كتبت منة حسام الدين: "الرضا بالمقسوم وإن كان ظالمًا" لهم صفة يشترك فيها الكثير من أولاد الطبقة البسيطة في مصر، فهم وإن فشلوا في التمسك بأحلامهم بسبب ما يفرضه عليهم المجتمع من معوقات، لا يتخلوا عن حقهم في الحياة، دائما لديهم طموحات ومشاريع تضمن لهم الحياة الكريمة، وتحافظ على كرامتهم دون الانبطاح أمام أي شخص أو الاستسلام لبعض الممارسات الحكومية التي قد تعرقل تحقيق أحلامهم. حسام: أبويا بواب وأنا قهوجي و"الجيش" حلمي يعرفه الجميع في حي "السكاكيني"، فهو الشاب ذو البشرة السمراء الذي لا تفارق الابتسامة وجهه ولا يخذل أي شخص عندما يلجأ إليه للمساعدة. حسام ياسر، الطالب في مدرسة "غمرة الثانوية" والذي يحرص على العمل في أحد المقاهي المقابلة للمبنى حيث يعيش وأهله من أجل مساعدة والده على تحمل مصاعب الحياة، لا يخجل من كون والده "حارس عقار"، فهو يرى أن كل الأشخاص متساوون طالما منحهم الله العقل والجسد. "مش عيب اشتغل طالما ماتخلتش عن حلمي في التعليم"، يقول "حسام" الذي تفرغ من عمله ك"صبي قهوجي" من أجل الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة، ويضيف:"نفسي أدخل الكلية الحربية أو أي حاجة تبع الجيش، سمعت إن أي حد بيدخل الكليات دي بيطلع حاجة حلوة وأنا مش عايز أروح كلية ألاقي الدكاترة فيها بيبصولي بقرف أو بنظرات فيها تقليل من قيمتي". "حسام" الذي يتحمل شهريًا مسؤولية دفع فواتير مياه وكهرباء منزلهم، أكد أن حلمه بالانضمام لصفوف طلاب الكلية الحربية بدأ بعدما التحاق أحد أصدقائه بالمدرسة الفنية العسكرية: "ليا صديق أبوه موظف في شركة بترول دخل المدرسة الفنية العسكرية دي وبيقعد يحكيلي إللي بيعملوه، أنا عارف إني لو كنت شديت حيلي في المذاكرة كنت رحت معاه ". حرص "حسام" على التركيز في دراسته من أجل تحقيق حلمه في اتمام دراسته الثانوية والالتحاق بالقوات المسلحة، لم يمنعه من التفكير في بعض الخطط البديلة لمستقبله، ويقول: "لو ما عرفتش أدخل الكلية الحربية لأي سبب مش هزعل أنا مقرر إني أقدم في الجامعة العمالية عشان حتى أكون جنب بيتي وشغلي، أنا أحلامي كتير ومش هوقف حياتي لو حلم واحد ماتحققش". وائل: اتعودنا إن في حاجات صعبة علينا "إحنا ممكن مانتعلمش ونركز إن يكون معانا صنعة، بس إحنا بنتعلم عشان دا حقنا وعايزين الشهادة وبنقدر قيمتها"، يقول وائل نصحي، الذي بدأ منذ أيام امتحانات السنة النهائية له في دبلوم الصنايع، وأكد أن في امتحانات التعليم الفني الصناعي لاوجود للبلطجة من أجل الغش :" إللي رايح الامتحان بيروح عشان الشهادة فالكل بيقعد باحترامه". "صبحي" يقدر قيمة التعليم لكنه في المقابل لا يأمن غدر الزمان، لذا بدأت رحلته مع العمل مبكرًا:" وأنا في إعدادي أبويا تعب فاضطريت انزل اشتغل عشان أفتح البيت وأصرف على اخواتي، اشتغلت في مخازن علف و في مخازن سيراميك لغاية ما استقريت في ورشة لتصليح العربيات". الكفاءة صفة يتميز بها أغلب البسطاء، حسبما قال "وائل"، فعندما يحالف البسطاء الحظ ويحصلون على حقهم في التعليم يحاولون بشتى الطرق اثبات أنفسهم بشرط الحفاظ على كرامتهم، ويضيف وائل:" في متفوقين كتير من الناس الغلابة وكفاءات تجمع بين التعليم والممارسة، بس إحنا اتعودنا إن في حاجات كتير صعبة علينا وماينفعش نحلم بيها لأننا مش هنوطي لحد". "صبحي" والده يعمل "فرّاش" في إحدى المدارس الخاصة، ويؤكد أنه يحاول أن تظل أحلامه متماشية مع إمكانياته وظروف عائلته:" مش هنضحك على بعض ونقول إن متاح قدامنا كل الوظائف، أنا مقدرش أخلى أخويا يحلم يكون ضابط أو قاضي " وعلى عكس "حسام"، "وائل" كان على علم بالتصريحات الأخيرة لوزير العدل السابق، محفوظ صابر،، لكنه لم يندهش أو ينتقد، لكنه وصفها فقط بال"بجاحة"، فهو بحكم تجربته في الحياة يعلم جيدًا طبيعة المجتمع المصري، ويقول :" لما كنت بشتغل في مخزن العلف كان معايا زميل خريج سياسة واقتصاد وبيشيل رز عشان رفضوه في تعينات الحكومة،إ احنا عارفين الواقع بس مابنعافرش فيه عشان عندنا كرامة". منتصر: هطلع محامي عشان الغلابة المحبوسين لم يستسلم منتصر ممدوح لظروف حياته الصعبة وحرمانه من التعليم لفترة طويلة من عمره أمضاها في العمل في إحدى ورش الحدادة، فبعد 5 سنوات من العمل اليومي الشاق على أي طفل، انضم "منتصر" منذ عام لأحد فصول التعليم المجتمعي في منطقة روض الفرج، ليجدد حلمه في التعليم ويعيد بهجة الطفولة التي سلبها منه المجتمع الذي يعيش فيه. "رجعت أخيرًا للمدرسة بعد ماكنت دخلتها يوم واحد بس وأنا صغير، أنا نفسي اتعلم وأكون محامي"، يقول "منتصر" والأمل يشع من عينيه فحياته قد تغيرت في آخر عاميين لدرجة تسمح له بالحلم والتمسك بذلك الحلم رغم كل ماعانه من صعوبات. "منتصر" ترك عمله في ورشة الحدادة التي كان يكسب منها أسبوعيًا 50 جنيه ليلتحق بقطار التعليم، فهدفه في الحياة مساعدة "إللي زيه من الغلابة" :" حياتي كلها كانت مقتصرة على أني أجيب فلوس عشان أساعد في البيت، لكن لما اتعلمت حسيت إن دوري أكبر من كدا، المحاماة هتخليني أساعد الناس اللي بتتحبس ومابتعرفش تلاقي حد يدافع عنها". حلم "منتصر" في أن يصبح محامي بدأ بعدما واجه وعائلته معاناة تكليف أحد المحامين للدفاع عن شقيقه الذي تم حبسه في قضية تعاطي مخدرات، ويقول والحزن قد غالبه بسبب تذكره لشقيقه:" عارف إن أخويا غلطان بس حقنا نلاقي محامي والمحامين بيطلبوا فلوس كتير وناس كتيرماتقدرش، وأنا مش هطلب من الناس غير فلوس قليلة". عند الحديث مع "منتصر" لا مجال لتشكيكه في إماكنياته لتحقيق حلمه، فهو يؤمن بأن له الحق في تقلد الوظيفة التي يريدها:" أنا لو ذاكرت كويس هدخل الكلية إللي عايزها ولو اجتهدت هوصل لأي مكان، وأنا شاطر بشهادة المدرسين لأني حتي في الإجازة بذاكر عشان أعوض السنين إللي ضاعت مني". عبد اللطيف: الشغل والتعليم بيعملوا "رجالة" "أنا أبويا مش مقصر معايا بس واجب أساعده"، بكل فخر يقول "عبد اللطيف سامح"، الطالب في كلية نظم المعلومات بجامعة عين شمس، والذي يعمل ليلًا طيار "ديليفري" في أحد المطاعم الشهيرة. "عبد اللطيف" لا يخجل من كون والده فني صيانة في إحدى الشركات، ولا يرى أن عمله بجانب الدراسة يعيبه أو يعرقل تقدمه:" أنا بشتغل من ثانوي مش عشان أبويا مش قادر يكفي طلباتي، بس عشان الشغل والتعليم بيعملوا رجالة ". اعتماد "عبد اللطيف" على ذاته وعصاميته ليست صفة فردية فيه ويقول:" إحنا ولاد الناس البسيطة بنعتمد على نفسنا من وإحنا شباب، عشان نقدر نعمل حاجة نساعد بيها أهالينا وتساعدنا في أننا نعمل مستقبل وأسرة". "عبد اللطيف" المؤمن بأنه لم يقصر في دراسته على الرغم من فشله في تحقيق حلمه في أن يكون مهندسًا، على قناعة بأن اقصاء بعض أبناء البسطاء من تقلد وظائف بعينها يعد ظلمًا لهم ولبلدهم أيضًا، ويضيف:" إحنا فينا كفاءات كتير جدا، لو إحنا اتظلمنا ومنعونا من وظيفة معينة فدا في المقابل هيحرم الدولة من كفاءات ممكن تكون أفضل من الناس إللي أهاليهم وزراء أو ناس مهمة". حلم "عبد اللطيف" الحالي هو انهاء دراسته الجامعية والتعيين في أحد البنوك، لكنه في الوقت ذاته يشعر برضا داخلي قد يفقتقده الكثير من الشباب:" لو ماعرفتش اشتغل في بنك هفضل ديليفري، أنا باخد مرتب شهري زي أي موظف في الحكومة، بس أنا هسعى لوظيفة البنك وفي الآخر كل اللي يجيبه ربنا كويس".