نصَّ قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نوفمبر 1947 على قيام دولة يهودية على مساحة نحو 56% من أرض فلسطين، ودولة عربية على نحو 43% مع تدويل منطقة القدس بمساحة نحو واحد بالمئة من أرض فلسطين. القرار لم يكن مقبولًا لا من العرب ولا اليهود، ولكن اليهود بقيادة بن جوريون قرروا عدم الإعلان عن رفض القرار، وترْك العرب يرفضون القرار، فيبدو اليهود فى صورة من يقبل بالقرار، ومن ثم يمكنهم توظيف هذا الموقف للحصول على الاعتراف الدولى بالدولة اليهودية، لأن قرار التقسيم كان ينص على الاعتراف بمن سيقبل القرار. كالعادة، ودون تفكير أو حتى تأمل بادر العرب برفض القرار، فأعلن بن جوريون قبوله، ومن ثم أُعلنت الدولة اليهودية وجرى الاعتراف بها، اندلعت حرب 1948، وتحركت الجيوش العربية صوب فلسطين لتحريرها بقيادة الجنرال الإنجليزى قائد الجيش العربى الأردنى، جلوب باشا، وتمكنت المنظمات الصهيونية من إيقاع الهزيمة بالجيوش العربية، واحتلت نصف المساحة المخصصة للدولة العربية، ولم يتبق للعرب سوى نحو 22% من أرض فلسطين ممثلة فى الضفة الغربية (نحو 6700 كيلو متر مربع) وقطاع غزة (ومساحته نحو 360 كيلو متر مربع)، تم وضع الضفة الغربية تحت إدارة الأردن، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية، مؤقتا إلى حين تحرير باقى أرض فلسطين، ومن ثم تُعلن الدولة المستقلة على كامل التراب الوطنى الفلسطينى. فى يونيو 1967 شنت إسرائيل عدوانها على الدول العربية المجاورة، فاحتلت ما تبقى من أرض فلسطين، أى الضفة الغربية والقطاع، وأيضا شبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا، وأجزاء من أراض لبنانية وأردنية. ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل ترفض فكرة وجود دولة فلسطينية، ترى أن فلسطين كانت أرضًا بلا شعب، «عاد» إليها الشعب اليهودى من شتاته، ومن ثم فلا مجال لقيام دولة فلسطينية. كان قادة الدولة العبرية يرفضون الاعتراف بوجود شعب فلسطينى، وعندما بدأت مفاوضات التسوية السياسية كانوا يطرحون فكرة حكم ذاتى للسكان لا الأرض. مؤخرا طوّر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو رؤيته بالتأكيد أنه لا توجد دولة فلسطينية، بل أكثر من كيان فلسطينى، وقال إن إسرائيل بإمكانها التعايش مع أكثر من كيان فلسطينى صغير ومحدود المساحة، كان يتحدث عن كيان فلسطين فى قطاع غزة، وكيانات أخرى صغيرة فى أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، كيانات معادية لبعضها البعض، متصارعة، يمكن أن تستعين بإسرائيل فى مواجهة بعضها البعض. ويبدو أننا الآن نشهد بدايات تحقق رؤية نتنياهو هذه، فحكومة حماس المقالة فى قطاع غزة بدأت تتصرف باعتبار غزة كيانًا مستقلًا، أحكمت سيطرتها عليه، وتعمل حاليا على الانفتاح على مصر للحصول على ما تريد بعيدًا عن المعابر مع إسرائيل، وحصلت على موافقة الرئيس محمد مرسى على إدخال ما تريد من خلال معبر رفح، وجاءت زيارة أمير قطر إلى القطاع عبر الأراضى المصرية لتؤكد هذا التوجه، فغزة بإمكانها الاستغناء تماما عن الضفة الغربية، تحصل على الأموال القطرية لإعادة الإعمار والتطوير والتنمية، وتطرح أفكارًا لإقامة منطقة تجارة حرة مع رفح المصرية، وربما العريش، وهناك من يرى إمكانية الحصول على قطعة من أرض سيناء لتوسيع حدود القطاع جنوبا، وهى فكرة طرحتها عناصر فلسطينية فى القطاع، وتداعب مخيلة بعض قادة حماس ويرون أن وجود الإخوان على رأس السلطة فى مصر اليوم يمكن أن يحوّل هذا الحلم إلى حقيقة. وإذا سارت التطورات على هذا النحو، فلن يكون هناك مجال للحديث عن دولة فلسطينية، أو وحدة الأراضى الفلسطينية، بل قطع متناثرة من الأراضى تقوم فيها سلطات محلية تمارس دورها الأقرب إلى الحكم الذاتى، تكون أشبه بكيانات تابعة لأمراء على غرار أمراء الطوائف الأندلسية، مآلها إلى الاضمحلال، فهل هذا ما تريده بالفعل حركة حماس، وهل تعى جماعة الإخوان وهى تمد يدها لحماس والقطاع بهذا السيناريو؟