منطقى جدًّا فى هذه الأيام أن يكون للحب عيد، يوم واحد فى السنة نتذكّر فيه هذه الكلمة السحرية، لنعود وننساها فى اليوم التالى، وننشغل بكل الأشياء الأخرى، لكننا عندما نتكلم عن نقص الحب فإننا فى الحقيقة نتكلم عن حب الغير، لأن ذلك النوع من الحب ناقص فى السوق، أما حب النفس فلا يوجد أكثر منه فى هذه الأيام. حب الغير هو الذى يصنع الجنة، وحب النفس هو الذى يصنع الجحيم فى الدنيا. الانشغال بالذات مقابل الانشغال بالغير. علمتنى الدنيا أن الانشغال بالذات هو أقصر الطرق إلى الأمراض النفسية والمشاعر ذات المعنى الكريه، الحقد والغل، الغيرة بل والعنف أيضا، بينما يعطى الانشغال بالغير لحياة الإنسان كل المعنى وكل القيمة. لا أعرف لماذا أتذكر وزارة الداخلية بالذات، وأنا أتأمل فى تلك الأفكار. عيد الحب، وزارة الداخلية! وكأنهما على طرفى نقيض. الأمن هو من أغلى ما يمكن أن يحصل عليه أى إنسان، وهناك وزارة كاملة مسخرة من أجل أمن الإنسان فى بلدنا، وهو، توفير الأمن، من أعظم المعانى، التى يتجسد فيها مفهوم الانشغال بالغير. وزارة شغلتها أن تحوش عنك الأذى، وأن تحميك فى حياتك ومالك وممتلكاتك وعرضك. ولا أفهم كيف بعد كل ذلك لا يثير ذكر هذه الوزارة فى عقل الناس سوى نوعين من المشاعر لا ثالث لهما، إما الرعب أو الغضب. تاريخها الداكن اللون يسبقها. لقد كانت وزارة الداخلية هى الثقب الذى منه تسرب الماء إلى مركب مبارك إلى أن أغرقه فى البحر. وها أنا أرى بمزيد من القلق الثقب ذاته يتكون من ذات الوزارة ليهدد مركب النظام الحالى، الذى ينزف أسهمه مع بدء تسرب الماء من أول وجديد. مشاعر الغضب هذه المرة تسبق مشاعر الخوف. سمعت عبارات غاضبة من سائقى التاكسى بعد استشهاد شيماء الصباغ، كانت العبارات كلها تنال من وزير الداخلية مباشرة، ثم ارتفعت النبرة بعد مجزرة الدفاع الجوى لتنال من النظام ذاته. غضب استشرى من استهانة الدولة بأرواح البشر، وغضب من أجل المحبوسين على ذمة قانون التظاهر وغضب من عودة رموز الحزب الوطنى إلى الحياة ومصر اليوم فى عيد، طبعا سيكون هذا مصحوبا بحالة لا مبالاة شعبية بالانتخابات البرلمانية والعودة لحالة اليأس والسلبية والعزوف. إحساس عام عميق بغياب العدل يعانى منه كل فئات المصريين باستثناء أبناء الحزب الوطنى الديمقراطى! عشرات القتلى مرة واحدة على يد الوزارة التى يفترض فيها أن تحميك من القتل! برره كيف شئت، بتذاكر أو بدون! لتحقق الوزارة بيديها ما فشل الإخوان أصحاب الفزاعة فى تحقيقه على الأرض بقنابلهم البدائية محلية الصنع! ثم يبقى الوزير المسؤول سياسيا على رأس وزارته، وكأن شيئا لم يكن، لأن الحكومة تستكثر إقالته حتى ولو لإنقاذ نفسها، فإقالته تعنى الاعتراف بالخطأ، والحكومة لا تخطئ. رأيت بعينى كيف تعرض المرور فى القاهرة إلى الشلل التام الكامل فى أثناء زيارة بوتين. وقرأت فى الصحف مندهشًا كيف تعاملت الوزارة مع ما وصفته بالجلطة المرورية وكيف سخرت لها اللواءات والعمداء فى الشوارع لإنقاذ الموقف. غير أنى على طول الطريق من نصف البلد وحتى شارع صلاح سالم لم أر لهؤلاء السادة الضباط أثرا فى قلب ذلك التكدس الخيالى، ولا حتى عسكرى واحد! الفكرة الوحيدة التى جالت فى خاطرى هى أننا لسنا فى حاجة لاثنين وعشرين قتيلا على أبواب الاستاد لنعرف قيمة المصرى فى بلده، إذ يكفينا أن ندرك أن لو شخص أصيب بنوبة قلبية واستدعى سيارة الإسعاف فإنه سوف يموت حتما قبل أن تصل إليه فى ظل هذا التكدس المرورى الخرافى، سيتحول أولاده إلى يتامى، وزوجته إلى أرملة، ولأن بوتين زار مصر ليوم واحد فسيحرمون هم منه إلى الأبد! لماذا أقول كل ذلك؟ أقوله لأنى أريد أن أحافظ على النظام الحالى، ليس حبا فيه بالمرة، لكن إدراك منى لحالة الانفلات والانفكاك اللذين شهدتهما مصر فى الأعوام الماضية، وأن هذا الحال لو تكرر فسوف يكون من المستحيل تقريبا تداركه هذه المرة أو السيطرة عليه. هذه المرة فيها قطم رقبة، لأنى أخشى من عواقب وخيمة، أرى نذرها فى الأفق، ولا يبدو أن المسؤولين يرونها معى حتى لو دفعوا مئة ألف جنيه عن كل رأس! فى عيد الحب أقول إن الأداء فى مصر تعيس للغاية، ولأنى أدعو الله أن تمر السنوات القليلة القادمة فى سلام دون أن تراهن الدولة على سكوت المصريين، لأنه سكوت خادع جدا، ولن يدوم، ولأنى أرى أن الدولة لم تحقق نجاحا مبهرا فى انشغالها بالغير، يبدو لى أن أقصى طموح هو أن تنجح على الأقل فى انشغالها بنفسها، فى إنقاذ نفسها!