بعد مائة يوم من وصول الرئيس محمد مرسي لحكم مصر، حان الوقت لإجراء أول تقييم للجهود الدبلوماسية لأول رئيس إخواني منتخب، كما يقول كريستوف عياد الكاتب الصحفي المتخصص في الشئون العربية والإفريقية في مقاله بصحيفة «لوموند» الفرنسية أمس الأول تحت عنوان « مصر تحت حكم مرسي والغرب». هنا تثور العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها على ساحة الحوار، فمصر التي تعد الدعامة الأولى للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن الماضي، والبلد الأكثر تعدادا سكانيا في العالم العربي، هل تغير فجأة المعسكر الخارجي المتحالفة معه؟ هل أصبح زعيم « العرب المعتدلين » عدوا للدولة اليهودية رافضا لاتفاقية كامب ديفيد ؟ هل ستتجه مصر لفتح حدودها على نحو واسع مع قطاع غزة والتحالف مع حماس؟ واخيرا هل ستتخلى مصر عن تحالفها مع الغرب وتنضم ل« لمحور المقاومة» بقيادة ايران الخومينية؟. يقول عياد إنه من الواضح الآن إن وصول حكم إسلامي على رأس مصر لم يؤدي إلى إنقلاب أو تغيير دبلوماسي واستراتيجي رأسا على عقب، بل إلى بداية لإعادة ترتيب الأوضاع، فمرسي الذي يعد أقل اتباعا للغرب مقارنة سلفه مبارك، لن يدير ظهره بالكامل للغرب. في هذا الاطار، يقول الدبلوماسي السابق وأستاذ العلوم السياسية جان بيير فيليو :« الإخوان المسلمون ليسوا خدم للغرب كما ادعى ناصر، كما انهم ليسوا عدوهم اللدود كما أراد مبارك أن يظهر الأمر كذلك، فإنهم في المقام الأول مصريون يمارسون السياسة السائدة في عالمهم العربي». وعلى صعيد ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية، يرى الكاتب أن الرئيس مرسي لعب بفطنة بهذا الخصوص من خلال مطالبته الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتنفيذ الكامل لاتفاقات كامب ديفيد نظرا لكونهم رعاتها، وبصفتهم أيضا الضامنين للأمر الذي يتم يتجاهله دائما ألا وهو الحكم الذاتي للأراضي الفلسطينية. يقودنا ذلك للحديث عن العلاقات المصرية الأمريكية، حيث يرى الكاتب إنه بعد شهر عسل طويل استمر طوال الصيف، تعرضت العلاقات الثنائية بين البلدين إلى اختبار بعد التظاهرات التي قام بها مايقرب من 200 أو 300 شخص أمام السفارة الأمريكية في 12 من سبتمبر الحالي عقب نشر الفيلم المسيء للرسول الذي صنعه أقباط متطرفين في ولاية كاليفورنيا. هنا، انزعجت واشنطن التي دعمت مرسي خلال الفترة الماضية من تقاعس الشرطة المصرية وصمت الرئيس مرسي الذي استمر على مدار 48 ساعة، في هذا السياق، يشير عياد إلى قيام أوباما في ظل خوضه لمنافسة انتخابية شديدة وملاقاته لضغط كبير من جانب الجمهوريين، باستغلال الفرصة لممارسة ضغط على مرسي بإعلانه إن مصر ليست عدوا ولا حليف، فهو يعلم جيدا إن الرئيس المصري يتوجب عليه إدارة أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة وبالتالي بحاجة للمعونة السنوية فضلا عن الاستثمارات الأمريكية كذلك. في المقابل، يوضح الكاتب أن مرسي قابل رد فعل أوباما بقوله خلال حواره مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عشية انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية يمكنها أن تمد يدها للتواصل مع مسلمين كما فعل باراك أوباما في خطابه السابق الذي ألقاه بجامعة القاهرة عام 2009 أو أن تساند الثورات العربية وإنهم لن يصلحوا من صورتهم في العالم العربي طالما استمر دعمهم للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. يضيف الكاتب في نهاية مقاله، إن الإخوان المسلمون لا يريدون قطع العلاقة أو الانفصال عن الغرب وإنما يسعون لأعادة التوازن لهذه العلاقة، مشيرا إلى أن زيارة مرسي للصين تعطي رسالة قوية في هذا السياق شأنها شأن زيارته لإيران وحضوره لقمة عدم الإنحياز التي أعلن فيها إدانته لنظام بشار الأسد في سوريا. ختاما يقول الكتب المتخصص في الشئون العربية والإفريقية : « من الواضح أن مصر الجديدة تتمنى أن تستعيد دورها بصفتها القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة وألا تنحاز لمعسكر دون الآخر وهو ما بدى من المبادرة التي أعلنتها مصر بشأن سوريا بالتعاون مع تركيا والسعودية، رغم أن فرص نجاح هذه المبادرة قليلة حيث أن هذه الدول الثلاث تحركها طموحات متماثلة وقد جعلوا من سوريا أرضا لتنافسهم».