"هم بيمشوا بطيارات واحنا نموت في الأوتوبيسات هم حياتهم تمضي جميلة هم فصيلة واحنا فصيلة حادي يا بادي يا عبد الهادي راح تفهم قصد الغنوة دي لمّا الشعب يقوم وينادي يا احنا يا هم في الدنيا دي حزر فزر شغل مخك شوف مين فينا حيغلب مين؟!" كلمات عبر فيها الشاعر أحمد نجم عن عهد الباشوات وإضطهادهم للطبقة الفقيرة من المصريين. وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة شهدت مصر خلالها عددًا من الثورات، كان أولها فى عام 52، والتى أطاحت بالملكية فى سبيل دولة ترى المواطنين بعين المساواة دون تميز وطبقية، إلا أن المسئولين فى القرن الحادي والعشرين قرروا أن يستعيدوا تلك الأيام؛ ليعلنوها صراحة "لا مكان لأولاد العاملين والفلاحين بين ولاد الأكابر". ففى خلال حالة الغضب التى انتابت المجتمع المصري بسبب تصريحات وزير العدل التى تؤكد أن أبناء العمال والفلاحين لا مكان لهم فى السلك القضائي، خرج علينا أحد المسئولين بالقضاء الأعلى ليؤكد إستبعاد 183 من أوائل خريجى كليتى الحقوق والشريعة من التعيين بسبب حالتهم الاجتماعية، وأنهم أبناء "عمال وفلاحين". ومن جانبه قال عبد الكريم النجار المتحدث باسم وكلاء النيابة الذين لم تستكمل إجراءات تعيينهم بسبب شرط مؤهل الوالدين إن هناك 183 خريجًا حاصلين على التقديرات المطلوبة للتعيين، وبعد استيفائهم كافة التحريات والمقابلات والإجراءات، وافق مجلس القضاء الأعلى بجلسته المنعقدة 24 يونيو 2013 على تعيينهم كمعاوني نيابة عامة، وأدرجت أسماؤهم من ضمن الأسماء التي تضمنها الكشف المرسل من وزير العدل والموقع من مستشاري أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وبعد التشكيل الجديد لمجلس القضاء الأعلى، عاد كشف الأسماء إليهم، فتم استبعادهم من الكشف؛ بسبب أن والديهم غير حاصلين على مؤهلات عليا، في انتهاك صريح للدستور والقانون ولقواعد التعيين في النيابة العامة. وأضاف النجار أن إقالة وزير العدل أو تقديمه اعتذارًا لا يغير من الواقع شيئًا، وعلى رئيس الجمهورية التدخل؛ لرد اعتبار الشعب المصرى باستكمال إجراءات تعيين ال 138 من أبناء العمال والفلاحين، مؤكدين أنه ليس دفاعاً عن وزير العدل، لأنه نطق بالواقع، فليس ابن عامل النظافة فقط من يمنع من دخول القضاء. وتابع أن "أبناء العمال والفلاحين أيضًا ممنوعون من التعيين، وهو ما حدث معنا بالفعل، فنحن 138 معاون نيابة عامة صدر لنا قرار تعيين متوقف على توقيع السيد رئيس الجمهورية، ولم تستكمل إجراءات تعييننا؛ بسب شرط حصول الوالدين على مؤهل عالٍ. وأقول للسيد رئيس الجمهورية: فى مصر كما سيادتك تعلم خمسون مليون فلاح وأكثر من عشرين مليون عامل بفضلهم تحيا مصر، وبدون العامل والفلاح لا تحيا مصر أبدً. يجب عليك التدخل لاستكمال تعيين 138 من أبناء العمال والفلاحين كرد اعتبار للشعب". من جانبه استنكر عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان هذا القرار، واصفًا إياه ب "غير الدستورى"، وأنه يعود بنا لعهد الملك، وأضاف شكر أن "الذى يفرق بين ابن الفلاح وابن القاضي هو التفوق الدراسي والاجتهاد فقط، وغير ذلك يعد ترسيخًا للتمييز والطبقية وانتهاكًا لمواد الدستور، التى أكدت على عدم التمييز بين المواطنين لأي سبب، حتى لو كان انتماءه السياسي". وحذر الحقوقي محمد زارع من الأزمة الاجتماعية التى سيتسبب فيها المسئولون بعد قراراتهم وتصريحاتهم الطبقية وغير المسئولة. وأكد زارع أن "الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان والده "بوسطجي"، والسادات كان من أسرة عادية جدًّا، وحتى الرئيس المعزول مبارك كان ابن فلاح وموظف صغير"، وتابع "واليوم المسئولون يتحدثون عن أبناء العاملين وأبنائهم، وكأننا فى عهد الملك مرة أخرى"، مؤكدًا أن ما يحدث هو انتهاك واضح وصريح للدستور المصري الذى شهد عددًا من الانتهاكات لا حصر لها من قِبَل الحكومة التى من المفترض أن تطبقه". وأضاف زارع أن هذا القرار ببساطة يحض الشباب على الفشل والانتحار والهجرة؛ لأن الدولة تهاجم وتحارب المتفوقين وتكافئهم على مجهوداتهم بالحرمان، متذكرًا عبد الحميد شتا، باحث الاقتصاد والعلوم السياسية، المجتهد الطموح، الذى انتحر بسبب حرمانه من التعيين فى وزارة الخارجية بوصفه "غير لائق اجتماعيًّا"؛ لأنه ببساطة "ابن ناس غلابة". مؤكدًا "أن الدستور والقوانين والمعاهدات الدولية وحديث الدولة عن ثورتى يناير ويونيو ما هو إلا كلام مستهلك ادعائى فقط، والحقيقة عكس ذلك تمامًا، فلا تنسوا أن اللى بنى مصر كان فى أصله حلواني". جدير بالذكر أنه قررت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار عبد المجيد المقنن حجز الدعوى المقامة من عدد من أوائل الخريجين من كليات الحقوق المستبعدين من تعيينات النيابة العامة دفعة 2010،2011 وعددهم 138 يطالبون باستكمال إجراءات التعيين الخاصة بهم لجلسة 30 أغسطس المقبل للحكم، واختصمت الدعوى كلاًّ من رئيس الجمهورية ووزير العدل.