أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات الجمعة 31 مايو    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يقصف المحافظة الوسطى قي غزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 1يونيو 2024| إنفوجراف    متحدث الحكومة: لن نرفع الدعم عن السولار لتأثيره على أسعار السلع والمواصلات    الرئيس السيسى يبحث مع رئيس مجموعة هندسة الطاقة الصينية التعاون المشترك    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أحمد حمدي يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك وشيكابالا يعلق على عقوبتي الشحات والشيبي    موعد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا بيساو في تصفيات كأس العالم 2026    من بكين.. رسائل السيسي لكبرى الشركات الصينية    حالة الطرق اليوم، سيولة مرورية في حركة السيارات بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    أصابة 4 أشخاص في تصادم سيارتين بالطريق الصحراوي بسوهاج    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    السيسي يلتقى رئيس الشركة الصينية العامة للهندسةالمعمارية "سيسك"    محمد شحاتة: كنت أتمنى الانضمام لمعسكر منتخب مصر مع كابتن حسام حسن    البنتاجون: الأسلحة المنقولة إلى كييف يجب أن تستخدم على الأراضى الأوكرانية حصرا    العالم في 24 ساعة.. مصر تُكذب إسرائيل وقرار سري من الرئيس الأمريكي    تباين أسعار الذهب الجمعة 31 مايو 2024    توقعات تنسيق الثانوية العامة 2024 محافظة القاهرة    تعرف على موعد إجازة عيد الأضحى المُبارك    تحذير خطير لسكان هذه المحافظات من تناول سمكة الأرنب.. تسبب الوفاة في نصف ساعة    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة وزيرة الثقافة    عمر خيرت يٌبدع في حفل التجمع الخامس (صور)    أنغام وتامر عاشور يتألقان من جديد في احتفالية ضخمة بالقاهرة الجديدة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 31 مايو 2024    الجيش الأمريكي يعلن تنفيذ عدة هجمات استهدفت الحوثيين في اليمن    وزير التعليم لبعض طلاب الثانوية: لا تراهن على التأخير.. هنفتشك يعني هنفتشك    وزير الدفاع الألمانى: زودنا أوكرانيا بربع منظومات "باتريوت" الموجودة لدينا    دانا حلبي تكشف حقيقة زواجها من الفنان محمد رجب    لماذا بكى محمد شحاتة على الهواء.. أبوه السبب    وزير المالية: أثر رفع الدعم على التضخم سيكون مؤقتًا، وسنعوض المواطنين عن تأثيراته    الأوقاف تفتتح 10 مساجد.. اليوم الجمعة    شاهد.. الفيديو الأول ل تحضيرات ياسمين رئيس قبل زفافها    الأنامل الصغيرة بمكتبة مصر العامة على مسرح الهناجر ضمن فعاليات مهرجان الطبول    صافينار تعلن تطورات حالتها الصحية وتطالب جمهورها بالدعاء    الأعمال المكروهة والمستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشف هبة أحمد.. طريقة عمل «السينابون»    فلسطين.. 5 شهداء بينهم أطفال ونساء جراء قصف الاحتلال منزلًا بمخيم البريج    ملف رياضة مصراوي.. حكم ضد نجم الأهلي.. إيقاف لاعب بيراميدز.. وقائمة ريال مدريد    يورجن كلوب يكشف حقيقة اعتزاله التدريب عقب رحيله عن ليفربول    أوكا يشعل حفل زفاف يوسف أسامة نبيه (صور)    قبل حلول عيد الأضحى.. ندوات في المنيا عن أهمية ذبح الأضاحي داخل المجزر    «مسار إجباري» يشعل حفل المتحف الكبير    البابا تواضروس يستقبل وفدًا رهبانيًّا روسيًّا    الإفتاء توضح مرحلة انتهاء كفالة اليتيم    حج 2024| تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين.. الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 31 مايو في محافظات مصر    «الحرمان من الامتحان و7 سنين حبس».. وزير التعليم يحذر من الغش في الثانوية العامة    «ناتو» يرحب بالشركات العميقة مع الدول في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ    كيف يمكن للكواكب أن تساعدك على اختيار المسار المهني المناسب لك؟    «الإفتاء» توضح فضائل الحج.. ثوابه كالجهاد في سبيل الله    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    بحضور وزير الرياضة وعلام، منتخب مصر يخوض ثاني تدريباته استعدادا لمواجهة بوركينا فاسو (صور)    شاهندة عبدالرحيم تهنئ الإعلامية آية عبدالرحمن بحصولها على الماجستير في الإعلام التربوي    بالصور.. إنهاء خصومة ثأرية بالمنيا بتقديم 2 مليون جنيه شرط جزائي    في اليوم العالمي للتدخين.. لماذا ينجذب الشباب لأجهزة التبغ المسخن؟    لمدة تتخطى العام ونصف.. طريقة حفظ الثوم في الفريزر والثلاجة    الصحة والحيوية.. فوائد تناول زيت الزيتون «على الريق»    التنظيم والإدارة: إتاحة الاستعلام عن موعد الامتحان الإلكتروني للمتقدمين ب3 مسابقات للتوظيف    مديرية العمل بالمنيا تناقش اشتراطات السلامة والصحة المهنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شمشون وعنتر
نشر في التحرير يوم 22 - 06 - 2015

فى رائعة جورج أورويل التى لا تموت أبدا(1984)، نعرف أن البطل يعمل فى وزارة الحقيقة؛ وهى وزارة مهمتها حجب الحقائق وتشويهها. بلغة الكلام الجديدة التى تختصر كل شيء يمكن أن نسميها (الوقيقة). وهذه الوزارة مهمتها تغيير الماضى كأنه لم يحدث، ليصير شيئا آخر.. ومع الوقت تصير هذه هى الحقائق الجديدة وينسى الناس. هل كانت البلاد فى حرب مع ايستاسيا أم يوراسيا ؟ ألم تكن تحارب أوراسيا ؟ تأتيك الإجابة أنك تهذى.. البلاد لم تحارب أوراسيا قط.. ألم يكن فلان موجودا منذ سنين ؟ تأتى الإجابة أنه لم يوجد قط.. إنه Unperson.
تكررت أحداث رواية 1984 بوضوح مع ثورة يناير 2011، حيث تم تشويه الحقائق، وصانعو الثورة تحولوا لخونة، ومن قامت ضدهم الثورة صاروا أبطالا، وأحداث أيام واضحة جلية مثل موقعة الجمل أو محمد محمود تحولت لضباب فلم يعد أحد يذكر من كان المجرم ومن الضحية. والمشكلة أنك تجد دائما من هم على استعداد لقبول أى شيء وتصديقه، وتوجيه أقذع السباب لمن يقولون العكس..
محاولة تغيير الماضى عتيدة فى مصر، ونحن نعرف كيف كتب تاريخ الثورة بعشرين طريقة مختلفة، عندما ترى أفلام ما بعد ثورة 1952 ترى خطوط الكشط التى تشوه صورة الملك المعلقة خلف أبطال الفيلم، وهى محاولة ساذجة لإلغاء حقبة مهمة فى تاريخ مصر. بمعنى أن مصر لم تكن ملكية قط. لكن المثال الطريف الذى يحضرنى اليوم هو فيلم (شمشون ولبلب).. مجرد فيلم كوميدى لكنه يعكس طريقة تفكير كاملة.
هذا الفيلم الظريف رأيناه مرارا فى الفضائيات، وهو من إخراج مخرج من أصل مجرى هو سيف الدين شوكت.. وقد عرض عام 1952 قبل الثورة بثلاثة أشهر. عقدة الفيلم غريبة جدا، وتدور حول الصعلوك لبلب – شكوكو – الذى يتحدى فتوة الحى شمشون – سراج منير – على أن يوجه له كل يوم صفعة، وهذا حتى يكمل سبع صفعات. ثم نرى محاولات لبلب الماكرة للظفر بتوجيه الصفعة لخصم يتوقعها ويتحسب لها. فيلم مسل، كما أنه مفعم باللمسات الذكية للعبقرى بديع خيرى. لاحظ الأستاذ صلاح عيسى أن الحارة التى ظهرت فى الفيلم ترمز لمصر كلها، فهناك عصير قصب الجلاء وجزارة القنال وعجلاتى الوحدة وبقالة السلام. ويقول صلاح عيسى: «أمام توالى الهزائم يلجأ شمشون إلى المناورة، ويطالب بفتح باب المفاوضات، لكن أهل الحارة يدركون أنه يريد تمييع الموقف ليكسب الرهان، فيعلن لبلب أنه لا مفاوضة إلا بعد العزال- أى الجلاء- ويواصل المواجهة وينجح فى شق جبهة شمشون وجذب زوجته إلى صفه، بعد أن أفشى إليها سر سعيه للزواج من لوزة, مما يمكنه من توجيه الصفعة السابعة إليه، فيجلو عن الحارة مهزوما وتعيسا بعد أن انتصر الحق على الباطل، والعقل على القوة. لبلب هو ابن البلد المصرى ويمثل الشعب المصرى الذى يحارب المحتل الدخيل البلطجى (شمشون) وهو رمز للاستعمار البريطانى والأمريكى وللصهيونية ولإسرائيل، ورضوان هو الأنظمة العربية الخائنة والمتعاونة مع الاحتلال والصهيونية، ولوزة هى مصر. «
تعودنا على أن السلطات الشمولية تتعامل مع الفن بذكاء غير عادى، وتلتقط الرسائل خيرا من أى أستاذ نقد فنى. لهذا كان هتلر أول من شعر بأهمية فيلم المدرعة بوتمكين السوفييتى مثلا، وقد استطاعت الحكومة فى مصر أن تقرأ الفيلم باعتباره دعوة للضعيف إلى الثورة والانتصار على العملاق، مكتفيا بأنه يمتلك الإرادة والشجاعة والذكاء والحق.
منذ البداية لاقى الفيلم المتاعب، فأوقف عرضه أولا، وسحب من دور السينما، ثم لأسباب غامضة عاد إلى دور السينما بعد ستة اشهر حاملا اسم (عنتر ولبلب). قيل وقتها إن أحد الحاخامات احتج على استخدام اسم أحد أنبياء بنى إسرائيل عنوانا للفيلم، بل إن هذا النبى يتم قهره. من هذا المنطق يصير استعمال اسم شمشون محرما فى السينما المصرية والعالمية للأبد.
عاد الفيلم لدور السينما حاملا اسم (عنتر ولبلب) كما قلت، بل إن الرقابة امتدت إلى الصوت نفسه.. كلما ذكر اسم (شمشون) فى حوار الفيلم تدخل مونتاج صوتى لينطق الاسم (عنتر). يمكنك بسهولة أن ترى شفاه الممثلين تنطق (شمشون) بينما الصوت الخارج هو (عنتر)، وهو جهد غير بشرى فى ذلك الزمن الفقير تقنيا، ولا يمكن فهم أسبابه. هناك قصة مسلية من مختارات هتشكوك عن رجل يكره اللون الأزرق واسمه، وهكذا يعين خادما مهمته ملاحقة اللون الأرزرق فى حياته بالحذف فى كل مكان.. ومن ضمن ما فعله الخادم هو أن جاء بخبير الكترونيات يركب جهازا على المذياع، وهذا الجهاز يلتقط كلمة الأزرق فى الحوار فيبدلها إلى (أخضر). فيما بعد نعرف أن الرجل كان يلعب حيلة ماكرة غرضها الخلاص من زوجته التى تحمل وحمة زرقاء بين نهديها، لكن هذا ليس موضوعنا. تقريبا فعل السينمائيون نفس ما فعله خادم الرجل.
كانت هناك كما يبدو رغبة زائدة فى مجاملة اليهود، برغم أننا كنا قد خرجنا لتونا من حرب 1948 ولم يكن هناك ود مفقود بيننا، كما أن الفيلم لا يحمل أى إهانة مقصودة للديانة اليهودية، لكنه (النفخ فى الزبادي).
كان هذا عاما متوترا فى حياة مصر بدأ بحريق القاهرة ثم ازدهار حركات مقاومة الفدائيين للإنجليز فى السويس، وبالتالى راحت السلطات تتشمم فى حرص كل عمل فنى يحمل نبرة المقاومة. وتم منع فيلمى (مصطفى كامل) و(الكيلو 99) لاسماعيل يس، لأنها شمت فيهما رائحة المقاومة. ولكن الأمر ما زال محيرا مع فيلم لبلب: هل السبب أن الفيلم ضد الحكومة ؟ أم لأنه ضد الرموز الإسرائيلية ؟ أم لأنه ضد الاثنين ؟. والسؤال الآخر هو كيف اشتركت حكومة الملك مع حكومة الثورة فى نفس التفكير ونفس الرغبة فى المنع؟. وهل لذلك علاقة بما قيل إن مصر كانت فى عام 1953 تدرس عروضا أمريكية للصلح مع إسرائيل؟ لا أحد يستطيع دخول عقل الرقيب فى ذلك الوقت لنفهم اللغز.
فيلم كوميدى ظريف، لكنه استغرق كل هذا الجهد لتغيير معالمه، وحاليا لا يعرف الجيل الجديد الفيلم، أو لا يعرف له اسما سوى (عنتر ولبلب). فماذا عن أمور أكبر جسامة وخطورة ؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.