مجموعة الحوثيين المتمردة والمنقلبة علي مذهبها ووطنها ليست إلا ورقة في يد إيران لتنفيذ مخططها الكبير لبسط نفوذها في البحر الأحمر من خلال تواجدها علي رأس هيئة حاكمة، وهو ما يعني في الوضع العسكري مكانا يمكن السيطرة من خلاله علي كل المنطقة المحيطة، وتعطي من يمتلكها فرصة كبري لامتلاك ميدان المعركة، ولذلك تسعي إيران للسيطرة علي جزيرة حنيش اليمنية، ومن هذا المنطلق تقوم بدعم المنشقين والمتمردين لتقسيم اليمن، لأن ذلك يعني لها تغيراً دراماتيكياً في معادلة القوي المطلة علي ساحل البحر الأحمر، والغرض الأساسي هو إحباط فكرة أن البحر الأحمر بحيرة عربية. لذلك تقوم إيران بإثارة القلاقل والتهديدات غير المباشرة، أي أنها تعطي الوكالة للقيام بذلك لبعض الجماعات الموالية لها بالمنطقة لضرب أكبر قوتين في المنطقة العربية مصر والسعودية، الأولي بصفتها الرائدة للقارة الأفريقية والقوي السنية الكبري بالمنطقة، وصاحبة ممر مائي علي البحر الأحمر قناة السويس، والثانية كونها هي الأخري رائدة دول الخليج العربي وقبلة السنة في العالم، وهو المذهب الأكبر والأهم في الإسلام، وأيضاً لكل من القوتين العربيتين حضارات تناطح الحضارة الفارسية، فمصر بحضارتها الفرعونية، والسعودية بحضارتها الإسلامية. - حنيش وقناة السويس تضع إيران عينها علي جزيرة حنيش التي تقع في المياه الإقليمية ما بين اليمن وإريتريا، وبعد رجوع الجزيرة مرة أخري لليمن بالتحكيم الدولي بعد أن احتلتها إريتريا قرابة الثلاث سنوات من عام 95 وحتي 1998 بإيعاز من إسرائيل تسعي طهران بكل الطرق لوضع نفسها علي قمتها والتحكم فيها، وقبل أن نذكر كيف تدير إيران مخططها هذا منذ سنوات وتتحين الفرصة لتفجيره بما يتوافق ومصالحها، فإن ما يحدث في اليمن هو قضية مصرية وسعودية مباشرة مقصود بها المنطقة العربية بأكملها، لأنها تتعلق بواحدة من أهم نقاط التحكم الاستراتيجي في شرايين المواصلات ونقاط العبور ومضايق البحار، ذلك يؤثر علي مصالحنا في مصر بشكل مباشر ورئيسي في حالات الصدام المسلح واحتمالاته، وحتي في حالات التسوية السلمية واتفاقياتها، ولا ننسي في هذا التعاون المصري- اليمني في إغلاق مضيق باب المندب في حرب أكتوبر عام 1973 لذلك فإن تهديد المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب من أي طرف مباشر أو غير مباشر لا يقل خطورة علي الأمن القومي العربي من تهديد المنابع الجنوبية لنهر النيل أيضاً، ولأن جزيرة حنيش الكبري تشكل أقصي ارتفاع طبيعي فوق مدخل البحر الأحمر 1400 قدم، ونظراً إلي موقعها الحاكم المسيطر عند نقطة اختناق الشريان البحري، فإنها تحولت إلي صمام يتحكم في الدخول إلي البحر الأحمر والخروج منه، وذلك يعني لمصر والعرب تهديداً مباشراً لأمن قناة السويس وتحويل البحر الأحمر إلي زقاق مائي مغلق من أحد طرفيه، بمعني تعطيل قناة السويس وإغلاقها، وأن أمن قناة السويس التي تشكل عنق مصر جغرافياً واستراتيجياً يقع جنوباً في نصف دائرة صغيرة يسكن مركزها باب المندب أقصي الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، بل إن ظلال هذا الخط الدفاعي الاستراتيجي المصري تصل إلي قلب الخليج العربي، وأي تهديد يخنق مصر يصل إلي بطن الجزيرة العربية كلها، إذن ما يحدث هو مسرحية موجهة إلي قناة السويس.. حيث إن جزيرة حنيش تقع أيضاً بالقرب من باب المندب بطول حوالي 50 كيلو متراً في تلك النقطة قامت إيران بوضع قاعدة عسكرية قبالة ميناء عصب الذي يقع في منطقة معزولة داخل الصحراء الإريترية بالقرب من الحدود مع جيبوتي، والقريبة من مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهو أحد الطرق التي يمر منها حوالي 40٪ من الصادرات النفطية، وكانت إريتريا قد وقعت العام الماضي اتفاقية تمنح إيران الحق الحصري بالإشراف علي تطوير وصيانة وعمل شركة تكرير النفط الإريترية، والمعروفة باسم مصفاة عصب، وتركزت الاتفاقية مبدئياً علي قيام الإيرانيين بتكرير النفط في المصفاة وإعادة تصديره لإيران، وبات واضحاً وجود معالم مخطط إيراني يسعي لنقل أي حرب قادمة لها من مضيق هرمز والخليج العربي إلي خليج عدن وباب المندب الذي يعتبر أضيق ممر، ويصل بين قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي. وهذا يذكرنا باتفاقية ليفني- رايس التي تم إبرامها قبل ستة أيام من انتهاء ولاية بوش، بدأت في سريانها هي الأخري من خلال استراتيجية جديدة تم رسمها في البحر الأحمر والمحيط الهندي حيث الصراع الدولي القادم. ولذا نعود إلي التفكير الاستباقي لإيران في البحر الأحمر وخليج عدن والسيطرة علي جزيرة حنيش، والذي عبر عنه تصريح محمود حسن زاده سفير إيران بصنعاء في مايو الماضي، عندما قال: إن إيران تنطلق من التاريخ ومعرفة الجغرافيا وفقاً لمصالحها الأمنية والاقتصادية، وليس وفقاً لرؤية قاصرة لما يدور من أحداث في صعدة مثلاً، ومن يعتقد أن الدعم الإيراني مذهبي فهي قراءة خاطئة والقضية بالنسبة لإيران مصيرية.. انتهي كلام زاده.. وتبقي أمامنا معضلة يمنية ممثلة في أن قواتها البحرية ضعيفة عبارة عن 1700 مقاتل و18 زورق دورية و6 معدات للتصدي للألغام و7 مركبات برمائية و2 مركبة للدعم والنقل، وذلك لا يمكنها من مواجهة أي خطر محتمل من جانب القوي الإقليمية، وهو ما استغلته إيران بمدخل من إريتريا، وعلي الرغم من أن اليمن كانت تعتمد في حدودها البحرية علي حسن الجوار، إلا أنها بعد أن صارت ملجأ للإرهاب البحري وعمليات التهريب، تحاول الآن تأمين سواحلها، ولكن لازال أمامها وقت لذلك، حتي بعد أن ساعدتها أمريكا ودعمتها ب55 مليون دولار خلال هذا العام لدعم حرس حدودها وأمنها البحري ومكافحة القرصنة، ولكن يظل الإعداد والتدريب من نواقص قوتها البحرية مما يثير كثيرا من القلاقل لجيرانها. - خطة يمن خوش هال وهي خطة أعدها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومعناها اليمن السعيد بالفارسية، وتتضمن تدريب الحوثيين علي العبوات الناسفة والتحريك الجماهيري وشراء الولاء القبلي والانفتاح علي الحراك الانفصالي في المحافظات الجنوبية وربطها بالمسار الحوثي، هذا علاوة علي معسكرات لتدريب المتمردين في إريتريا حيث يتمركز الفيلق الإيراني في منطقة دنقللو وإمدادهم بالسلاح عبر ميناء عصب الإريتري.. حيث سهولة الحركة من هذا الميناء إلي ميناء ميدي اليمني حيث لا يفصلهما سوي كيلو مترات قليلة، وبعدها يتم تفريغ ما بداخل السفن في قوارب صغيرة يتم تخزين ما بها من أسلحة ومتفجرات في مزارع وأماكن قريبة من الميناء، ثم يقوم الحوثيون بنقلها إلي مناطق متعددة بصعدة وحرف سفيان وهما من مناطق تمركزهم، وكانت اليمن قد أعلنت في أكتوبر الماضي عن اعتقالها لخمسة إيرانيين علي متن سفينة إيرانية محملة بالأسلحة قبالة سواحل شمال اليمن، لكن طهران نفت ذلك في حين اتهم الرئيس اليمني عبدالله صالح المتمردين بتلقي تمويل من مرجعيات إيرانية.. وكان أحد التائبين الحوثيين ويدعي عبدالله المحدون قد سلم نفسه للجيش اليمني واعترف بأن هناك دوراً إيرانياً في تأجيج الصراع في صعدة، وأن الحوثيين تلقوا دعماً من السلاح والتموين بإشراف الحرس الثوري الإيراني وخبراء من عناصر حزب الله اللبناني، وأن عبدالله الحوثي أخبره بأن الأمور تسير لصالحهم وبأنهم بهذا المنهج سوف يعيدون مسيرة فارس، وبدأوا في خوض العمليات الانتحارية، واستكمالا لخطة اليمن السعيد أعطت إيران نفسها الحق في الاحتجاج علي ما أسموه بالمجازر التي ترتكب ضد الشيعة في اليمن، مع أن نسبة 70٪ من سكان اليمن شيعة، وأن الرئيس علي عبدالله صالح نفسه من الزيدية، ولكن إيران لم تكتف بذلك بل واصلت عاداتها في مثل هذه الأحوال حيث أخرجت متظاهرين ليقفوا أمام السفارة اليمنية بطهران يطالبون بطرد السفير اليمني وأيضاً تغيير اسم الشارع الذي تقع فيه سفارة اليمن ليصير اسمه الحوثي وبالطبع نتذكر في هذا الشارع الذي يحمل اسم قاتل الرئيس السادات خالد الإسلامبولي هناك، مما يوضح أن إيران لا تغير من أسلوبها النمطي الذي يثير الشعوب ضدها.. وتمضي الخطة خوش هال في طريقها مستغلة التقسيمات العرقية داخل المجتمع اليمني وبعثرة مجموعات الزيدية ليصير الوضع ممهداً للأهداف الإيرانية لاختراق إحدي تلك المجموعات لتملي عليها مبادئ وأفكار الاثني عشرية بدلاً من الزيدية، وكان لها هذا من خلال الحوثيين، وبدأته من الثمانينيات من القرن الماضي عندما قام الشيخ صلاح أحمد فليته عام 1986 وبدعم إيراني من إنشاء اتحاد الشباب المؤمن، وقد كان أعضاء هذا التيار يدرسون الثورة الإيرانية علي يد محمد بدر الدين الحوثي الذي يعتبر الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها، وفي ظل التعددية الحزبية والسياسية والحرية الإعلامية، والذي تزامن مع قيام الجمهورية اليمنية عام 1990 ظهرت عدة أحزاب ذات توجهات مختلفة من بينها حزب الحق الذي كان أحد أعضائه حسين بدر الدين الحوثي، ولكنه لم يستمر طويلا في الحزب واستقال منه، والسبب كان حصول حزبه في الانتخابات البرلمانية علي نسبة ضئيلة جداً من الأصوات، بعدها قام بتأسيس منتدي الشباب المؤمن عام 1997 والذي كان يضم عدداً من مثقفي المذهب الزيدي إلا أن هؤلاء لم يكونوا علي وفاق مع حسين الحوثي بسبب أفكاره المنحازة إلي مذهب الاثني عشرية، الأمر الذي أدي إلي تصدع في التيار الواحد فتحول المنتدي إلي اسم آخر هو تنظيم الشباب المؤمن تحت زعامة حسين الحوثي بعدما انشق عليه المختلفون مع أفكاره التي كانت مدعومة من إيران، خاصة أن هناك علاقة قوية تربط بين الثورة الإيرانية مع العائلة الحوثية، وهو ما كان له الأثر الكبير في نشر إيران لتوجهاتها التوسعية من خلالهم، ومن أهم الأفكار التي اعتنقها حسين الحوثي أنه علي الأمة أن تكتفي بإمام يعلمها كل ما تحتاج إليه فهي لا تحتاج إلي دراسة الكتاب والسنة، وأن يكون هذا الإمام في شكل قائد أو زعيم أو قدوة، هذا علاوة علي قيام الحوثي بتحميل صحابة رسول الله فشل الأمة الإسلامية، علي إثر هذا اندلعت أولي المواجهات بين الحكومة والحوثيين في عام ,2004 قتل علي إثرها حسين الحوثي بعدها تولي قيادة التنظيم الأب بدر الدين الحوثي، ثم تولي القيادة عبدالملك الحوثي الابن الأصغر لبدر الدين بينما طلب الشقيق الآخر يحيي الحوثي اللجوء السياسي لألمانيا. هذا وقد تكلفت خطة اليمن السعيد 3 مليارات دولار وهو ما كشفته المعارضة الإيرانية عندما اختفي هذا المبلغ من صندوق احتياط النقد الأجنبي، وعلمت المعارضة من مصادر خارجية بأنه تم سحبه بواسطة الحرس الثوري الإيراني من أجل دعم اليمن السعيد مما أثار فضيحة كبري تتفاعل الآن في إيران. - من الهلال الشيعي إلي المؤتمر الشيعي كشف الملك عبدالله الثاني ملك الأردن عام 2004 عن المخطط الإيراني في المنطقة العربية الهلال الشيعي، والذي يبدأ من لبنان وينتهي في اليمن، وبعد خمس سنوات أي في هذا العام يظهر مخطط آخر شيعي جاء في تقرير للمخابرات الأمريكية إلي بعض الجهات في المنطقة العربية تحت عنوان المؤتمر الشيعي العالمي، وتفاصيله تبدأ مما يحدث الآن في اليمن والمخطط صدر في بيان سري يحتوي علي توصيات هذا المؤتمر التأسيسي لشيعة العالم والذي عقد في مدينة قم ويتضمن أن تكون هناك منطقة عالمية تسمي منطقة المؤتمر الشيعي العالمي مقره إيران وفروعه في كل أنحاء العالم، وذلك لضرورة تعميم التجربة الشيعية التي نجحت في العراق- حسب الوثيقة- لتصل إلي باقي الدول العربية الأخري ومنها السعودية - الأردن - اليمن - مصر - الكويت - والبحرين وذلك من خلال بناء قوات عسكرية غير نظامية لجميع الأحزاب والمنظمات الشيعية بالعالم عن طريق إدخال مجموعة من الأفراد داخل المؤسسات الحساسة العسكرية والأجهزة الأمنية ودعمها ماليا عن طريق تخصيص ميزانية خاصة بها، وما يحدث من صراع بين الحوثيين والحكومة اليمنية يبرز التحدي والثقة بأن الحوثيين يعتمدون علي دعم خارجي لأنه لا يمكن لمجموعة محدودة يبلغ عددها علي الأكثر ألفي شخص يقومون بحرب عصابات ويختبئون في الجبال الوعرة ويدخلون مغامرة غير محسوبة مع السعودية إن لم يكن ثمة دعم خارجي لوجستيكي وبشري، وقد تم كشف هذا السيناريو منذ عام عندما غادرت سفينة تابعة لسلاح البحرية الإيراني ميناء بندر عباس إلي خليج عدن، وكانت بداية الحرب السادسة كما يطلق عليها الحوثيون مع الحكومة اليمنية والمستمرة حتي الآن، في هذه الأثناء التقطت أجهزة الأسطول الخامس الأمريكي رسالة حبيب الله سياري قائد القوات البحرية الإيراني، والذي وجهها لطاقم المدمرة المرسلة لخليج عدن معربا لهم بأن ما يقومون به يصب في حفظ المصالح للبلاد، وأن هذه المهمة الخطيرة سوف يثمنها لهم الشعب الإيراني، وبعدها حدث في نفس العام انفجار ثلاثة قوارب بميناء ميدي في اليمن الذي عن طريقه قامت إيران بتزويد الحوثيين بأسلحة أكثر تطوراً مثل الصواريخ المضادة للدروع، وكانت هناك معلومات عن تقديم إيران طلبا للحكومة اليمنية لتفعيل ميناء ميدي في شكل استثمارات إيرانية، لكن اليمن رفضت، وعليه قامت شخصيات مقربة من النظام وعلي صلة بالحوثيين بشراء أراض شاسعة في ميدي لصالح الحوثيين، وهو ما جعل السعودية تلتفت لخطورة الجزر اليمنية والمناطق المطلة علي البحر الأحمر، ووجهت مستثمرين سعوديين من أصل حضرمي للمشاركة في الاستثمارات العقارية والسياحية في هذه الجزر وصلت إلي خمسة مليارات دولار. وبناء علي الأحداث الأخيرة فإن السعودية تنوي بناء سور حدودي مع اليمن للحد من عمليات التهريب والتسلل وللتقليل من المخاوف التي زادت في الآونة الأخيرة. وفي الوقت نفسه أغلقت اليمن مستشفي إيرانيا كان يعمل تحت شعار العمل الخيري، ولكنه تم كشف وثائق فيه تؤكد سعي إيران لإقامة دولتين إحداهما في الشمال تكون تحت سيطرة الحوثيين والثانية في الجنوب تحت سيطرة الانفصاليين بقيادة علي سالم البيض الذي صرح بأنه مستعد لتلقي أي دعم من إيران لمشروعه الذي يطلق عليه فك الارتباط بين الشمال والجنوب. ودخل منوشهر متكي وزير خارجية إيران علي الخط وصرح منذ يومين بأن اليمن يواجه حاليا ثلاث مشاكل حقيقية تتمثل الأولي في التطرف الإرهابي والسعي لتحويله إلي مقر لانطلاق الأعمال الإرهابية في إشارة لتنظيم القاعدة الذي ينحدر زعيمه أسامة بن لادن من أصول يمنية، والثانية حسب قول متكي هي الحركات الانفصالية، والثالثة وصفها بالمعضلة اليمنية والتي تتمثل من وجهة نظره في الخلاف القائم بين الحكومة والشيعة وأن طهران علي استعداد لبحث هذه المشاكل مع اليمن.