هل سمعت أو قرأت حضرتك عن عصابة إجرامية عرفها تاريخ البشر، كل أعضائها يحملون القنابل، ويلهون بها، ويلعبون فى كل ساعة لعبة القتل العشوائى للناس بلا تمييز، ويشيعون الحرق والتدمير والتخريب فى كل ركن، من دون كلل ولا ملل، ولا ذرة من ضمير؟! أظنك مثلى لم تسمع أبدًا بتشوه وشذوذ من هذا النوع الذى نكابده هذه الأيام على يد عصابة إخوان الشياطين ، إذ نراها حاليا تخرج زفرة الموت الأخيرة من حلوق أنطاعها وأتباعها برائحة نتنة وفى صورة مهرجان قنابل صاخب يلون حاليا شوارع الوطن بالدم الطاهر أحيانا، ويغرقها طول الوقت فى تلال من ركام التدمير والتخريب والتكسير. ما يجرى الآن فى بلادنا يبدو قريب الشبه جدا بحادثة دامية غيّرت تاريخ أوروبا المعاصر (وربما البشرية كلها) وقلبته رأسًا على عقب، لكن وقائعها الدامية جرت فى ليلة واحدة فقط.. وهذا هو واحد من اختلافين اثنين بين ما يحدث فى مصر الآن ووقائع تلك الحادثة الأوروبية.. فأما الاختلاف الثانى فأدعوك للصبر حتى نهاية هذه السطور وستعرفه. تلك الليلة زائعة الصيت هى التى انحشرت فى نهاية يوم 9 وصباح يوم 10 نوفمبر عام 1938، وتسجلت فى التاريخ تحت اسم ليلة الكريستال ، واعتبرها المؤرخون جميعًا نقطة انطلاق وتطور حاسمين فى مسيرة المشروع العنصرى النازى، وما رافقه من عواصف دموية عاتية ضربت ألمانيا ومناطق واسعة من العالم، وأطلقت موجات هائلة من الحروب وإبادة جماعية رهيبة استهدفت مجموعات وكتلًا بشرية بأكملها، وأنهت مرحلة سوداء من التاريخ الاستعمارى الأوروبى بكلفة رهيبة تمثلت فى حصد أرواح عشرات ملايين البشر من شتى الأعراق والأجناس والأمم، بل وتدمير ألمانيا نفسها، واحتلالها بجيوش الحلفاء الذين دخلوا العاصمة برلين المهدمة يوم 9 مايو 1945. عاصفة الخراب والمقتلة الجماعية الشنيعة تلك، بدأت انطلاقًا من أحداث ليلة الكريستال هذه باستهداف الأجانب والأقليات العرقية (اليهود والغجر بالذات)، وقد طالتنا نحن أمة العرب، آثارها الكارثية بعدما التقطتها الحركة الصهيونية المتحالفة مع قوى الاستعمار الغربى واتخذتها ذريعة ومبررًا أخلاقيا لتهجير اليهود الذين ارتكب الأوروبيون الفاشيست جريمة الإبادة ضدهم، واستخدموهم أداة بشرية لارتكاب أكبر وأفظع جريمة سرقة فى التاريخ، ألا وهى سرقة واغتصاب فلسطين العربية وقتل واقتلاع وتشريد أهلها من ديارهم، وبناء كيان عنصرى لقيط وعدوانى على أشلاء مجتمع ووطن أصحاب الأرض الأصليين. وأعود إلى أحداث هذه الليلة البعيدة، فقد استغل هتلر آنذاك حادثة قتل السفير الألمانى فى فرنسا على يد فتى يهودى وقام بعملية تهييج وتحريض هائلة وواسعة النطاق لعب فيها على المشاعر الوطنية واستثارة روح التعصب لدى قطاع واسع من الجمهور الألمانى، ما أدى إلى نجاح النازيين فى حشد وتعبئة أعداد غفيرة من العامة خرجوا فى عدد كبير من مدن ألمانيا (والنمسا) للانتقام وتطهير موطن الجنس الآرى من دنس اليهود والأجانب ، ولم تنته ساعات الليل حتى كان الحصاد مروعًا، فقد تم تدمير وحرق آلاف البيوت والمتاجر والمنشآت والممتلكات، كما سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، فضلًا عن اعتقال عشرات الألوف.. أما أصل المسمى الشائع لهذه الليلة (ليلة الكريستال) فيعود إلى أطنان هشيم الزجاج المحطم، التى بدت فى الصباح، تكسو وتغطى تمامًا الشوارع والطرقات. بعد هذه الليلة العصيبة بدأ صعود هتلر وحزبه النازى، ونجح فى القبض على حكم ألمانيا، ومن ثم أطلق شياطينه وشروره، حتى انتهى بعد سنوات عقد ونصف العقد، فوق ركام خراب ودمار هائلين وشاملين لم يعرف تاريخ البشرية مثيلًا لهما حتى ذلك الوقت، أى منتصف القرن العشرين. هنا يبدو الفارق الثانى بين ما تفعله الآن عصابة إخوان الشياطين بنا هذه الأيام، وبين ما فعلته العصابة النازية الألمانية فى تلك الليلة الأوروبية البعيدة، فقد كان النازيون وقتها يبدؤون مشوار الخراب، أما عصابتنا فهى تنهى بمهرجان القنابل رحلتها الطويلة المشؤومة فى دنيانا، وتزين بالعار والإجرام مشهدها الأخير، قبل أن تموت وتندفن إلى الأبد.