابة تجعله أكثر قدرة على اقتراح أو تخطيط طرائق واقعية وحلول قابلة للتنفيذ، بدلًا من الحلول سابقة الإعداد على شاكلة الحلول الاقتصادية والفكرية والاحتواء وقبول الآخر وعدم الإقصاء والاندماج فى الحياه السياسية و و.. إن مجابهة الإرهاب بالفكر أو حرب العصابات بالإدماج السياسى كمن يقيس المسافة بين نقطتين «بالكيلوجرام»، وذلك إهدار لمعايير القياس، ويؤدى حتما إلى نتائج افتراضية غير صحيحة، وذلك النوع من اللغو غير المسموح به فى هذه المرحلة الدقيقة، وهو إن طُرح عن جهل فلا يجب تمريره بتباسط، وإلا استفحل وأصبح مضغة فى فم مَن أطلقه ومَن استساغه، وإن طُرح عن قصد فيجب التعامل معه بنفس قدر التعامل مع الإرهابيين ومقاتلى حرب العصابات، لأنه يأتى فى إطار التحريض أو المساندة أو الدعم السياسى والإعلامى لمَن يمارس العنف ضد المواطنين أو ضد المؤسسة العسكرية أو الشرطة.