سعادة المستشار محفوظ صابر، وزير العدل فى حكومة المهندس إبراهيم محلب، دخل التاريخ من أوسع أبوابه، لقد قام بجرأة يُحسد عليها بوضع الفأس فى عنق الشعب. معالى الوزير قال فى برنامج تبثه فضائية مصرية، «خصوصًا أن أولاد عمال النظافة (الزبالين) لا يجوز لهم أن يعملوا فى السلك القضائى، ليس لأنه لا يحترم الزبالين، ولكن لأن البيئة القضائية ليست مناسبة لهم»! هذا أول تصريح شجاع يصدر عن مسؤول بالدولة، فالمعروف عن الدولة المصرية أنها ترتكب كل الكبائر والمنكرات ولكن فى الخفاء وفى صمت مطبق، وحده معالى وزير العدل كشف الغطاء وهتك الستر وقالها بكل صراحة، قال المسكوت عنه، وكشف تواطؤ الدولة ضد أولادها، عرّى الحكومة من شرعية دستورها، الرجل يقول بملء الفم: «نحن مجتمع طبقى وكل طبقة تلزم حدها». صاحب المعالى لم يكن يسبق إلى هذا المعنى، لقد سبقه المجلس الأعلى للقضاء ذات نفسه، عندما حرم أولاد الفلاحين من التعيين فى السلك القضائى، لأنهم «أولاد فلاحين»! وسبقه أيضًا المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، الذى قال فى تصريحات علنية: «مَن يهاجم أبناء القضاة هم (الحاقدون والكارهون) ممن يُرفض تعيينهم، وستخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تكون قوة فى مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها». وعلى ذلك فلا جديد تحت الشمس، الجديد فقط أن وزيرًا تحدث بصراحة غير ملتفت إلى دستور أقسم على احترامه، وغير عابئ بالملايين الذين صوّتوا لصالح هذا الدستور الذى ينص على مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية. الوزير الذى يقينًا تلقى تعليمه المجانى بفضل ثورة قادها ابن البوسطجى «الزعيم جمال عبد الناصر» يضعنا للمرة الأولى أمام فخ تاريخى. هل نجلد ذواتنا ونعترف بأننا مجتمع طبقى، وكفانا الله شر محاربة الطبقية، أم ننتفض لشرف دستورنا ونطالب بفتح جميع ملفات المجتمع المسكوت عنها؟ هذا هو الفخ، وقد سقط فيه معظمنا، لأن أغلبية الردود على وزير العدل كانت انفعالية، وتفتقر إلى الحد الأدنى من الهدوء اللازم لمناقشة تصريحات كارثية كالتى أدلى بها معاليه، السب والقذف لن يصلحا حلا للكارثة، بل سيصبحان جزءًا منها، المشكلة أعقد من التناول السهل المريح، حتى لو وصل الأمر إلى الاستجابة لمطالب جماهيرية بإقالة الوزير، رأس الدمل أبعد من ترضية المشاعر الغاضبة، الجميع يعلم أن المرموقة التى تدر دخلا محترما وتكفل وجاهة اجتماعية هى مقصورة على فئات بعينها من المجتمع، فئات اخترعت التوريث وترعاه وتروج له ليل نهار، الكل يعرف أن ابن الزبال لن يتقدم بأوراقه إلى الشرطة ولا إلى النيابة ولا إلى أى وظيفة عامة مرموقة. وعلى كل ما سبق يبدو أن وقت المصارحة قد حان. هل نحن شعب واحد أم شعوب؟ فإن كنا شعبًا واحدًا فلا بد من علاج جذرى لكل تلك العنصرية. وإن كنا شعوبًا متعددة نعيش على ذات الأرض، فليتحمل كل شعب منا كامل مسؤولياته، فليس من المنطقى وليس من الشرف فى شىء أن يحمى أبناء الزبالين الوطن بأجسادهم، ويقدموا دماءهم قربانًا على مذبحة، لكى يظل السادة أبناء القضاة منعمين مترفين. هذه بتلك، إن أردتم الحصول على كل المغانم فلن ندفع لكم المغارم.