صافرات الإنذار تدوي والقنوات الإخبارية تنشر صور الطائرات وعمليات القصف، وعادت للأذهان مجددا صور وذكريات الحروب العربية العربية المريرة، لكن هل عملية "عاصفة الحزم" التي أطلقتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن تشبه "عاصفة الصحراء" التي حاربت فيها دول عربية وتحالف غربي أمريكي العراق؟ أعتقد أن الأمر والمعطيات والأسباب تختلف بصورة كبيرة عما هو حاليا؛ لذلك دعونا نحاول إيجاد إجابة لعدد من الأسئلة التي قد تشرح لنا الموقف الراهن في "اليمن السعيد" سابقا. الأسباب التي دفعت السعودية للتدخل السريع في اليمن إنقاذ الرئيس عبد ربه منصور هادي: كان الجميع يعلم أن السعودية ومصر وباقي دول الخليج تنتظر قمة شرم الشيخ قبل شن أي عملية عسكرية؛ للحصول على غطاء عربي دولي لمشاركة إما "قوة عربية مشتركة" أو "درع الجزيرة"، لكن شن أنصار عبد الملك الحوثي عمليات عسكرية مفاجئة في عدن كان بمثابة الصدمة للجميع، وباتت حياة الرئيس اليمني فعليا مهددة. وفاة الرئيس اليمني في ذلك التوقيت، كانت ستمثل نقطة النهاية لأي محاولة لإنقاذ اليمن وإخراجه من حالة الفوضى التي تعيشها البلاد. عدم انتظار القمة: كان المفترض أن تنتظر السعودية ودول الخليج القمة العربية في شرم الشيخ لإقرار التدخل العسكري إما عن طريق تشكيل "قوة عربية مشتركة"، المقترح الذي قدمته مصر أو عن طريق "درع الجزيرة"، لكن تطورات الأحداث وزحف الحوثيين تجاه عدن أحال دون ذلك. تفوق جوي حوثي: أثبتت الغارات التي شنها الحوثيين طوال الأسابيع الماضية، أنهم يمتلكون حاليا تفوق جوي نوعي، وأن كافة الدفاعات الأرضية اليمينة غير قادرة على إيقافه، وهو ما يخل بتوازن القوى في اليمن، وشجع الحوثيين لمحاولة اقتحام عدن وبسط سيطرتهم عليها، بعدما سيطروا على تعز، العاصمة الاقتصادية للبلاد. سقوط عدن: عدن أصبحت تمثل الثقل السياسي لليمن، فهي المدينة المعترف بها، بعد انتقال الرئيس هادي إليها وفتح السفارات الخليجية هناك. بالتالي فالتحرك العسكري الحوثي يهدف إلى إسقاط شرعية هادي من ناحية، ومن ناحية أخرى لقطع الطريق أمام الدعوة التي وجهها وزير الخارجية اليمني، بتدخل درع الجزيرة لوقف الزحف الحوثي إلى عدن. شبح 2009: للسعودية تاريخ سلبي طويل مع الحوثيين، خاصة عام 2009، حينما سعت إلى محاربتهم عند الحدود السعودية، بعد توغل قوات "أنصار الله" داخل أراضي المملكة الجنوبية، ودخلت السعودية حربا استمرت لنحو 3 أشهر متواصلة قبل أن تتمكن من دحرهم؛ لذلك فإن صعود الحوثيين على رأس السلطة في اليمن كان سيكون له أثر سلبي بالغ على المملكة سعت إلى وأده في مهده. سر انهيار اليمن السريع وسقوطها في يد الحوثيين؟ هيكلة الجيش: تعرض الجيش اليمني منذ منتصف التسعينات لعدة هزات أفقدته توازنه وقدرته على التأثير، والتي بدأت عقب حرب صيف 1994، التي شنها الرئيس المعزول "علي عبد الله صالح" ضد جنوب اليمن المطالب بالانفصال، والتي أقصى خلالها صالح العسكريين الجنوبيين ودمج الألوية الجنوبية بالشمالية لضمان ولاء الجيش له، ولكن إبان رحيله تعددت الولاءات والصراعات بين ألوية الجيش، وحتى بعد ضغط الثوار إثر رحيل صالح على هيكلة الجيش وإقالة أقارب "المعزول" من الجيش والشرطة لتوحيد الجيش وإنهاء انقسامه، تسببت في زيادة الاستقطاب السياسي داخل الجيش. وفق استطلاعات وإحصاءات غير رسمية فإن الجيش اليمني يبلغ قوامه 100 ألف جندي، 60 ألف منهم في الخدمة و40 ألف جندي احتياط، وتعد قوات "الحرس الجمهوري" هي القوة النوعية التي حرص "صالح وهادي" على تنميتها وتقويتها، حيث تتكون من 23 لواء موزعة ما بين المدفعية والدبابات والمدرعات والمشاة الميكانيكا والدفاع الجوي والصواريخ والحرس الرئاسي والقوات الخاصة وقوات مكافحة الإرهاب، ولكن كل تلك الألوية اختفت تماما وسمحت للحوثيين بالسيطرة على صنعاء بسهولة، وها هي تقف ساكنة أمام زحفهم تجاه عدن. الصراع القبلي: خلال فترة حكم "علي عبد الله صالح" نجح الرئيس السابق في أن يجعل اليمن تعيش حالة من الاستقطاب القبلي الواسعة، حيث كان يفضل يضع كل المناصب والنفوذ في أيدي القبائل المساندة له مثل "آل الأحمر" فيما يهمش الباقين سواء في الجنوب أو التابعين للحوثيين أو جماعة أنصار الله؛ ما جعل الجميع يترقب حال رحيله لتغيير الأمور، ولكنها لم تتغير بصورة كبيرة وفشل الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي في وأد ذلك الصراع القبلي واستبدل أنصار صالح في المواقع الاستراتيجية بأنصاره. دستور الأقاليم: شكل إقرار البرلمان اليمني للدستور الذي يقر تقسيم اليمن إلى عدة أقاليم "مسمار" حقيقي في نعش اليمن؛ لأنه قد يكون من ظاهره إيجابي في وأد الصراعات القبلية التي نشأت بصورة كبيرة، بمنحه حكم فيدرالي لكل القبائل والأطراف المتصارعة، ولكنه فتح باب قوي تجاه الصراعات حول طبيعة وتقسيم تلك الأقاليم، حيث ما أثار حفيظة "الحوثيين" حول ذلك التقسيم، هو عدم منهم أي منفذ بحري في التقسيم، سواء بالحديدة، حيث الميناء الاستراتيجي الهام على مضيق باب المندب، أو في الجهة الأخرى بالقرب من مضيق هرمز، وهو ما كان مقصودا في التقسيم، حيث معروف ولاءات الجماعة الشيعية لإيران، وحصولها على المنفذ سيعزز من نفوذ طهران في المنطقة، وهو ما تخشى منه الخليج وأمريكا. ماذا كان سيحدث لو لم تشارك السعودية ومصر في إنقاذ عدن واليمن؟ حرب أهلية: أو يمكن قولها كما يتحدث عدد من النشطاء اليمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي، "اليمن ستصبح ليبيا جديدة"، وهذا ما يخشى منه العديد من المتابعين للشأن اليمني حتى الآن؛ لأن الوضع الحالي لا يفضي إلا لفوضى عارمة وحرب أهلية، فهناك "حوثيين" يحاولون السيطرة على الحكم ومنح نفوذ ومد إيراني شيعي جديد في المنطقة، وهناك "قبائل وعشائر" كل يحاول أن يحافظ على نفوذه المحلي في أماكنه وأن يحصل على مكان في "اليمن الجديدة"، وهناك "سلطات حاكمة" تريد أن تحافظ على نفوذها ومكتسباتها التي حصلت عليها طوال الفترة الماضية، وهناك "حركة الإصلاح" أحد أجنحة الإخوان المسلمين، التي تحاول أن تهادن الجميع، وبالأخص الخليج والسعودية، حتى تخرج بأكبر المكاسب من تلك الحرب، وهناك "الحراك الجنوبي" الذي يرى أنه وسط كل تلك الصراعات فإن حقه مهضوم في الحصول على حكم ذاتي للجنوب، المختلف حضاريا، من وجهة نظرهم، عن باقي اليمن، وينبغي أن يخرج من تلك الفوضى ويبقى مستقلا بذاته، وهناك "تنظيم القاعدة" الذي يتوسع ويتمدد ويثير ذعر الغرب وكافة دول العالم. باب المندب: سيطرة الحوثيين على اليمن، تعني سيطرتها على مضيق باب المندب، وهو ما سيكون بمثابة انتصار كبير لطهران، التي ستمتلك ورقة ضغط كبرى تجاه الخليج والغرب، فمن المعروف ان مضيق هرمز، الذي يصل الخليج العربي بالمحيط الهندي، واقع تحت سيطرة إيران، ولكن بسيطرتها أيضا على مضيق باب المندب، الذي يصل البحر الأحمر بالمحيط الهندي سيكون له تأثير كبير، خاصة وأنها قد تعوق بتلك الطريقة الملاحة في قناة السويس، وتقطع أي إمدادات أو طرق تجارية للسعودية أو مصر. مفاوضات النووي: ستشكل سيطرة الحوثيين على اليمن ورقة ضغط إيرانية قوية في مفاوضتها مع الغرب حول البرنامج النووي الخاص بها، وستتمكن من الخروج بأكبر مكاسب ممكنة؛ حتى لو كان هذا على حساب تعزيز مخاوف الخليج من طهران، خاصة وأن إيران باتت أيضا لاعبا رئيسيا في العراق والحرب على داعش وسوريا بمساندتها لنظام بشار الأسد، وفي لبنان بوجود "حزب الله" الذي دعت طهران تسليحه بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، ولم تنجح السعودية إلا في إبعادها عن البحرين، بتدخل "درع الجزيرة" في الوقت الحاسم لوأد الاحتجاجات. النفط: رغم أن اليمن لا يوجد بها ثروات طبيعية ولا نفط، لكن أيضا ستدخل في اللعبة الدولية في هذا الأمر، حيث تتهم طهران السعودية بأنها نقلت صراعها الإقليمي مع إيران إلى أسواق النفط العالمية، وظهرت للسطح موجة من الخلافات والتهديدات بين البلدين في هذا الجانب. ونقلت وكالات الأنباء عن الرئيس الإيراني حسن روحاني تهديده للدول المسؤولة عن انخفاض أسعار النفط بأنها "ستندم" بسبب تأثر الخزانة الإيرانية بانخفاض أسعار النفط، وفي حالة سيطرة الحوثيين على اليمن فإن طهران ستسعى بكل قوة لاستغلالها كورقة ضغط تجاه الرياض كي تتراجع عن خفض أسعار النفط العالمية. المشاركة المصرية في تلك المرة قد تكون مختلفة عن تجربة ناصر في 1967؟ أعلنت مصر في أكثر من مرة استعدادها للمشاركة في الأوضاع المتردية في اليمن؛ لذلك ربط الكثيرون ما بين ما يحدث حاليا، وبين حرب اليمن التي خاضتها مصر عام 1967، خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، والتي أتبعتها مباشرة نكسة 67 وخسارة الجيش المصري أمام إسرائيل واحتلال شبه جزيرة سيناء، التي تشير تقارير عديدة أنه كان بسبب تلك الحرب التي خاضتها مصر خارج أراضيها وأرهقتها كثيرا واستنزف خلالها الجيش بصورة كبيرة. لكن عوامل عديدة تجعل من المشاركة المصرية الحالية مختلفة كثيرا عن مشاركتها في 67، ألا وهي: - في 67 لم تكن هناك خطة واضحة للتدخل المصري أو حتى أسباب سياسية واضحة، سوى الأسباب القومية العروبية، أما حاليا فقد أعلن الجيش المصري في أكثر من مناسبة أنه قد يشارك بقوات محدودة وعمليات نوعية لضمان عدم سقوط مضيق باب المندب في أيدي أي قوات أو ميليشيات معادية قد توقف الملاحة به ما قد يؤثر على الأمن القومي المصري والملاحة في قناة السويس، التي تعد بمثابة شريان أساسي للاقتصاد في مصر حاليا. - في 67، مصر كانت تحارب وحدها بتأييد "كلامي فقط" من العرب، لكن حاليا العملية بالأساس خليجية سعودية، وقد تكون بمشاركة مصرية محدودة، أي أنه لم يتم استنزاف الجانب المصري أو جره في حرب غير مدروسة العواقب. - في 67، كانت مصر متورطة في حرب بمناطق لم تدرسها بصورة جيدة ضد قبائل وميليشيات وجيش من أهل المنطقة وأدرى بشعابها، حاليا مصر لن تحتاج لأن ترسل قوات برية فبالفعل أعلنت عن إرسال عدة سفن بحرية، وربما قد تشارك بطائرات وغارات جوية، فكل ما يحتاجه الجيش المصري هو تأمين مضيق باب المندب أمام أي تحركات إيرانية مفاجئة لمساندة الحوثيين. - "مسافة السكة"، تلك سيكون أول تطبيق عملي لها منذ أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حملته الانتخابية لطمأنة دول الخليج أن مصر ستقف إلى جانبهم في أي خطر يهدد أمنهم القومي؛ لأنه يعتبر أيضا تهديد للأمن القومي لمصر، على حد قوله، لذلك فإن مصر لن تحارب بالتالي بمفرده بتلك الحرب، بل هي تتوجه لمساندة تلك الدول التي وقفت طويلا إلى جانب مصر.