فى عام 2009، أصدرت الصديقة العزيزة الدكتورة نادية البنهاوى، كتابها القيم «جمال البنا مفكرا وداعية». وثمة اختلافات بين المفكر، والداعية، لكن أستاذنا كان باحثا مجتهدا، ومفكرا حرا، وفى الوقت نفسه داعية لفكره الأصيل، واجتهاداته الفقهية والفكرية. وتُهدى المؤلفة كتابها إلى أجيال المستقبل ممن يسعون إلى الإسلام الحق، إسلام الله ورسوله، لا إسلام الفقهاء الذين شوهوه. ويتناول الكتاب مجموعة من القضايا الجوهرية التى شغلت حياة جمال البنا وفكره، وهى: الإنسان المستخلَف، وحرية الفكر والاعتقاد، والعلمانية، والتعددية، والموقف من الآخر، والجهاد، والمرأة، وتجديد الفقه. وثمة اختلافات شخصية فى طبيعة الشهيد حسن البنا، وشقيقه الأصغر، فالأول قائد تنظيمى يجيد مخاطبة الناس وكسب حبهم واحترامهم، أما الآخر فغير معنى بالعمل التنظيمى، وإنما مهتم بالفكر والتنظير. ويرى مفكرنا الكبير أن الأوضاع (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية) القديمة أملت على فقهاء العصور الماضية مواقفهم، ومن ثم فلا يوجد مبرر للتمسك بأقوال الفقهاء، إذ إن الأصول التى وضعها القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم، أولى بالاتباع لأنها الإسلام الموضوعى المطلق الخالد، وليس الإسلام الذى أملته الأوضاع والضرورات وكبلته الأصفاد. ويميز أستاذنا بين العقيدة والشريعة والفقه، فالعقيدة إيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والشريعة هى الأعمال، والمعاملات، والعلاقات التى تربط بين الأفراد، وما بين الدولة والمجتمع، أما الفقه فهو ثلاثة مستويات، بناء على مصدره، فالأول قرآنى، والثانى نبوى، والثالث بشرى، أى فقه الفقهاء. ومنذ أن حول معاوية بن أبى سفيان الخلافة إلى ملك عضوض، وما مارسه الحكام المستبدون من موبقات، مثل قتل الحسين فى مذبحة كربلاء، وضرب الكعبة بالمنجنيق، وغزو المدينةالمنورة بطريقة همجية أبعد ما تكون عن الإسلام، وغيرها، لم يعد أمام الفقهاء سوى الشعائر الدينية، التى لا يعترض عليها الحكام، ولذلك تضخم فقه العبادات، وشوه شخصية المسلم تشويها وصل إلى العمق! إذ إن المسلم هو الذى يؤدى الشعائر ويقوم بالنوافل والمندوبات سواء كان جاهلا أو عالما، صادقا أو كاذبا، أمينا أو خائنا، ما دام أرسَلَ لحيته، وأعفَى شاربه وجعل همه المساجد يقصدها لكل صلاة. ويطيل ويتأنى ويصلى النوافل ثم يخرج مسبّحا محوقلا، فى حين أن هذا المسلك يناقض ما أراده الرسول للمسلم. فثمة أحاديث كثيرة تنفى صفة الإيمان عن المنافق أو الكذاب أو الخائن، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع. قال صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرح عليه، ثم طرح فى النار».. (صحيح الترمذى).